ارشيف من : 2005-2008
التفاؤل بالتوافق يتحول إلى حذر مع رفع لافتة الـ(1559)
استمر الكباش وعملية خلط الأوراق بشأن معركة الاستحقاق الرئاسي وبرز خلال الأسبوع المنصرم العديد من المعطيات التي أدت إلى هبوب "ضباب كثيف" غطّى على أجواء التفاؤل التي سادت بعد الخامس والعشرين من أيلول الماضي، حيث عقدت عدة لقاءات حوارية منذ ذلك الحين بين رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس تيار المستقبل النائب سعد الحريري غلب عليها الطابع التفاؤلي مدعوماً بأجواء سعودية إيرانية تشجع على اتمام عملية التوافق وتجنيب البلد مصير الفوضى. والضباب الذي هبّ رافقته "ريح سموم" عبّرت عنها رسائل رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط إلى رؤساء الدول الكبرى وعدد من رؤساء الدول العربية التي طلب فيها النجدة لحماية مشروع فريق السلطة الاستئثاري ومطالبته بتطبيق القرار (1559)، وذلك في سياق سعيه لتعطيل أي محاولة للتوافق بين فريق السلطة والمعارضة بشأن الاستحقاق الرئاسي.
وعليه باتت الأمور الآن في حال من المراوحة بانتظار نتائج زيارة النائب سعد الحريري إلى الولايات المتحدة التي التقى خلالها الرئيس الأميركي جورج بوش وأركان ادارته، والتي سبقته اليها رسائل جنبلاط التصعيدية والاستنجادية.
وتلفت الأوساط المتابعة إلى أن نتائج زيارة الحريري لواشنطن ستشكل مؤشراً قوياً حول مستقبل الاستحقاق الرئاسي، حيث يكون الأميركي قد حدد وجهته بشأن الاستحقاق الرئاسي في لبنان، وسينعكس ذلك على مواقف الحريري تحديداً وفريق الرابع عشر من شباط عموماً، فإذا استمر النائب الحريري في تأييد التوافق وأكمل به نحو النهاية يكون الأميركي قد أعطى اشارة المرور لاستحقاق رئاسي بشكل هادئ بما ينتج توافقاً على رئيس مقبول من المعارضة والموالاة، وإذا تبدلت اللهجة نحو التصعيد والتحدي فمعنى ذلك أن الأميركي قد قرر سلوك الطريق الآخر المؤدي نحو اكمال مشروع الفوضى والإيعاز الى فريق السلطة بانتخاب رئيس للجمهورية خلافاً للدستور وبأكثرية النصف زائدا واحدا أو بمن حضر.
لكن معطيات دبلوماسية أخرى مصدرها الوفد اللبناني الذي زار نيويورك أشارت الى أن الأميركي ما زال حتى اللحظة يلعب لعبة المراوحة بشأن الاستحقاق الرئاسي دون أن يكشف أوراقه كاملة تجاهه بانتظار اللحظة الأخيرة للاستحقاق.
وترى مصادر متابعة أنه في مقابل وجهة النظر التي تتحدث عن موقف اميركي جاهز وبانتظار اللحظات الأخيرة لإعلانه سواء عرقلة أو تسهيلاً للاستحقاق، هناك وجهة نظر تشير الى وجود حالة فوضى وعدم اتخاذ قرار نهائي للإدارة الأميركية بشأن الاستحقاق الرئاسي، وأنها لم تحدد موقفاً بعد تجاه هذا الاستحقاق. وما يعزز هذا الاعتقاد بحسب المصادر هو أن الشهرين القادمين يشهدان ملفات ساخنة لم تعرف الإدارة الأميركية المسار الذي ستسلكه هذه الملفات. وفي مقدمة هذه الملفات المؤتمر الدولي الذي تحضر له الادارة الأميركية في الخريف المقبل لبحث موضوع القضية الفلسطينية، وهو مؤتمر غير مضمون النجاح. والملف الثاني هو الملف النووي الإيراني الذي فشلت الدول الكبرى في اجتماعها الأخير على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في اتخاذ موقف منه لتشديد العقوبات على الجمهورية الإسلامية، وجرى إرجاء الاجتماع الى تشرين الثاني المقبل بانتظار تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومفوض السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي خافيير سولانا، على أن يتحدد موقف الدول الكبرى من الملف الإيراني على ضوء هذين التقريرين. وفضلاً عن هذين الملفين هناك ملف أزمة الاحتلال الأميركي في العراق الذي لم تتضح معالمه في المرحلة المقبلة وسط استمرار النزف البشري لدى الجيش الأميركي جراء عمليات المقاومة العراقية.
