ارشيف من : 2005-2008
الرقيب العربي قيد التصفية
الرقيب العربي غاضب جداً، حوّلناه إلى عاطل عن العمل، لقد انتصرنا عليه، ولا يعرف كيف يعود ويتسرّب الينا، يسجّل علينا، ضربات بالنقاط.
لم يكن الرقيب العربي يتصور أننا سنكون أشراراً إلى هذه الدرجة، حيث بتنا نعرف أبجديته بكاملها، وأفعاله برمتها، وأسماءه بكليتها، وحروفه بتفصيلها، وضمائره بعفونتها، وأننا نقوم بتصريف أمور أفكارنا وأخبارنا وأحداثنا ونوايانا، وفق جدول مقرر حفظناه عن ظهر قلب، بسبب جرأتنا التامة على ارتكاب الجبن.
إننا نحصي أنفاسنا كلها، ونعدها وندوزنها، قبل الشهيق والزفير، وهو ليس بحاجة إلى مراقبتنا، لقد انتظمنا أنفاساً، وعليه، فهو لم يعد يعطي باله من أنفاسنا.
نعرف الممنوعات الدائمة والموافقة أكثر منه، نعطي دروساً فيها، لأنها توفر النجاح والسمعة الحسنة والضيافة الكريمة، لم يعد بحاجة إلى أن يراقب نشراتنا أبداً، فهي مكوية سياسياً، مرتبة سلطوياً، مهندسة وطنياً، نظيفة فكرياً من كل فيروس غريب أو بكتيريا سامة، أو مطاعيم مضادة للأوبئة.
نعرف المسموحات الموسمية ونتمنع عنها، لأن المثل الشائع يقول، لا تنم بين القبور ولا تر منامات موحشة، وهكذا لم يعد بحاجة إلى إرسال عيونه، للبحث عن حدود المسموحات، وعما إذا جرؤ أحد على التطاول أو التفاؤل.
نعرف أدوات الشرط كلها، وأدوات الجزم كذلك، نعرف أنه كان يراقب الكلمات المتقاطعة، فبتنا لعبقريتنا في التسلية، نؤلف كلمات متقاطعة مناسبة لأسماء العلم العظمى، وأسماء الإشارة، وأسماء الأمكنة، حتى تزمط من خروم الشبك الأمني.
نعرف كيف نكتب وبأية لغة، نعرف كيف نسير "الحيط الحيط ونقول السترة"، نعرف أن اليد التي تستطيع كسرها قبّلها، وإياك أن تدعو عليها بالكسر.
وما أثار الرقيب العربي، أنه عندما أجرى فحوصاً على غفير من الشعوب العربية، وجد أن ضميرها مرتاح، فلا تأنيب ولا ندم، ضمير عربي مرتاح إلى نوعية الطاعة وفضائلها، والى كيفية الإكثار منها، فهو يطيع كثيراً ولا يتذمر، ودلت احصائيات الرقيب العربي، أن عدد التظاهرات في بريطانيا، لوس انجلوس، أسبانيا، ايطاليا، اليونان وسواها من الدول الغربية (المعادية) استنكاراً لما أحدثته الديموقراطية الأميركية في العراق، أكبر بكثير من التظاهرات القديمة البائتة، التي كان ينوي بعض العرب "الاجلاف" القيام بها، وامتنعوا عن ذلك.
وتبين للرقيب العربي كذلك، أنه لم يعد مطلوباً أن يفكر، فالشعوب العربية، الملتزمة بمعايير الرقابة الذاتية، قادرة على انجاب عدد كبير في وسائل الرقابة الذاتية، فعدد الكتاب الذين يملكون يداً ثالثة في ازدياد، وهذه الثالثة ليست للأثافي، بل للثقافي المطوّب سياسياً، وعدد الاعلاميين الملتزمين بالصراط الأمني السياسي السلطوي المستقيم على اطراد، وتبين له أيضاً، أن عدداً شاسعاً من العرب، تدرب على طموح شاب عليه، أن يكون مواطناً صالحاً بمعايير الأمن المستتب، كما تبين لهذا الرقيب العربي، أن هؤلاء العرب، باتوا يحبون السلطة اذ كان يظن أنهم يطيعونه ويخافونه، ولم يكن يحلم أنه سيصل إلى يوم، يصير فيه محبوباً ممن وظيفته أن يقمعهم، أن يردهم إلى صوابهم بالقوة والعنف، أن يهددهم بأرزاقهم وعيالهم. فرك الرقيب العربي يديه حزناً على ما آلت اليه حاله، لم يعد يعصه أحد، ليعاقبه، لم يعد يكرهه أحد ليتآمر عليه، صاروا يحبونه فما العمل؟
أميركا تريدنا هكذا، اسرائيل تريدنا كذلك على هذه الصورة، لهذا وتعويضاً لما قام به الرقيب العربي، وكي لا يصاب بالعزلة بسبب توقفه عن العمل، قررت الإدارة الاميركية تتويج الرقيب العربي، رجل القرن الفائت والراهن، كما أوصت اسرائيل، بترشيح الرقيب العربي، ليكون مديراً لمركز أبحاث، تابع للشرق الأوسط الجديد، يكون من أهدافه، تعميم الديمقراطية الصامتة، على شعوب أصيبت بالخرس والخرف والخوف، على أن يتم الاقتراع بإحناء الرأس إلى الأمام بلا كلام.
يا أمةً..
نصري الصايغ
الانتقاد/ العدد 1235 ـ 5 تشرين الاول/اكتوبر 2007
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018