ارشيف من : 2005-2008
المشروع الأميركي لتقسيم العراق.. ولد ميتاً!
بغداد ـ عادل الجبوري
أن تصدر مراكز دراسات وأبحاث أميركية ويطرح سياسيون وكتاب ومثقفون في الولايات المتحدة الأميركية أفكارا وتصورات ومشاريع عن تقسيم العراق بهذه الصيغة أو تلك شيء، وان تتبنى جهة رسمية لها ثقلها وتأثيرها في رسم وصياغة السياسات الإستراتيجية مشروعا للتقسيم فهذا شيء آخر، ومن الخطأ التعاطي مع الطرحين من نفس الزاوية وبذات الوسائل والادوات والاساليب. وهذا هو بالضبط ما قام به العراقيون بمختلف عناوينهم ومستوياتهم واتجاهاتهم بعد صدور قرار غير ملزم من مجلس الشيوخ الأميركي بأغلبية 74 صوتا ضد 23 بتقسيم العراق إلى ثلاث مناطق (كردية في الشمال وسنية في الوسط وشيعية في الجنوب) مع الإبقاء على حكومة مركزية في بغداد بسلطات ضعيفة وصلاحيات قليلة. ومثلما قال نائب رئيس الجمهورية والأمين العام للحزب الإسلامي العراقي الدكتور طارق الهاشمي من "ان عدم الزامية القرار لا تقلل من خطورته، لانه غالبا ما يجري تفتيت دول، وتقسيم شعوب على خلفية قرارات غير ملزمة، أو وعود، أو تصريحات وردت هنا أو هناك".
ولان تلك الخطوة تنطوي على مخاطر كبيرة، وصف رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي قرار مجلس الشيوخ بالكارثة، ودعا مجلس النواب العراقي الى عقد جلسة خاصة للرد عليه. ولعل جانبا من الاهداف والدوافع الحقيقية وراء صدور مثل ذلك القرار في هذا الوقت بالذات، يرتبط بطبيعة الصراع والتنافس السياسي بين الحزبين الرئيسيين في الولايات المتحدة الاميركية، وهما الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي، الذي يُعَد العراب الرئيسي لمشروع تقسيم العراق جوزيف بايدن احد ابرز قياداته ومن المرشحين لخوض سباق الرئاسة الأميركية نهاية العام المقبل. بيد أن ذلك لا يلغي ولا ينفي امكانية واحتمال وجود اهداف ابعد لقرار مجلس الشيوخ. وربما وجدنا بعضا من تلك الاهداف والدوافع بين ثنايا وطيات دراسات وابحاث صدرت خلال عقد التسعينات من قبل بعض المراكز والمعاهد المتخصصة بالشؤون الاستراتيجية، مثل معهد راند الاميركي الشهير الذي اصدر في منتصف التسعينات دراسة مطولة كتبها الباحث جراهام فولر تحت عنوان "هل سيقوى العراق على البقاء موحدا حتى عام 2002" وغيرها من الابحاث والدراسات والكتب التي تطرح سيناريوهات افتراضية لتقسيم العراق وتفتيته، وهي لا تخرج بمجملها عن طبيعة التفكير والتوجه الاميركي، لان اغلب كتابها من المساهمين في صناعة القرار، فجراهام فولر شغل عدة مناصب مهمة من بينها معاون مدير جهاز المخابرات المركزية الاميركية (سي.اي.ايه) في وقت من الاوقات، وهكذا الامر بالنسبة لكتاب وباحثين اخرين.
لذلك يمكن القول ان مشروع تقسيم العراق لم يأت من فراغ ولم يظهر بين ليلة وضحاها، ومن غير الممكن ان يطرح ويناقش ويبحث في داخل الكواليس السياسية والفكرية في الولايات المتحدة بمعزل عن اطروحات ومشاريع اخرى من قبيل الشرق الاوسط الكبير، ومحاربة الاسلام السياسي، ومواجهة الارهاب، والتصدي لما يسمى بالانظمة المارقة، والاكثر اهمية وحساسية وخطورة هو ان افكار ومشاريع تقسيم العراق لا تطرح ولا تناقش ولا تبحث بمعزل عن مسألة الامن الاستراتيجي للكيان الصهيوني الذي هو جزء لا يتجزأ من الامن القومي الاميركي، بل ان الارتباط بين القضيتين وثيق للغاية.
