ارشيف من : 2005-2008
المغرب : حزب العدالة والتنمية للمرة الثالثة في كرسي المعارضة
الرباط ـ عبد الحفيظ السريتي
تعيش المغرب هذه الايام على ايقاعين اثنين، الاول انشغال جزء من الاحزاب السياسية بالمفاوضات لاقتسام كعكة الحكومة المقبلة التي عين العاهل المغربي محمد السادس الامين العام لحزب الاستقلال عباس الفاسي لتشكيلها، على ان لا يتجاوز عدد الوزراء فيها ثلاثين وزيرا، وهو الأمر الذي اوقع الوزير الاول في مأزق صعب نظرا للطموح الجامح الذي يسكن العديد من السياسيين ورغبتهم في الاستوزار. وهي ظاهرة وحدت جل الاحزاب بحيث اعترضت طريق الوزير الاول داخل حزب الاستقلال الذي يقوده، والذي حاز المرتبة الأولى في الاستحقاق الانتخابي الذي شهدته البلاد في السابع من ايلول/ سبتمبر 2007.

وإيقاع ثان فجرته الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت في العديد من المناطق المغربية كان ابرزها ما شهدته مدينة صفرو من احداث بسبب الزيادات التي شهدتها المواد التموينية الاساسية كالدقيق والزيت والسكر. ولم تهدأ حمى الاحتجاجات الا من بعد ما اتخذت اجراءات سريعة بتوجيه من الملك إلى وزارة الداخلية والقاضية بمراقبة ارتفاع الاسعار وخاصة خلال شهر رمضان المبارك، وسحب الزيادات وخاصة في مادة الخبز التي كانت النقطة التي افاضت كأس معاناة الطبقات المتضررة من الشعب المغربي.
وبرغم ان ايقاع تشكيل الحكومة المقبلة ـ وهي حكومة حافظت على نفس الائتلاف السياسي السابق ـ يبدو من حيث الشكل لا علاقة له بإيقاع الحركات الاحتجاجية، الا انهما في العمق يظلان على صلة وطيدة، فالمقاطعة التي بلغت اكبر نسبة في تاريخ الاستحقاقات السياسية بـ67 بالمئة عبرت عن سخط واسع وعدم الرضى عن الحصيلة الحكومية التي عجزت عن تحسين الاوضاع المادية والاجتماعية لعموم السكان.
ست وزارات خارج المحاصصة
يمنح الدستور المغربي صلاحيات واسعة للملك، فهو الذي يعين الوزير الاول بموجب الفصل الرابع والعشرين من الدستور المغربي. لكن صلاحيات الوزير الاول تبقى محدودة في اجراء مشاورات مع الاحزاب السياسية بتوجيه من المؤسسة الملكية وعرض التشكيلة الحكومية على انظار الملك للحسم فيها بإعطائها التزكية، ما دامت كل مراحل تشكيلها لا تجري بعيدة عن تتبع ومراقبة مستشاري الملك. وهو امر يدفع بالعديد من النخب السياسية ونشطاء حقوق الانسان الى المطالبة بتعديلات دستورية تقوم على الفصل بين السلطات، وتمكن البرلمان من ممارسة سلطة رقابية حقيقية، وتمنح الحكومة صلاحيات واسعة لادارة الشأن العام. هذا الى جانب ان القصر يحتفظ بتسمية ست وزارات من خارج الاحزاب التي تشكل الائتلاف الحكومي، وهي الوزارات التي تسمى بوزارات السيادة، وهي الداخلية والخارجية والعدل والأوقاف الإسلامية والدفاع والأمانة العامة للحكومة. وللإشارة فإن وزارة العدل في الحكومة السابقة خرجت عن هذا التقليد حينما تسلمها حزب الاتحاد الاشتراكي الخاسر الاكبر في الانتخابات الاخيرة.
الاشتراكيون يتشبثون بالسفينة الحكومية
على الرغم من السجالات الساخنة بين اعضاء القيادة الاتحادية على خلفية النتائج التي حصل عليها حزب الاتحاد الاشتراكي في الاقتراع الأخير، والتي اعتبرت من قبل بعض القيادات كارثية وعقابا شعبيا للحزب، برغم ذلك اسفرت المداولات التي دشنها الاتحاديون عن موقف المشاركة في الحكومة المقبلة، ولم تنجح الأصوات التي ارتفعت مطالبة القيادة بالعدول عن المشاركة والعودة إلى صفوف المعارضة وإعطاء الحزب كل ما يستحق لتجاوز الاعطاب التي كشفت عنها نتائج الاقتراع ونقلت الحزب من المرتبة الاولى عام 2002 الى المرتبة الخامسة في الاقتراع الذي شهدته البلاد في السابع من أيلول/ سبتمبر 2007. لكن مع ذلك لم ينج الحزب من الهزات الارتدادية لأقسى امتحان تعرض له واحد من اكبر الاحزاب السياسية المغربية. فقيادة الحزب وبعد أن انتزعت قرار المشاركة في الحكومة دخلت دوامة جديدة، تتعلق بالأسماء المقترحة لشغل مناصب وزارية في الحكومة الجديدة، ولم يتوان أعضاء من المكتب السياسي عن الاعتراض عن المفاوضات التي يجريها الكاتب الاول محمد اليازغي باسم الحزب مع الوزير الاول عباس الفاسي بعيدا عن اشراك قيادة الحزب. ويرى كثيرون أن الحزب الذي دافع عن الديمقراطية ودفع ضريبتها غاليا، يعمل اليوم على انتهاكها، وهو ما يفسر التراجعات المتتالية التي مر بها الحزب في الآونة الاخيرة.
