ارشيف من : 2005-2008
لبنان تكفّل بـ49% من إجمالي النفقات وسدّد خمسة ملايين كدفعة أولى
على الرغم من أنّ عجلات المحكمة ذات الطابع الدولي الخاصة بالنظر بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، لن توضع على سكّة الانطلاق قبل عام على الأقل، وقبل كشف القتلة الحقيقيين...
وعلى الرغم من عدم تشكّلها رسمياً من حيث تعيين القضاة الثقات، واختيار المدعي العام ومعاونه، وتحديد المقرّ الرسمي في هولندا...
وعلى الرغم من عدم انتهاء لجنة التحقيق الدولية من تحقيقاتها، إلا أنّ حكومة الرئيس فؤاد السنيورة البتراء وغير الميثاقية، سارعت إلى تسديد دفعة أولى من المتطلّبات المالية المتوجّبة عليها من كامل النفقات الملتزمة بها والبالغة 49% من إجمالي مصاريف المحكمة.
وهذه المصاريف، بالإجمال، وحتّى الآن، غير محدّدة وغير واضحة رقمياً، بل هي مجرّد افتراضات واحتمالات وتقديرات أوّلية، وقد تزيد عن الحدّ المتوقّع بحسب تأكيدات المعاون القانوني للأمين العام للأمم المتحدة نيكولا ميشال في حديثه إلى الاعلاميين اللبنانيين في "بيت الأمم المتحدة" في ساحة رياض الصلح في بيروت في شهر أيلول/ سبتمبر 2007.
فقد أصدرت رئاسة مجلس الوزراء يوم الخميس في 27 أيلول/ سبتمبر 2007، بياناً ذكرت فيه أنّ المجلس وافق في جلسته غير الشرعية التي التأمت بتاريخ 27 آب/ أغسطس 2007، على مشروع مرسوم مقدّم من وزارة العدل لتحويل جزء من حصّة لبنان من نفقات المحكمة والبالغة 7.5 مليار ليرة، أيّ ما يقارب خمسة ملايين دولار أميركي، وأنّ هذا المرسوم أصبح نافذاً في 19 أيلول/ سبتمبر 2007، وبناء على ذلك أوعزت دوائر وزارة المالية بتحويل المبلغ إلى الحساب المخصّص لهذه الغاية في الأمم المتحدة.
ولم يوضح بيان رئاسة مجلس الوزراء كيفية جمعه لمبلغ الخمسة ملايين دولار واستعداده النفسي لتحصيل المبالغ المتراكمة للمراحل المقبلة، واكتفى بالتمنّي من الدول الصديقة والشقيقة المساهمة في تسديد نفقات المحكمة والتبرّع بالمبالغ الممكنة من أجل تسريع إنشاء المحكمة.
وإذا كان من حقّ اللبنانيين معرفة قتلة الحريري الحقيقيين الذين أسقطوهم مع وطنهم في حفرة عميقة وهاوية قد لا يكون لها قاع، إلا أنّه من الضروري أن يعرفوا كيف ستؤمّن الدولة التكاليف المالية المطلوبة منها والطائلة والباهظة عليهم وعلى وطنهم، والتي لا قدرة لهم على تحمّلها في ظلّ وجود خشية لديهم من أنْ ترهقهم وتزيد الديون والأعباء المالية عليهم، وخصوصاً أنّ لبنان غارق حتّى أذنيه في دين عام لم يستقرّ على سقف معيّن ولم تعرف قيمته الحقيقية إزاء التضارب الحاصل في تحديده، فبعض المسؤولين يقول إنّه أربعون مليار دولار أميركي، وبعضهم الآخر يتحدّث عن رقم أعلى يناهز الخمسة والأربعين، وفي كلتا الحالتين الأمر صعب والرقم خيالي.
ومنشأ الخوف متأتٍ في الدرجة الأولى من أنّ لبنان غير قادر على التخفيف من الدين العام وإعادة الأموال لأصحابها من الدول والمؤسّسات الدولية المانحة، وبالتالي فإنّ الدين سترثه الأجيال المتعاقبة من اللبنانيين، وتأتي تكاليف المحكمة الضرورية لترفع منسوب الدين ما لم يتمّ تأمينها من تبرّعات ومساهمات دول عربية وأجنبية شقيقة وصديقة تكفّلت بتأمين المبالغ المالية الباقية للمحكمة والمقدّرة بـ51%.
