ارشيف من : 2005-2008
برغم الاعتراف بالعدوان على سوريا: الحكومة الصهيونية تواصل الصمت
خففت "إسرائيل" من صمتها، واعترفت بقيامها بغارة جوية على هدف عسكري داخل الاراضي السورية، في اجراء يبدو للوهلة الاولى تغييريا في الموقف الاسرائيلي، تبع مباشرة مقابلة الرئيس السوري بشار الأسد التي اجراها مع شبكة "BBC" البريطانية، التي أكد خلالها قصف "إسرائيل" لهدف عسكري سوري، لكنه شدد على انه ما زال تحت الانشاء.

وبرغم الاعتراف الاسرائيلي بأصل الهجوم، الا ان الصمت الاسرائيلي ما زال ساريا، بمعنى ان الرقابة العسكرية الاسرائيلية القابضة على وسائل الاعلام الاسرائيلية في هذا المجال، سمحت باستخدام مصطلح ان "الطائرات الاسرائيلية قصفت هدفا في سوريا"، من دون ارفاقه بجملة "حسب ما اوردته مصادر اجنبية"، كما كان متبعا منذ الغارة الاسرائيلية على الهدف السوري في السادس من الشهر الماضي، لكنها في نفس الوقت شددت على وجوب الابقاء على الصمت في كل ما يتعلق بالهجوم، سواء لجهة اسم العملية والتفاصيل المتعلقة بالهدف السوري، اضافة الى القوات المشاركة وما دار في النقاشات قبل اتخاذ السلطات الاسرائيلية لقرار الهجوم.
بمعنى آخر، انعكس تأكيد الرئيس الاسد اعترافا اسرائيليا بالغارة، اذ لم يعد الصمت فيما يتعلق بأصل الغارة مفيداً، وبالتالي توجب الاقرار بها، لكن الصمت ومستلزماته والاسباب الموجبة والداعية اليه ما زالت على حالها. وفي ذلك يمكن الاشارة الى التالي:
يعتبر الاعتراف الاسرائيلي رد فعل على الاعتراف السوري، بالمعنى التقني للكلمة، وجاء عاما وغير مفصل، وبالتالي يهدف الى المحافظة على المنسوب ذاته من السرية والصمت من دون اي تغيير في المنطلقات الاساسية الدافعة لهما، وهو ما يشير الى الاصرار على وضع تفاصيل الغارة في اطار الكتمان.
يشير تواصل الصمت الاسرائيلي، كما ينبغي فهمه بمعزل عن التوصيف السوري لاستهدافات الهجوم (هدف عسكري قيد الانشاء)، الى ان "إسرائيل" ما زالت تخشى الرد السوري المانع من اطلاقها لتفاصيل الغارة الجوية واستهدافاتها، في اجراء يسعى الى توفير بيئة وظرف مؤات لدمشق تحثها على عدم الرد، اذ ان الرد بحد ذاته غير مرغوب اسرائيليا لأن من شأنه احراج "إسرائيل" كثيرا في ظرف غير مؤات لها، ويدفعها بالتالي الى خطوات تحمل مخاطر هي في غنى عنها. وما يعضد ذلك، ان "إسرائيل" واصلت تأكيداتها المتكررة، حتى بعد الاعتراف بقيامها بهجوم على سوريا، على انها غير معنية بحرب مع سوريا، وتشديدها على ان كل تدابيرها واجراءاتها العسكرية في هضبة الجولان تدخل في اطار التدريبات والمناورات الدفاعية وحسب.
من جهتهم، التزم المسؤولون الاسرائيليون، العسكريون والسياسيون، بالصمت الاسرائيلي بما يتعلق بتفاصيل الغارة على سوريا، كما التزمت وسائل الاعلام الاسرائيلية بتعليمات الرقابة العسكرية، وجل التغيير الذي حصل هو تخليها عن ايراد عبارة "بحسب ما أوردته مصادر اجنبية"، برغم ان الاقرار الاسرائيلي عاد وحرك الشهية الاعلامية الاسرائيلية الممنوعة من التعليق، لكن في اطر الرقابة المشددة والنقل عن مصادر خارجية.
في ذلك، نظر المراسل العسكري لصحيفة معاريف عامير رابابورت، لاهمية مواصلة الصمت الاسرائيلي وعدم الانجرار والكشف عن مضمون الغارة واستهدافاتها، وبشكل اساسي من قبل المسؤولين الاسرائيليين او الاعلام الاسرائيلي "لصدقيته العالية" لدى الطرف الاخر، مشيرا الى خلاصة الرأي في "إسرائيل" التي ترى ان "حقيقة أن السوريين اعترفوا هم انفسهم بأن "إسرائيل" هاجمت أرضهم وانهم لم يردوا الى الآن على الهجوم بوسائل عسكرية، قللت جدا من تخوف حرب تنشب بسبب ثرثرة اسرائيلية. لكن اذا أجيز نشر جميع التفصيلات عما حدث في السادس من ايلول/ سبتمبر في عمق سوريا، كما يظهر من شظايا المعلومات المنسوبة الى مصادر اجنبية، فقد يزداد التضييق على سوريا للقيام بعمل رد على "إسرائيل"، اي ان الدافع الاساسي وراء الصمت الاسرائيلي ما زال الخشية من الرد السوري وعدم احراجه او زيادة في احراجه، بحسب القراءة الاسرائيلية لظرفه، للقيام بعمل ما لا تريده "إسرائيل" في هذا الظرف.
يحيى دبوق
الانتقاد/ العدد 1235 ـ 5 تشرين الاول/اكتوبر 2007
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018