ارشيف من : 2005-2008
إذا وافقت الأمم المتحدة على رئيس "كيفما كان" تكون قد شلّت 1701
لا يزال الفريق الحاكم يمارس لعبة المناورة بعيداً عن التحاور في صلب المبادرة الوفاقية التي أطلقها رئيس مجلس النوّاب نبيه بري بشأن الاستحقاق الرئاسي وذلك لإنقاذ لبنان من محاولات تدويله وإدخاله في النفق الأميركي المظلم على غرار ما حصل في العراق المنوي تقسيمه وشرذمته جغرافياً ومذهبياً للنيل منه أكثر فأكثر.
وإنْ واصل الفريق الحاكم السباحة في بحر التناقضات والمواقف المتقلّبة من مبادرة بري بسبب خضوعه الكلّي للإملاءات الأميركية التي لا تريد إلاّ رئيساً على مقاسها ويحقّق لها مبتغاها بإضعاف لبنان لمصلحة العدوّ الإسرائيلي، إلا أنّ طارئاً استجدّ على الساحة السياسية ويحتاج إلى قراءة موضوعية ومتأنية لأهميته وخطورته، ويتمثّل في الصرخة الأوروبية المجتمعة والموحّدة التي تطالب بمباركة مبادرة بري لما فيه خلاص لبنان.
وقد استندت هذه الصرخة التي أحرجت إدارة جورج بوش، إلى تقرير مثبت بالوقائع يثير المخاوف إزاء مصير قوّات الطوارئ الدولية العاملة في جنوب لبنان "اليونيفيل" في حال انتشار "الفوضى الخلاّقة" وعدم انتخاب رئيس للجمهورية، أو تفرّد القوى الشباطية بانتخاب رئيس بالنصف زائد واحد خلافاً للدستور وللعرف المتداول به منذ قيام الجمهورية اللبنانية، ونشوء حكومتين.
فالقيادة العسكرية لهذه القوّات زوّدت قيادتها السياسية في الأمم المتحدة برؤيتها المنطلقة من حرصها على جنودها وسلامتهم في الدرجة الأولى، والمنطلقة من سؤال بديهي وهام يستفسر عن الجهة التي تتعاطى معها في حال حصول انقسام سياسي في لبنان وقيام حكومتين، ولمن تميل "اليونيفيل" لاتخاذ القرارات التنسيقية مع حكومة الرئيس فؤاد السنيورة أو الحكومة التي ستشكّل امتداداً لها في حال انتخاب رئيس غير دستوري ولا تعترف المعارضة به، أم مع حكومة المعارضة إذا ما أوجدتها الضرورات.
وبما أنّ معظم جنود "اليونيفيل" البالغ عددهم أكثر من ثلاثة عشر ألفاً هم من أوروبا وتحديداً من فرنسا وإيطاليا وإسبانيا، فقد اهتمت الدوائر الأوروبية بتقرير قيادة "اليونيفيل" في لبنان في ضوء ما أشاعته من هواجس ومخاوف لا يمكن تجاوزها على الإطلاق، ومضت في طريق مباركة مبادرة بري وعدم ترك الأمور رهن الفراغ وتمرير الاستحقاق الرئاسي بأسرع وقت ممكن ومن دون أيّة خطأ مميت ومكلف.
وتحاول الدول الأوروبية المعنية بـ"اليونيفيل" التفلّت من الحبل الأميركي المفروض على خناقها، ليقينها بأنّ جنودها موجودون في قلب النار، وبأنّ الأميركي يريد أن يحارب بهم من دون أن يتكلّف أية خسارة بشرية، ولذلك فهي تسعى جاهدة إلى حشد التأييد المعنوي لمبادرة بري مع الإصرار على حصول توافق وبالإجماع لئلا يصل لبنان إلى الفوضى على غير صعيد ومؤسّسة وقطاع، تعيده إلى أجواء الحرب، وهي حرب ليست بالضرورة نارية وبالسلاح، بل بما يوازي مضمونها وهو الدمار في شتّى المجالات والمرافق الحيوية.
ويبدو بحسب متابع دبلوماسي للهواجس الأوروبية، أنّ الدول الأوروبية قلقة على جنودها، ولذلك فهي ميّالة إلى تأييد حكومة المعارضة في حال نشوئها وعدم انتخاب رئيس وفقاً للآلية الدستورية المعمول بها والمحصورة بنصاب الثلثين فقط، والسبب الحقيقي هو أنّ قوات "اليونيفيل" موجودة ضمن بقعة جغرافية خاضعة برمّتها للمعارضة وليس لـ"الشباطيين" وحكومتهم الحالية أو المستقبلية.
