ارشيف من : 2005-2008

الخلوي نفط لبنان: متى يستخرج من بئر الفساد؟

الخلوي نفط  لبنان: متى يستخرج من بئر الفساد؟

يشكل قطاع الخلوي في لبنان نموذجاً للفساد السياسي المنظم الذي تصنعه طبقة سياسية تتوزع فيما بينها حصص القطاع العام وترعاه بيئة احتكارية للقطاعات الحيوية للناس.
فقطاع الخلوي حديث الولادة ولا تنطبق عليه المقولات التي تساق عن خدمات الكهرباء والماء والهاتف الثابت والمرفأ وغيرها من الأزمات البنيوية في قطاعات الاقتصاد اللبناني, مقولات تركز على قدم المشكلة وتجذرها وشمولها لكل مقومات القطاع البشرية والإدارية والمالية حتى باتت مصداقاً للمثل القائل "لا يصلح العطار ما افسده الدهر".
يوضع الخلوي اليوم على رأس لائحة الخصخصة على الرغم من تصنيفه بين القطاعات المربحة للدولة، وعلى الرغم من عدم نجاح تجارب الخصخصة لهذا القطاع في الدول المجاورة. وقد اعلن جهاد ازعور وزير المالية في الحكومة الفاقدة للشرعية ان تاريخ 15 أيلول/ سبتمبر 2007 هو موعد البدء بتنفيذ عملية خصخصة الاتصالات على ان تنتهي في مطلع العام 2008. واضاف الوزير ازعور ان كل التحضيرات انجزت وسيتم الاعلان عن اجراءات الخصخصة. فلماذا هذا الاصرار على خصخصة هذا القطاع، ولماذا هذه المحاولات المشبوهة على الرغم من الظروف السياسية والاقتصادية التي تمر بها البلاد.
للاجابة عن هذه الاسئلة لا بد من العودة الى قصة الخلوي المليئة بالتناقضات والتساؤلات.
خصخصة فتأميم
قصة الخلوي بدأت عندما منح الامتياز لشركتي ليبانسل وسيليس في العام 1994. ولجأت الشركتان الى طلب تقاضي 500 دولار مسبقاً من كل مستهلك لبدء العمل في القطاع. يعني اننا كنا مع قطاع موّله الناس منذ البداية، وليس شركات تقوم باستثمار رأسمال لها. وهذه العملية ساعدت الشركات على جني ارباح خيالية من جيوب الناس حيث قدرت نسبة الارباح السنوية للشركتين بـ700 مليون دولار.
العام 1999 كان عاماً مفصلياً في تاريخ الخلوي في لبنان فقد تنبهت حكومة الرئيس سليم الحص، أثناء بحثها عن وسائل لتخفيض أعباء المديونية، الى مخالفات الشركتين, مخالفات قدرها ديوان المحاسبة بـ24 تجاوزاً أبرزها: زيادة كلفة الفواتير للمستخدمين وعدم تسديد متوجبات الخزينة منذ العام 1994 وتخطي عدد الخطوط المقررة. طالبت حكومة الرئيس الحص بتغريم كل شركة مبلغ 300 مليون دولار لمخالفاتهما العقد.
في حزيران/ يونيو 2001 وبعد تشكيل حكومة جديدة برئاسة الرئيس رفيق الحريري تم فسخ العقد بين الدولة والشركتين مع استمرارهما بالتشغيل مقابل 8 ملايين دولار شهرياً لكل منهما حتى كانون الثاني 2003 تاريخ استرداد الدولة للشبكة.
التحكيم الدولي: سوء إدارة
في هذه الاثناء طالبت الشركات بالتحكيم الدولي بالتوازي مع اطلاقهما لحملة اعلانية هجومية على الدولة. ويمكن القول هنا ان الدولة لم تحسن ادارة الملف، فقد أساءت القرارات التحكيمية للسمعة الاستثمارية في لبنان.
ففي ملف ليبانسيل انتقل القرار التحكيمي الى المصارف في اميركا وبريطانيا وفرنسا واللوكسمبورغ  فتمت مصادرة سندات خزينة بالعملات الذهبية بقيمة 1400 مليون دولار ما فرض على الدولة دفع التعويض.
اما بالنسبة لشركة فرانس تليكوم فقد توصلت الدولة الى اتفاقية معها ضمنت للشركة العودة للمشاركة في مناقصات خصخصة قطاع الخلوي، ما جعل اجمالي تعويضات ليبانسيل يقل نحو 60 مليون دولار عن زميلتها.
واقع قطاع الاتصالات اليوم
القطاع اليوم هو ملك للدولة وتديره شركتا MTC  (بريطانية ـ كويتية) وALFA  (المانية ـ سعودية) بموجب عقد يؤمن مبلغ 4 مليارات دولار شهرياً.
عدد المشتركين بالهاتف الخلوي يصل الى نحو مليون مشترك، اي بنسبة استخدام تصل الى 21%. وهذه نسبة منخفضة جداً ويمكن ان يرتفع العدد الى مليون خط ما يؤدي الى انخفاض فاتورة الهاتف التي تعتبر الاعلى في العالم، والتي تبلغ اكثر من ضعف معدلها في الدول العربية لناحية اسعار الدقائق المدفوعة سلفاً او اعتبار كسر الدقيقة دقيقة كاملة.
قرارات صعبة
لمعالجة هذا الوضع ينشط في لبنان وداخل الادارة اللبنانية فريق يروج الى ان بيع رخصتي الخلوي سيؤدي الى خفض الاسعار وتحسين جودة الخدمات. على الرغم من ان في بدايات القطاع وتحديداً بين عامي 1994 و2001 كان الوضع قائما على اساس الـ BOT  وهو احد اشكال الخصخصة، ولكن لم يتحقق شيء من هذه الاهداف.
وبحسب متابعين لهذا القطاع فإن المطلوب اليوم، هو تنفيذ القانون 431 الذي يسعى لانشاء هيئة ناظمة وإنشاء شركة Liban Telecom واعطاء الدولة حق شراء احدى الشركتين او شركة اخرى حيث تنشأ المنافسة بين شركة تملكها الدولة واخرى يملكها القطاع الخاص كما هو الحال في الدول المتقدمة.
الخلوي نفط لبنان وحتى يستفيد المواطن اللبناني من هذه الثروة لا بد من اتخاذ قرارات صحيحة.
وتبقى التساؤلات:
ـ لماذا اصرار الحكومة الفاقدة للشرعية على الخصخصة؟
ـ هل يمكن لهذه الحكومة تهريب هذه العملية لمصلحة الطبقة الفاسدة التي تحكمت بالعباد والبلاد؟
ـ من يحاسب المسؤول عن الهدر الذي شهده هذا القطاع ومن يعيد الحقوق للمواطن اللبناني؟
بثينة عليق
الانتقاد/ العدد1235 ـ 5 تشرين الاول / اكتوبر 2007

2007-10-05