العدالة والتنمية واستطلاعات الرأي
لم يحقق حزب العدالة والتنمية النتائج التي كان يتطلع اليها، وبقي الحزب في موقعه برغم ان انتخابات 2007 بوأته في المرتبة الثانية. لكن الوزير الاول المعين وأثناء اللقاء الذي جمعه بقيادة الحزب لم يفاتحهم في شأن الحكومة المقبلة، ولم يعرض عليهم المشاركة فيها. وربما مثّل ذلك بالنسبة للحزب الاسلامي نكسة ثانية بعد النتائج المتواضعة التي حصل عليها والتي جاءت على خلاف ما كانت تنتظره قيادة الحزب حينما اكدت ان حزب العدالة والتنمية سيحرز المرتبة الاولى بنحو سبعين مقعدا نيابيا.
فقيادة الحزب ولما تأكد لها أنها خارج الحكومة المقبلة لوحت بأنها ستمارس معارضة بسقف عال، ولعل في الأمر ما يفسر غضب قيادة الحزب حينما تم استثناؤهم من المشاركة في الحكومة التي يقودها حزب الاستقلال، وخاصة ان هذا الأخير يعد بالنسبة للاسلاميين الحزب الاقرب لاختياراتهم ولمرجعيتهم، لكن استمرار الكتلة الديمقراطية التي تضم حزب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي وحزب التقدم والاشتراكية وقرار الاتحاد الاشتراكي بالمشاركة في الحكومة قطع الطريق على حزب العدالة والتنمية برغم ان هذا الاخير لم يمانع من المشاركة في حكومة يوجد بداخلها الاشتراكيون. وككل الأحزاب التي تعيش هذه الايام على وقع النقاشات الداخلية الساخنة، كذلك هو حال حزب العدالة والتنمية حيث ذهب بعض القيادات وعلى رأسها النائب عبد الاله بنكيران المعروف باعتداله إلى القول بخطأ الحزب حينما رفض المشاركة في الحكومة التي قادها الاشتراكيون حينما عقدوا تفاهما مع الملك الراحل الحسن الثاني عام 1998. بينما هناك على الضفة الاخرى داخل الحزب من يدافع عن قرار الحزب برفض اقتراح المشاركة ويمثّل هذا الاتجاه النائب والرئيس السابق للكتلة النيابية لحزب العدالة والتنمية مصطفى الرميد. ويرجح المراقبون ان يتعزز دور القيادات التي عرفت بصلابتها والتي تضع نصب اعينها ملف الاصلاحات الدستورية، بعد ان شهدت هذه الاخيرة تراجعا واضمحل دورها داخل الحزب بعد التفجيرات الدموية التي شهدتها مدينة الدار البيضاء في السادس عشر من أيار/ مايو 2003.
مشاكل كبرى أمام حكومة الفاسي
لا يختلف المراقبون حول خطورة الملف الاجتماعي الذي يواجه الحكومات المتعاقبة، حيث تدنت القدرة الشرائية واتسع الفقر وارتفعت نسبة البطالة واختفت الطبقة الوسطى من المجتمع المغربي. فهل بتقليص عدد الوزارات ستحل المشاكل القائمة؟ وهل بعودة نفس الاحزاب الى ادارة الشأن العام ستحل مشاكل الاغلبية الصامتة التي اختارت مقاطعة العملية الانتخابية؟
الراجح ان الحكومة التي يرأسها عباس الفاسي ستواجه تحديات عديدة تنضوي تحت عنوان الفقر والبطالة والصحة والتعلم، وهي عناوين باتت تغلي في قدر قابل للانفجار، ولعل الأحداث التي شهدتها مدينة صفرو كانت كما ذهب الى ذلك الباحث السوسيولوجي ادريس بنسعيد "مقدمة لثورات وتحركات اجتماعية"، خاصة مع غياب الافق والحلول العملية للمشاكل المتراكمة في العقدين الماضيين.
وبرغم ان الملك محمد السادس التزم المنهجية الديمقراطية بتعيين الوزير الاول من الحزب الذي حاز المرتبة الاولى، الا ان وزير التشغيل السابق والوزير الأول الحالي عباس الفاسي يجر وراءه ملفا ثقيلا يصعب عليه التخلص منه. فالوزير السابق سقط في عملية نصب كبرى ذهب ضحيتها اكثر من 60 الف شاب غرر بهم من قبل شركة اماراتية تدعى شركة النجاة، وكانت في الحقيقة، شركة وهمية سلبت من كل مرشح للعمل في سفن سياحية ما قدره 100 دولار مقابل فحوصات طبية. وكان حينها وزير التشغيل والوزير الأول الحالي دافع عن الشركة وعن صدقيتها بالرغم من علامات الاستفهام التي طرحت وقتذاك.
فكثيرون يومها انتظروا من وزير التشغيل تقديم استقالته من منصبه الوزاري او حتى استقالة الحكومة برمتها تعبيرا عن التضامن الحكومي. لكن شيئا من هذا لم يقع، وبقي عباس الفاسي في موقعه غير آبه بصراخ آلاف المتظاهرين ضد وزارة التشغيل وضد حكومة لم تنجح في حماية شبابها العاطل عن العمل من السقوط في احضان النصب والاحتيال، وها هو عباس الفاسي يطل من جديد هذه المرة من شرفة الوزارة الأولى، فهل يقوى على تذليل الصعاب الاجتماعية المتفاقمة؟ وهل يستطيع محو كارثة النجاة من ذاكرة المغاربة وخاصة ضحايا هذه العملية؟
تصعب الاجابة، والأيام القليلة ستحدد وجهة الجواب...!
الانتقاد/ العدد 1235 ـ 5 تشرين الاول/اكتوبر 2007
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018