ارشيف من : 2005-2008
كوريا الشمالية نووية: قراءات إسرائيلية
بما يكفي ليكون بعيداً عن التأثير على الأمن القومي الإسرائيلي".
"الانتقاد" اختارت ثلاثة نصوص تعرض الاتجاهات الأبرز في كيفية التعاطي الصهيوني مع الحدث الكوري الشمالي، مع الإشارة إلى جامع مشترك بين كل هذه الاتجاهات، وهو السعي للاستفادة من ذلك الحدث للتحريض على إيران وبرنامجها النووي السلمي.
إعداد:علي حيدر
ينبغي العمل فورا ضد كوريا الشمالية
هآرتس/ زئيف شيف/ 13/10/2006
تحقق السيناريو الذي يقضي بأن تنفذ كوريا الشمالية تهديداتها وتجري تجربة نووية. كان متوقعا وبالتأكيد هكذا، بعد تجربة الصواريخ الأخيرة التي أجرتها في تموز.
هذا السيناريو كان من شأنه أن يتعقد جدا لو أنه جاء في الفترة نفسها التي تنفذ فيها ايران أيضا تجربة نووية.
دولتان متطرفتان، وصفهما الرئيس جورج بوش منتميتين الى محور الشر، كانتا ستدخلان في الوقت نفسه تقريبا الى النادي النووي.
واضح أنه في هذه الحال كانت قواعد اللعبة الدبلوماسية الدولية ستنقلب، ومعها أيضا قواعد اللعبة الاستراتيجية النووية.
غير أن كوريا الشمالية، كما يمكن القول، سارعت الى تحقيق هذا السيناريو الخاص بها.
وفي هذه الأثناء لا يبدو أن هناك تنسيقا سياسيا ـ نوويا بين كوريا الشمالية وإيران، ولكن يمكن أن ينشأ وضع تكون فيه الدولتان تحمي الواحدة جناح الأخرى.
يثور سؤال عسير: هل تضعف أمام ناظرينا قوة ردع الولايات المتحدة؟ القوة العظمى الوحيدة اليوم غير قادرة على منع اجتياز خطوط حمراء في المجال النووي.
وعمليا يدور الحديث عن اهتزاز ردع الأسرة الدولية برمتها، فالفشل حيال كوريا الشمالية هو فشلها.
ظاهرة مشابهة تقع في الأشهر الأخيرة في الموضوع الإيراني. وفي اسرائيل ينبغي للأمر أن يثير الخواطر لكون استراتيجيتها في ضوء التحول النووي الإيراني تستند قبل كل شيء الى عمل الأسرة الدولية. وإذا كانت هذه غير قائمة او ضعيفة جدا، تتبين بالضرورة الحاجة الى التعزيز السريع لقدرة الرد الإسرائيلية.
الى قائمة إخفاقات الأسرة الدولية تضاف قضية بيع المعلومات النووية العسكرية من جانب "أبي القنبلة النووية الباكستانية" عبد القادر خان ـ بعلم الاستخبارات الباكستانية ـ الى دول عربية وإسلامية. وهو قال في إفادته التي سُرِّبت إنه كان يسعى الى مساعدة المسلمين. واكتشف الأميركيون التسريب النووي الكبير، ولكنهم امتنعوا عن رد حازم بسبب رغبتهم في الحفاظ على شبكة علاقات طيبة مع باكستان.
وقبل أن ينهار السد برمّته وتندفع المياه لتغمر كل شيء، يمكن القيام بخطوة مهمة واحدة، عملية حثيثة وفورية من الأسرة الدولية ضد كوريا الشمالية.
لا يدور الحديث عن حرب لا يؤيدها جيرانها، الصين وكوريا الجنوبية، بل عن عقوبات أليمة.
إيران تنتظر لترى كيف سترد الولايات المتحدة والأسرة الدولية بالنسبة الى كوريا الشمالية، فإذا كان الرد فاترا فستكون هذه دعوة الى إيران لحث خطاها في مسار السلاح النووي. أما العقوبات الشديدة فكفيلة بالردع، ذلك أنه خلافا لكوريا الشمالية، فإن إيران غير مبنية لتقاوم الحصار والعزلة.
ومع ذلك يُحتمل أن تكون هناك فكرة إيرانية تقول إنه لا ينبغي الخضوع للضغوط والإغراءات، وبالتأكيد هكذا تبني آيات الله نهجا يقضي بأن يضمن السلاح النووي حكمهم ويردع من يرغب في مهاجمتهم.
ومع أنه لا يوجد سبب للنزاع بين الدولتين، مع ذلك تصرفت كوريا الشمالية بعداء تجاه اسرائيل.
ففي حرب يوم الغفران بعثت الى مصر سرب طائرات قتالية واقترحت بيع صواريخ أرض ـ أرض لكل دولة عربية ترغب في ذلك. وبنت للسوريين خطا لإنتاج صواريخ "سكود" المتطورة. وباعت قطع صواريخ لإيران ومعدات صواريخ لمصر. وفي سفينة كورية شمالية عُثر عليها قبل نحو ثلاث سنوات في طريقها الى إيران وُضعت اليد على "خواتم" تُستخدم لإنتاج الصواريخ على مسافة نحو 4 آلاف كيلو متر (دي. دونغ 2).
