ارشيف من : 2005-2008
أوكرانيا في الحلقة المفرغة
عادت أوكرانيا إلى المسرح، لكنها لا تزال على حالها منذ انطلاقة الثورة البرتقالية: عجز الثورة عن تعزيز مواقعها في ظل نزاعات الحلفاء الذين قادوا الثورة، وتوازن شبه ثابت للقوى لم يسمح للفريق المعارض حتى بعد حصوله على حصة في السلطة، بدفع أوكرانيا في اتجاه معاكس لاتجاه البرتقاليين. ويمكن رسم خريطة الصراع في أوكرانيا على الشكل التالي: الثورة البرتقالية حملت فيكتور إيوشنكو إلى سدة الرئاسة، ومنحت حليفته يوليا تيموشينكو المليونيرة الثورية التي أدت دوراً بارزاً في قيادة الثورة، منصب رئيسة الوزراء.
لكن الرئيس إيوشنكو الذي يؤيد فكرة انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي والحلف الأطلسي، كان توجس خيفة من النفوذ المهم الذي تتمتع به تيموشينكو التي تشاطره التوجهات السياسية نفسها. لذا لم يتردد في الإقدام ـ وسط أوضاع تميزت أوكرانيا من خلالها باستشراء الفساد والصراعات على النفوذ وازدياد سطوة رجال المال والأعمال ـ على طرد تيموشينكو من رئاسة الوزراء في بادرة رأى فيها الكثيرون مؤشراً على بداية العد التراجعي للثورة البرتقالية. وعضت تيموشينكو على جرحها وتوعدت بالعودة سريعاًً إلى المنصب الذي طُردت منه في الانتخابات التشريعية المقبلة.
وبعد أشهر جرت الانتخابات التشريعية وحققت فوزاً لكنه لم يكن كافياً لإعادتها إلى المنصب السليب، لأن زعيم حزب المناطق الموالي لروسيا والمعادي للثورة البرتقالية فيكتور إيانوكوفيتش حقق فوزاً برلمانياً أكبر، ولأن الرئيس إيوشنكو فضّل إيجاد صيغة للتعاون مع العدو المعلن على تشكيل ائتلاف برلماني مع تيموشينكو المصممة على الثأر لكرامتها المهدورة.
وهكذا استلم إيانوكوفيتش الذي وصل إلى البرلمان بدعم من الشيوعيين والاشتراكيين وحتى من بعض نواب حزب الرئيس إيوشنكو، منصب رئاسة الوزراء، وعضت تيموشينكو على جرحها مرة ثانية بانتظار الجولة القادمة. لكن شهر العسل لم يدم طويلاً بين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء،
ولم يتمكن الرئيس الأول من عزل الرئيس الثاني. وحاول استخدام قسم من القوات المسلحة في تحقيق مسعاه، لكن الرئيس الثاني استخدم قسماً آخر من هذه القوات لإفشال المسعى الرئاسي. وبقي كل منهما في موقعه، لكن الأزمة السياسية في أوكرانيا أدخلت البلاد في فراغ دام شهوراًً في ظل عجز كل من الفريقين عن حسم الموقف لمصلحته.
وللخروج من الأزمة وعلى أمل التوصل إلى وضع يأمل كل فريق أن يتمكن فيه من الحسم، تشجع الفريقان على إجراء انتخابات تشريعية مبكرة. وهكذا كان، اذ ذهب (37) مليون أوكراني إلى صناديق الاقتراع صبيحة الأحد الماضي (30/9/2007). وقبل حلول المساء بدأت النتائج بالظهور وبدأت وسائل الإعلام الإعلان عن فوز تيموشينكو. وقدمت أرقام في غاية الدقة عن النتائج تبين منها أن هذه الأخيرة قد نالت 33.31 في المئة من الأصوات. أما زعيم حزب المناطق فيكتور يانوكوفيتش فقد حل ثانياً ونال 30.31 في المئة. أما رئيس الجمهورية الذي لا يزال قادراً على الاحتفاظ بصلاحياته الدستورية حتى نهاية ولايته، فإنه هبط إلى المرتبة الثالثة بعيداً جداً عن غريميه، ولم يحصل حزبه إلا على 15.56 في المئة.
هزيمة نكراء.. لكنه يستطيع بموجب صلاحياته أن يعين رئيس الوزراء الذي يريد. ويبدو أن الحليفين اللدودين السابقين تيموشينكو وإيوشنكو، قد فضلا العودة إلى توافقهما القديم، ما سمح لتيموشينكو بالقول إنها ستبدأ منذ الغد بتشكيل الحكومة، وكادت صفحة الحدث الأوكراني الجديد تُطوى وسط تهليل إعلامي واسع النطاق لفوز القوى الموالية للغرب في أوكرانيا. كادت فقط.. لأن جميع هذه التطورات إنما بُنيت على أرقام عمليات تصويت غير مكتملة، فالأرقام المذكورة أعلاه لم تكن مشتملة إلا على أصوات 50.2% من مجموع أصحاب الحق بالتصويت. وهذا ليس كل شيء، فقد تبين ظهر الاثنين أن هذه النتائج لا تغطي غير مناطق نفوذ الثورة البرتقالية، ما يعني أن ياكونوفيتش قد هزم إيوشنكو بفارق كبير في عقر داره، وكاد يهزم تيموشينكو أيضاً في عقر دارها. أما المناطق الأخرى المتاخمة لروسيا التي يتمتع فيها ياكونوفيتش بتأييد الغالبية الساحقة من المقترعين، فقد تبين بعد ظهر الاثنين أن عمليات الاقتراع تجري فيها بالكثير من البطء. ومع المساء بدأت الأخبار غير المرفقة بأرقام تشير إلى تقدم ملحوظ لياكونوفيتش.. ثم يسدل ستار من التعتيم على النتائج النهائية للانتخابات التشريعية المبكرة. وإذا صحت الأخبار الأخيرة، وهي في ما يبدو ستصح، اللهم إلا إذا حصل انقلاب من نوع ما، فإن إيوشنكو سيجد نفسه مجبرا للمرة الثانية على إعطاء منصب رئيس الوزراء إلى إيانوكوفيتش، ما يعني أن الانتخابات التشريعية المبكرة قد أعادت أوكرانيا إلى الأزمة التي تقرر الخروج منها عن طريق الانتخابات.
وإذا ما حصل ذلك، فإن تيموشينكو ستعض على جرحها للمرة الثالثة، بينما سيدخل إيوشنكو في مرحلة جديدة من العض على الجراح من خلال التعايش المستحيل مع إيانوكوفيتش العائد إلى رئاسة الوزراء أقوى من ذي قبل.
ع.ح.
الانتقاد / العدد 1235 ـ 5 تشرين الاول/ اكتوبر 2007
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018