ومن الطبيعي أنّ حكومة السنيورة عملت على تأمين مبلغ الخمسة ملايين دولار أميركي من خلال اعتماد سياسة الضرائب وفرض المزيد منها لإرهاق كاهل المواطن. وقد بدأت ببعض هذه الضرائب ومنها تحويل فاتورة الهاتف الثابت من فصلية إلى شهرية فكسبت الخزينة من خلالها مبالغ لم تكن في الحسبان من جرّاء احتساب ثمن الطوابع اثنتي عشرة مرّة في السنة بعدما كانت أربع مرات، وكسور الألف ليرة.
أما الضرائب المنتظرة، فلاحت تباشير التبشير بها، وأبرزها رفع سعر صفيحة البنزين ستّة آلاف ليرة ليصل سعرها إلى عشرين دولاراً أميركياً.
رواتب القضاة خيالية
ولا بدّ من التذكير بأنّ الراتب الشهري للقاضي الواحد يصل إلى خمسين ألف دولار أميركي مع تأمين مسكن لائق له ولأسرته في الخارج وحماية خاصة من حرس ومرافقين، وذلك بغية إعطائه جرعات من الأمان يستوجبها عمله في قضية حسّاسة جدّاً. وبمعنى آخر فإنّ هنالك مئة وخمسين ألف دولار أميركي شهرياً لقضاة المحكمة الابتدائية المؤلّفة من ثلاثة قضاة، ومن ثمّ هنالك مبلغ 250 ألف دولار أميركي شهرياً لقضاة محكمة الاستئناف المؤلّفة من خمسة قضاة، باعتبار أنّ المحكمة تتشكّل من درجتي محاكمة، هذا فضلاً عن الراتب الشهري للمدعي العام ومعاونه ورئيس قلم المحكمة والموظّفين الإداريين فيها. وفي المقابل هنالك مواطنون لبنانيون لا يجدون ثمن ربطة الخبز في جعبتهم.
ويبلغ عدد هيئات هذه المحكمة أحد عشر قاضياً سيعملون لمدّة ثلاث سنوات، وإذا لم يتمّ تجريم أحد من المدعى عليهم ولم تعرف هوّيات الفاعلين والمحرّضين، وجرى التكتّم على المضلّلين ومرشديهم السياسيين المعروفين ومبتكري شهود الزور، فإنّ تمديد عمل المحكمة واقع لا محالة، وإذا ما تذكرنا بأنّ بعض المحاكم الدولية استمرّت سنوات وسنوات، فإنّ مصير هذه المحكمة مشابه لها، وهذا ما عبّر عنه غير مراقب ومتابع ومهتم بالمحكمة وملفّ الجريمة برمّته، بالقول إنّ عمرها وبقاءها قد يتجاوزان الستّ والعشر سنوات!.
رزق والواجبات الرئاسية
وعوداً على بدء، لا يزال وزير العدل غير الشرعي شارل رزق حريصاً على إتمام واجباته "الرئاسية" بالنسبة للمحكمة، فعلى الرغم من أنّ قوى الأكثرية أخرجته واستبعدته من دائرة مرشّحيها للاستحقاق الرئاسي، وهو بالأساس كان يعوّل عليها ولا سيما على دعم "القوّات اللبنانية"، إلا أنّه صرّح بأنّ من مواصفات الرئيس المقبل أن يكون ضليعاً بأمور هذه المحكمة مبقياً نفسه في دائرة المنافسة، ولذلك أحال على مجلس الوزراء غير الشرعي مشروع مرسوم لتحويل جزء من حصّة لبنان من نفقات المحكمة، وهذا ما تلقفه المجلس المذكور، وجعله نافذاً وبسرعة قياسية وخلافاً للدستور.
وإذا كان مبلغ الخمسة ملايين تأمّن، فمن أين لنا بالمبلغ المتبقي؟
طبعاً يملك الرئيس السنيورة وحده الإجابة الضرائبية المعتادة عن هذا السؤال.
علي الموسوي
الانتقاد/ العدد1235 ـ 5 تشرين الاول / اكتوبر 2007
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018