في هذه الأثناء كانت المعلومات المتداولة محلياً تشير الى أن نتائج اللقاءات الحوارية بين الرئيس نبيه بري والنائب سعد الحريري لم تتعدَّ إطار المبادئ العامة وإشاعة الأجواء التفاؤلية دون الاستناد الى أي معطيات تشير الى حصول اختراق، وهو ما دفع الأوساط المقربة من رئيس مجلس النواب نبيه بري الى القول ان التفاؤل الذي أبداه على مدى الأسابيع الماضية بإمكانية التوافق أضيفت اليه كلمة "الحذر"، أي أصبح تفاؤله حذراً، وذلك نظراً لعدم تحقيق الاختراق المنشود، اضافة الى قصف المبادرة التوافقية بالمواقف المسمومة من قبل صقور فريق السلطة، وتحديداً النائب وليد جنبلاط الذي بعث رسائل الى الدول الكبرى يستنجد فيها حماية مشروع فريق السلطة الاستئثاري ويرفض أي توافق على رئيس الجمهورية، اضافة الى تركيزه على ضرورة تطبيق القرار (1559)، وهو القرار الذي أُعيد الى واجهة التداول في خطة منسقة بين فريق السلطة والإدارة الأميركية، وهو ما عبّرت عنه تصريحات جنبلاط والسفير الأميركي في بيروت جيفري فيلتمان الذي شدد على ضرورة تطبيق هذا القرار، خصوصاً ما يتعلق بسلاح المقاومة.
وجاءت هذه الاثارة الجديدة للقرار بعدما كان أكد رئيس مجلس النواب نبيه بري أنه بعد انجاز الاستحقاق الرئاسي "سنقرأ مجلس عزاء على هذا القرار"، وأن ما يحكم المرحلة المقبلة هو القرار (1701). وبذلك بدا ان الادارة الأميركية تسعى الى رئيس للجمهورية في رأس جدول أعماله التآمر على سلاح المقاومة. وهذه الإثارة للملف دفعت أوساط رئيس المجلس الى الإعراب عن اعتقادها بأن ذلك يأتي في سياق وضع العصي في دواليب التوافق المنشود، وينذر بما هو أسوأ على مستقبل البلاد، خصوصاً أن نذر تقسيم العراق التي اتخذ قرار بشأنها في الكونغرس الأميركي يخيم شبحها على لبنان.
هلال السلمان
ــــــ
ضغوط عوكر والمستقبل تنجح في "زعزعة" التكتل الطرابلسي
سعى فريق السلطة مؤخراً إلى تجاوز الارتباك الكبير الذي أصابه اثر الموقف المهم الذي اتخذه التكتل الطرابلسي في مؤتمر "سان كلو"، والذي أكّد فيه أن نصاب جلسة انتخاب رئيس الجمهورية هو الثلثين وأنه لن يشارك في أي جلسة قد يقدم عليها هذا الفريق لانتخاب الرئيس بالنصف زائدا واحدا. وهو الموقف الذي جعل هذا الفريق يخشى أنه لن يستطيع عقد جلسة كهذه فيما لو قرر الراعي الأميركي السير في هذا الخيار الذي يمكن أن يفجر البلد في سياق مشروعه للفوضى الخلاقة في المنطقة، لأنه من دون التكتل الطرابلسي يخسر فريق السلطة أغلبية النصف زائد واحد. وعليه فقد عمل فريق السلطة بكل ما أوتي من قدرة وضغط على ثني التكتل عن هذا الموقف دون أن ينجح، فعمل بعد ذلك مدعوماً من السفير الأميركي في عوكر على خطين للضغط على التكتل للتراجع عن موقفه.
أولاً: من خلال شن حملة سياسية مسعورة على رئيس التكتل الوزير محمد الصفدي، وبرز ذلك في الحملة التي شنها أنصار تيار المستقبل في طرابلس على الوزير الصفدي ومحاولة التأثير في قاعدته الانتخابية، حيث جرى رفع اللافتات ضده في شوارع المدينة والإيعاز إلى بعض الشخصيات لإطلاق مواقف ضده بزعم أنه يفرط بموضوع الحقيقة في اغتيال الرئيس الحريري والسعي لرئاسة الحكومة، وهو ما نفاه الأخير بشدة.
ثانياً: جرى العمل على ممارسة الضغوط على أعضاء التكتل الآخرين: (محمد كبارة وموريس فاضل وقاسم عبد العزيز) لتغيير موقفهم والتخلي عن الصفدي، ولهذه الغاية جرى استغلال جريمة اغتيال النائب انطوان غانم لدفع هؤلاء إلى اتخاذ مواقف توافق على حضور جلسة بالنصف زائدا واحدا، وهو ما حصل، ومعه كاد يفرط التكتل لولا الاجتماع الأخير له الذي جرى خلاله لملمة حالة التشرذم بانتظار المحطات القادمة للاستحقاق الرئاسي. وظهر من خلال حملة الترهيب والترغيب لنواب التكتل من قبل فريق السلطة وحاكم عوكر أن التكتل مقبل على حالة انفراط اذا اختار فريق السلطة اللجوء إلى انتخاب رئيس بالنصف زائدا واحدا، حيث يتوقع المراقبون رضوخ نواب التكتل الثلاثة كبارة وفاضل وعبد العزيز مقابل ثبات النائب الصفدي على موقفه الرافض لهذا الخيار الانتحاري الذي يدخل لبنان في الفوضى والمجهول.
هــ.س
الانتقاد/ العدد 1235 ـ 5 تشرين الاول/اكتوبر 2007
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018