ومن ناحية اسرائيل، مع أن الحديث يدور عن حدث وقع في الشرق الأقصى، لكن هذا الشرق ليس قصيا بقدر كبير، ويمكن له ان يؤثر على أمنها.. هذا اذا ما قررت دولة أخرى في الشرق الأقصى تطوير سلاح نووي في أعقاب التهديد الكوري الشمالي، وبالتأكيد هذا اذا ما قررت كوريا الشمالية الرد على الخطوات ضدها ببيع سلاح نووي الى الآخرين، بل وإلى محافل الإرهاب.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
هل تنهي إسرائيل سياسة الغموض النووي؟
هآرتس/ألوف بن/ 13/10/2006
أظهرت كوريا الشمالية مرة أخرى أن دولة صغيرة تتمتع بالتصميم تستطيع أن تتجاهل مطالب "الأسرة الدولية" الواهنة. جرأتها ترتكز على إدراكها بأن ما يبدو مصلحة قومية حيوية في بيونغ يانغ ليس مهما تماما بالنسبة الى الزعماء والرأي العام في واشنطن ولندن وباريس.. هذا بالنسبة اليهم أمر مزعج وليس مسألة وجودية.
الجرأة الكورية الشمالية لم تفاجئ أحدا في إسرائيل: "العالم" يطالب إسرائيل منذ أربعين عاما تقريبا بالانسحاب من المناطق والتوقف عن الاستيطان وإلغاء ضم القدس، ومع ذلك لم يتأثر أحد هنا، وما زالوا يؤمنون بفرض الحقائق على الأرض. حتى السلطة الفلسطينية الصغيرة والضعيفة، تعلمت أنه من الممكن الوقوف وحيدة في مواجهة الأسرة الدولية وعدم الانصياع لها.
الانفجار في كوريا الشمالية كان بالنسبة الى إسرائيل ورقة إعلامية مهمة، من الممكن التخمين أن صحف الغرب ستنشر عما قريب تقارير جديدة حول التعاون العسكري الإيراني الكوري الشمالي.
هكذا تسير "سياسة مستوى البروز المنخفض" الإسرائيلية في مواجهة التهديد النووي الإيراني: القادة يقللون من التصريحات، والاستخبارات تنشر المعلومات على كل وسائل الإعلام ومراكز الأبحاث في الغرب، بهدوء ومن دون "بصمات أصابع إسرائيلية".
الحكايات التي تصل الى الصحف ستُقتبس دائما عن "مصادر تجسسية غربية" أو ما أشبه ذلك من التغطيات، لزيادة الشعور بالخطر وتشجيع الحكومات على التحرك.
بين المتخصصين في اسرائيل يوجد إجماع منذ سنوات حول كيفية التصرف في مواجهة ظاهرة السلاح النووي الإيراني.. هل يجب اعتباره تطورا لا يمكن منعه والاستعداد لتوازن رعب إقليمي جديد على طراز الحرب الباردة؟ وهل ستغيّر إسرائيل سياسة "التعتيم النووي" التي اتبعتها منذ الستينيات وتنتقل الى الردع المباشر العلني؟ وماذا اذا تصرفت إيران بصورة غامضة أيضا؟
هذه أسئلة صعبة تستوجب الإجابة عنها عملية تنسيق معمقة مع واشنطن. مساعد وزيرة الخارجية الاميركية لشؤون الشرق الأوسط ديفيد وولش، قال هذا الأسبوع إنه لا يلاحظ في هذه المرحلة فوارق جوهرية بين رغبات إسرائيل ورغبات واشنطن. فكلتا الدولتين كما قال، معنية بحل الأزمة الإيرانية بالوسائل الدبلوماسية. كما عبّر وولش عن تقديره بأن الفجوات بين أميركا والدول الأخرى، مثل روسيا والصين، بصدد جوهر الخطوات القادمة ضد إيران ستتقلص في المستقبل. ولكن لا يبدو أن هذا المستقبل قريب تماما! النقاش حول إيران حسب اعتراف وولش، سيستغرق مدة أطول من تلك التي بدأت بالتوازي بصدد الخطوات العقابية ضد كوريا الشمالية.
إسرائيل ملتزمة منذ 1969 بالتفاهم مع الولايات المتحدة الذي ينص على عدم الإعلان عن وجود سلاح نووي لديها، وأن لا تقوم بتجربة نووية. في المقابل يقوم الأميركيون بكبح الضغوط الدولية لنزع السلاح الردعي الاستراتيجي من يد إسرائيل. "التعتيم" ما زال ساري المفعول، ولكن هناك تغير مثير حدث في طرح الموقف الإسرائيلي في ظل التهديد الإيراني.
