ارشيف من : 2005-2008

جعجع ـ جنبلاط التزام المشروع الأميركي حتى دمار لبنان

جعجع ـ جنبلاط التزام المشروع الأميركي حتى دمار لبنان
كتب مصطفى الحاج علي
لم يمر يوم في تاريخ لبنان الحديث والمعاصر، أن كان الاستحقاق الرئاسي يمثل هذه الأهمية والخطورة في آن معاً، والأسباب لا تتعلق أبداً بالموقع الدستوري للرئيس ولا بصلاحياته، وإنما بالدور السياسي الذي يراد إناطته بهذا الموقع، ولم يعد خافياً على أحد، أن فريق السلطة يريد رئيساً يستكمل من خلاله عملية الاستحواذ على مكوّنات السلطة، وأمّا واشنطن فتريد رئيساً ـ وكما عبر بوش صراحة مؤخراً ـ يريح الكيان الإسرائيلي، ولا يعترض على المشروع الأميركي في لبنان والمنطقة. وإذا راجعنا حجم الدعم الأميركي غير المسبوق لفريق السلطة، والذي وصل إلى درجة تحويل مجلس الأمن إلى فقاسة لقرارات وبيانات تخدم فريق السلطة كلما اقتضت الضرورة، أدركنا مدى التطابق بين ما يريده الأميركي من الاستحقاق الرئاسي، وما يريده فريق السلطة، وإن كان الأخير يعبر عن الهدف الأميركي بمفردات مغايرة، إلا أنها في خلاصتها مؤداها ونتيجتها واحدة: إراحة الكيان الاسرائيلي.
وتأكيداً لما نقول، لنستحضر بعض عناوين الخطاب والمواقف السياسية لهذا الفريق:
ـ التمحور حول الكيانية اللبنانية بالصيغة التي كانت تعتمدها المارونية السياسية، وعندما يجري استحضار البعد العربي، فليس إلا من قبيل التمويه والستارة لحجب هذا البعد  الكياني، وهنا، فإن من حق سمير جعجع أن يقول بأنه ليس هو من ذهب إلى الحزب التقدمي، وتيار المستقبل، وإنما هما من أتيا اليه.
ـ الحماسة للتسوية والتصالح مع الكيان الإسرائيلي، ومن ضمن منظور عرب التسوية الحاليين، مع إدراك هؤلاء التام، أن هناك ممراً إجبارياً لهذه التسوية: القبول بالتوطين، والقبول بوضع المستكين والخالي من أي أسباب قوة في مواجهة العدو الإسرائيلي.
ـ استهداف المقاومة وسلاحها، بما هما تعبيران عن نظرة للكيان الإسرائيلي لا ترى فيه إلا عدواً وتهديداً وجودياً للبنان والمنطقة بأسرها، وبما هما تعبيران عن قوة لبنان، ورافعة للدور إقليمياً ودولياً.
ـ محورة العداء اللبناني حول سوريا بدلاً من الكيان الإسرائيلي، وبنسبة أقل لإيران.
ـ محورة العلاقة بين لبنان والمشروع  الغربي عموماً والأميركي ـ الإسرائيلي تحديداً، وجعل العلاقات مع واشنطن وباريس هي الممر الملزم لأي علاقات أخرى.
لهذه الاعتبارات من حق وليد جنبلاط أن يقول بأن التناقض حاد بين مشروع فريق السلطة ومشروع المعارضة، وأنه لا سبيل الى التوفيق بينهما، وبالتالي، على فريق السلطة فرض الرئيس الذي يريد.
لكن جنبلاط يدرك أيضاً، أن التناقض في السياسة ليس كالتناقض المنطقي، وربما هو أقرب الى التضاد منه الى التناقض، لأن الأول يحتمل الوسطية، بينما الثاني يقوم على النفي، بمعنى أنه لا حل للتناقض إلا بأن ينفي أحد طرفي التناقض الطرف الآخر من الوجود.