وفي مقالة كتبها بالاشتراك مع بادين وليزلي الرئيس الفخري لمجلس العلاقات الخارجية في صحيفة نيوريورك تايمز بتاريخ 1/5/2006 قال بايدن "إن جهود إدارة الرئيس الأميركي بوش لإقامة حكومة مركزية قوية في بغداد محكوم عليها بالفشل بسبب التناحر الطائفي والعرقي الذي قاد إلى أعمال عنف واسعة الانتشار، ويبدو واضحا على نحو متزايد أن الرئيس بوش ليست لديه إستراتيجية للنصر في العراق، بل انه يأمل في تجنب الهزيمة وتمرير المشكلة لخليفته، وان السنة العراقيين، وهم القوة المحركة وراء العمليات المسلحة، سيرحبون بخطة التقسيم بدلا من أن تهيمن عليهم حكومة مركزية يسيطر عليها الشيعة، وان تقسيم العراق سيكون على غرار البوسنة قبل عقد مضى حين قسمت البلاد التي عانت ويلات الحرب إلى اتحادات على أساس عرقي بموجب اتفاقات دايتون التي أبرمت بوساطة أميركية". اذاً قبل اكثر من عام اشار جوزيف بايدين الى النموذج اليوغسلافي داعيا الى تطبيقه في العراق لمعالجة فشل الرئيس جورج بوش في العراق، وباعتبار ان السنة العراقيين سيرحبون به.
ولكن ما حصل وتبين حتى الان هو ان السنة العراقيين حالهم حال الاطراف الشيعية اعلنوا رفضهم القاطع لاي مشروع للتقسيم، ودعوا الى قيام مجلس النواب العراقي بتشريع قانون يمنع التقسيم. وحتى القوى الشيعية المتحمسة لخيار الفيدرالية والداعية اليه بقوة مثل المجلس الاعلى الاسلامي العراقي بزعامة السيد عبد العزيز الحكيم، الذي اعتبر ان مشروع التقسيم المتبنى من قبل مجلس الشيوخ الاميركي يختلف ويتعارض مع رؤية المجلس للنظام الفيدرالي الاتحادي، والفرق الجوهري يكمن في ان مشروع مجلس الشيوخ يقوم على تفتيت العراق على اساس عرقي كما حصل في جمهورية البوسنة والهرسك، بينما رؤية المجلس الاعلى واطراف اخرى معه تقوم على انشاء كيانات واقاليم فيدرالية على ضوء الواقع الجغرافي وبحسب رغبة ابناء هذا الاقليم او ذاك، ووفق سياقات دستورية مقرة ومتفق عليها.
واذا كانت جمهورية البوسنة والهرسك قد شهدت على امتداد تاريخها صراعات وحروبا دموية بين الصرب والمسلمين والكروات فإن شيئا من هذا القبيل لم يحصل في العراق بين الشيعة والسنة والاكراد، وغالبا ما كانت مشاكل تلك المكونات الثلاثة او بعضها تنحصر مع السلطات والانظمة السياسية الحاكمة بسبب سياساتها القائمة على مبدأ فرّق تسد، او ضرب مكون ما بواسطة المكون الاخر، وحالة التعايش في المجتمع العراقي بين مكوناته المختلفة لا تستدعي أي طرح من شأنه ايجاد كيانات منفصلة عن بعضها البعض بحدود طائفية او عرقية او قومية، بل ان ذلك غير ممكن بالمطلق بسبب عملية التداخل والتجانس الاجتماعي الكبير بينها.
وقد يكون الطرف الكردي هو الوحيد الذي أبدى ترحيبا بالقرار باعتبار انه يتناغم مع جانب من تصوراته، ويخفف بعضا من مخاوفه من فقدانه ما حققه من منجزات ومكاسب سياسية بعد عام 1991، واعتبرها ثمرة كفاح طويل امتد لعدة عقود من الزمن. ولكن حتى هذا الترحيب، لا يغير بأي حال من الأحوال من طابع صورة الموقف العراقي العام حيال القرار.
الانتقاد / العدد 1235 ـ 5 تشرين الاول/ اكتوبر 2007
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018