مدير عام لجنة الطاقة النووية جدعون فرانك، ألقى قبل ثلاثة أسابيع خطابا أمام المؤتمر السنوي للوكالة الدولية للطاقة النووية في فيينا، وهناك تحدث عن "الكبح الذاتي" الذي تتبعه إسرائيل حتى في مواجهة تهديدات خطيرة وفرص مغرية. من الممكن أن نفهم مما قاله أن إسرائيل تتصرف بمسؤولية واهتمام شديد، ولكن من الممكن أن نفهم أيضا أن هناك نهاية لضبط النفس. و"الفهيم يفهم".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عدم الرد على كوريا يؤدي الى انتشار السلاح النووي
هآرتس/ دان مرغليت/ 13/10/2006
الحرب العالمية الثانية لم تبدأ مع احتلال النازيين لبولندا في شهر أيلول 1939، فالمؤرخ القدير وغير التقليدي "اي.جي.بي تايلور"، أشار الى أن بدايتها كانت في "موكدان" في منشوريا. ففي شهر أيلول 1931 هاجم الجيش الياباني قطارا لكي ينقص من مكانة الصين في نظر السكان المحليين، وهذه الخطوة الاستفزازية مكّنت اليابان فيما بعد من الاستيلاء على المنطقة.
والعالم في ذلك الوقت لم يرد، فالولايات المتحدة كانت غارقة حينها في مشاكلها الاقتصادية، وفرنسا ممزقة في الداخل، وبريطانيا كانت تتخبط في أزمة حكومية، و"عصبة الأمم" لم تكن تعمل.. وحين اسيقظ الغرب تشكلت لجنة برئاسة لورد بريطاني لكي تحقق في الموضوع الذي عُرف بـ"حادثة موكدان"، وذهب وقت ثمين هباء.. واليابان هزئت من استنتاجات اللجنة ومن العالم.
فحادثة "موكدان" كانت إشارة البداية لانهيار "عصبة الأمم". وفي أعقاب ذلك غزت إيطاليا الفاشية أرض الحبشة (أثيوبيا)، وألمانيا النازية غزت منطقة الراين (فرنسا) وإقليم السوديت. وظهرت الحال الدولية كأنها عبارة عن بؤر متناثرة.
لقد تحولت حادثة "موكدان" الى شيء معين في كتب التاريخ الحديث، وهكذا الى أن نسيها العالم. ويمكن ان تُسجل التجربة النووية التي أُجريت في باطن الأرض في كوريا الشمالية، في التاريخ على أنها "موكدان 2". ان عدم الاكتراث في الرد العالمي المتنازع مع نفسه تجاه دولة غريبة تهزأ وتسخر من الإنسانية يمكن أن تشكل علامة على الانهيار التامّ للعلاقات الدولية، وفي طليعتها اتفاقية منع انتشار الأسلحة النووية.
ان السلاح النووي الموجود في يد كوريا الشمالية منذ أسبوع، والذي ينتظره المزيد من التطور الأخطر في إيران وفي دول أخرى في الشرق الأوسط وجنوبي أميركا، قد يشكل أضغاث الأحلام التي سبق لصمويل هينتجتون أن توقعها بالنسبة الى حرب الحضارات. ان العقوبات واللهاث الدبلوماسي لن يمنع انتشار المزيد من السلاح النووي، فإذا لم يقف العالم متحدا بقوة في وجه ما يحدث في كوريا الشمالية وإيران وفي دول أخرى في الشرق الأوسط ـ لا أن يتصرف معها على أنها نسخة ثانية من تلك الأحداث في منشوريا وأثيوبيا وألمانيا وتشيكسلوفاكيا في سنوات الثلاثينيات ـ فإنه سيجد نفسه أمام محور شرير يمتلك قوة نووية
ومن الصعب العمل ضده.
ان كل واحد يعرف أن "جورج دبليو بوش" مثل أبيه، لم يكن ليجرؤ على إعلان الحرب ضد صدام حسين (العراق) لو لم يصدر مناحيم بيغن أوامره بتدمير المفاعل الذرّي بالقرب من بغداد قبل 25 سنة.
توجد دوافع للعمل بقوة، وتلك القواعد القديمة التي حددت في إعلان ميثاق الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية، وحالة تأنيب الضمير التي ألمّت بأميركا بعد أن أسقطت قنبلتين ذريتين على اليابان سنة 1945، لم تعد قائمة ولا موجودة في حال المواجهة مع الأنظمة الخطيرة التي تجاوزت كل الحدود. ولكن حتى الآن لا يوجد وينستون تشرشل جديد في الغرب، كذلك لا يوجد هاري ترومان الذي لم يندم أبدا على تفجير هيروشيما وناكازاكي.. ضروري للعالم المتحضر ترتيب تحديد روماني معروف، فالذي يريد السلام (النووي) يتحضر لحرب (تقليدية).
الانتقاد/ العدد 1185 ـ 20 تشرين الاول/ اكتوبر 2006
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018