وإذا شئنا أن ندقق في فلسفة الرؤية السياسية العدمية لتحالف جعجع ـ جنبلاط، وحاولنا أن نأخذها الى الآخر، لأدركنا أن التناقض الذي يتحدث عنه هؤلاء ليس مع كل المعارضة، وإنما تماماً مع نواتها الصلبة سياسياً أي حزب الله، وطائفياً أي الثقل الشيعي، بكلمة أخرى، ان ما لا يقوله الطرح الجنبلاطي ـ الجعجعي مباشرة هو أن الحل الذي يقترحانه إنما بتأسس وينهض على ضرورتين باتتا متلازمتين في هذه المرحلة: الضرورة الأولى التخلص من حزب الله ليس فقط كقوة مقاومة، وإنما كرافعة سياسية ومقاومة سياسية داخلية للمشروع الأميركي عموماً ومشروعهما السياسي الذي يريد عكس التاريخ الى مرحلة ما قبل العام 1860، أي مرحلة الثنائية المسيحية ـ الدرزية، والتي لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال مشروع فوضى شاملة تشكل الفرصة السانحة لإعادة بعث هذه الثنائية، والضرورة الثانية تتمثل بتحجيم الشيعة كطائفة صاعدة لها وزنها الكبير ديموغرافياً وسكانياً واقتصادياً وثقافياً وسياسياً، ولا نحتاج الى كثير تأمل لندرك ان الطموح الجنبلاطي ـ الجعجعي يقدم نفسه كممر إلزامي  لتحقيق الهدف الأميركي في لبنان، والمتمثل بالاتيان برئيس يريح  الكيان الاسرائيلي، فهذا الطموح يتموضع هنا تحديداً. لكن كلاً من جعجع وجنبلاط يدرك أن هذا الطموح دونه عقبات وهواجس ومخاوف كبيرة ليس أقلها التالي:
ـ إن الممر الإلزامي لها هو الفوضى التي ستشرع لبنان أمام تدخلات أين منها ما يحدث في العراق، وإذا كان العراق قد بات مشلعاً الى كيانات طائفية وأتنية، ومناطق نفوذ، فلبنان بدوره سيكون مشلعاً مثله، ومن الواضح، أنه اذا كان ذلك يناسب جنبلاط فإنه لا يناسب السنة في لبنان، ولا المسيحيين على نحو اجمالي، وان كان جعجع يرى في ذلك فرصة له للإمساك بالساحة المسيحية من مدخل القوة والعنف.
ـ إن كل الطوائف اليوم في لبنان موزعة ومقسمة سياسياً بنسب متفاوتة، وبالتالي فإن أي محاولة لإنتاج وضع طائفي أو مذهبي صافٍ سيمر حتماً بصراعات داخل كل الطوائف والمذاهب، وهذا أمر لا شك فيه مغامرات كبيرة.
ـ إن الفوضى الشاملة لن تريح الأوروبيين عموماً، والذين بات لهم نقاط ارتكاز لمصالح استراتيجية في لبنان والمنطقة، ويهمهم بالتالي الحفاظ عليها.
إذا كان الأمر كذلك، فلماذا يصر جنبلاط وجعجع، ويسايرهما حتى الآن سعد الحريري على طروحاتهما الجدية؟ فهل ثمة ما يراهنون عليه في المنطقة، وهل لديهم سيناريوهات يعتقدون أن تنفيذها من شأنه ان ينجز طموحهم السياسي بأقل كلفة؟ من نافل القول ان هؤلاء لم يتوقف رهانهم لا قبلاً ولا الآن على حدوث تطورات اقليمية لها انعكاساتها على توازنات القوى في لبنان، لا سيما احتمالات حدوث حرب سورية ـ اسرائيلية، أو ايرانية ـ اميركية، أو كلاهما معاً.
ومن نافل القول أيضاً، ان هذا الفريق يعتمد بشكل كامل على التدويل لتمرير مشاريعه الخاصة، أو تلك التي تصب في خدمة المشروع الأميركي ـ الصهيوني في المنطقة.
خلاصة القول هنا، إن ما تقدم يشكل الرهانات الموضوعية للثنائي الدموي جنبلاط ـ جعجع، لكن، كما يبدو، ما ليس محسوماً حتى الآن هو القرار الأخير الذي ستتخذه إدارة بوش، وعدم الحسم ناتج عن تخبطها في المنطقة عموماً، وحالة اللايقين التي تعيشها إزاء النتائج التي يمكن أن تتمخض عن أي قرار تعتمده، من هنا، حيرة فريق السلطة أيضاً وتوزعه بين متطرف وحاملٍ لنفسه على التوفيق، ولذا، ليس مصادفة أن يتوجه الى واشنطن، وفي وقت واحد تقريباً، ممثل المتطرفين وممثل التوفيق، ومن زيارتهما وحتى عودتهما ستظهر الصورة بوضوح أكثر في ما اذا كان خط المتطرفين سيغلب، أم خط دعاة الوفاق.
ومن الآن، وحتى انبلاج الخط الأبيض من الخط الأسود الأميركي لا يسعنا إلا أن نتفاءل، ونتمنى ان ينتصر خط التوفيق، وفي نفس الوقت لا يسعنا إلا أن نكون حذرين، ونعتبر ما يجري مناورة، حتى يقطع الشك باليقين.
الانتقاد/ العدد 1235 ـ 5 تشرين الاول/اكتوبر 2007
 
2007-10-05