ومن المعروف أنّ الدول الأوروبية المشاركة في "اليونيفيل" لم ترسل جنودها إلى جنوب لبنان إلاّ بعد حصولها على ضمانات وتأكيدات بعدم التعرّض لهم، طالما هم ملتزمون جانب الحياد ولم يجنحوا صوب تنفيذ المتطلبات الإسرائيلية. وازداد عديد هذه القوّات بعد صدور القرار الدولي الرقم 1701 إثر الحرب الإسرائيلية الأميركية المشتركة على لبنان والمقاومة في شهر تموز/ يوليو 2006.
ويتفهّم الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الهواجس الأوروبية، ولذلك بدا جلّياً أنّه يؤيّد مبادرة بري أيضاً، بينما الأميركي يرغب بممارسة اللعب بالنار، وعلى حساب غيره طبعاً.
حطيط: جملة تعقيدات
ويرى العميد الدكتور أمين حطيط في حديث مع "الانتقاد" أنّ مأزق "اليونيفيل" يتمثّل في نقاط عدّة هي:
أولاً: كيف سيكون الحال إذا ما انقسم الجيش اللبناني، فمع أيّ جيش ستقوم هذه القوّات بالتنسيق، أهو الجيش الذي يأتمر بحكومة تدعمها أميركا ولا تسيطر على الوضع الميداني في الجنوب حيث توجد هذه القوّات، أم مع الجيش المؤيّد لحكومة المعارضة؟
ويذكّر حطيط بأنّ قوات الطوارئ الدولية تعمل تحت الفصل السادس الذي يعني القيام بمهمّة حفظ السلام وليس فرض السلام، وبالتالي فهي ليست في وارد استخدام القوّة ولا يحقّ لها اللجوء إلى هذه القوّة مهما كانت الأسباب والدوافع.
ثانياً: حدود الأمن الذي ستفرضه هذه القوّات لحماية نفسها بالتنسيق مع الجيش اللبناني وما هي حدود الأمن.
ثالثاً: كيفية تعاطي هذه القوّات مع المنظّمات غير اللبنانية والتي ذكر سابقاً بأنّ بعضها اعتدى عليها في محلّة القاسمية وبلدة الخيام خصوصاً في ظلّ عدم وجود سلطة مركزية واحدة للتعاون معها في ملاحقة المعتدين، كما أنّ هذه المنظمات لا تقيم مراكزها داخل وجود "اليونيفيل" بل خارجها وبعيداً عن متناولها، وبالتالي فمع من تتعاطى "اليونيفيل" لتعقّب من يعتدي عليها؟
رابعاً: إنّ الخطر الداهم والأهم يكمن في الأمن الخاص لهذه القوّات، والمثال على ذلك إذا قامت جماعة إرهابية معيّنة بالاعتداء على القوّات الدولية، فليس لها الحقّ في تعقّبها، بل اللجوء إلى السلطة اللبنانية القائمة للتنسيق معها في عملية التعقّب والمطاردة.
خامساً: إنّ قيام السلطتين والتنافس على امتلاك السلطة والقرار، سيخلق حالاً من الفوضى وعدم الاستقرار، وهذا ما يتنافى كلّياً وجذرياً مع المهمّة الأساسية التي جاءت القوّات الدولية لتنفيذها في الجنوب من حيث تكليفها بمساعدة الدولة اللبنانية في بسط سلطتها وسيادتها.
وباختصار وجيز فإنّ قيام السلطتين سيعرّض الأمم المتحدة وعناصرها لجملة تعقيدات ستنعكس سلباً على دورها وتصعّب من مهمّة تنفيذ القرار 1701 وتكون الأمم المتحدة في حال موافقتها على انتخاب رئيس بالنصف زائد واحد و"بمن حضر" و"كيفما كان" قد شلّت القرار الدولي 1701 نفسه.
ولا بدّ من التذكير بحال الوئام والودّ القائمة بين قوّات "اليونيفيل" والأهالي في الجنوب، والتي ترجمت في أكثر من مناسبة، منها الاشتراك في الإفطارات الرمضانية، والانخراط في دورات لتعلّم اللغة العربية وتعليم لغات بلادها للراغبين.
علي الموسوي
الانتقاد/ العدد 1235 ـ 5 تشرين الاول/اكتوبر 2007
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018