ارشيف من : 2005-2008

من ذاكرة المقاومة : حرب تشرين التحريرية

من ذاكرة المقاومة : حرب تشرين التحريرية

يستدعي استلهام دلالات ومعانى هذا الانتصار الذي جسد التلاحم والتضامن بين العرب وتنسيق قواهم ومقدراتهم للانتقال من حالة التشرذم الى موقف عربي موحد يتجاوز مشاريع التامر والتقسيم والتدخل الخارجي.‏

لقد شكلت حرب تشرين التي كانت حربا بين قوة احتلال معتدية وقوة متمسكة بالحقوق واسترجاع الارض سابقة اذ أنها كانت حربا من اجل السلام ومن اجل أن تعيش شعوب المنطقة بسلام كما شكلت نقطة تحول أساسية في الصراع مع الكيان الصهيوني وأكدت ولاول مرة في تاريخ الامة العربية الحديث والمعاصر ان العرب رغم حالات التجزئة التي فرضت عليهم تاريخيا أثبتوا في هذه الحرب انتماءهم للعروبة وتاريخها وحضارتها وذلك من خلال تضامنهم مع بعضهم وامتزاج دماء أبنائهم على ارض المعركة .‏

ولعل البعد الاستراتيجي الابرز لهذه الحرب كان في اسقاط المشروع الصهيونى ببعديه العقائدي والاستراتيجي وقد تجلى في الهزائم المتتالية التي منيت بها "اسرائيل" فكان انسحابها من جنوب لبنان تحت ضربات المقاومة في 25 أيار عام 2000 ثم هزيمتها في عدوانها على لبنان تموز 2006 التي أفشلت مشروع الشرق الاوسط الجديد الذي روج له المحافظون الجدد في واشنطن .‏

لقد حطمت حرب تشرين حاجز العجز النفسي بالانتصار العسكري وتفوق العقل العربي في التخطيط والاداء في حرب 1973 بعد الاحساس العميق بالمرارة الذي تغلغل في أعماق الجماهير العربية مع نكبة 1948 ونكسة حزيران 1967 والتلاعب بالقضايا المصيرية للامة والتامر على حركة الثورة العربية وتشتيت قوى النضال الوطني والقومي وكانت هذه الحرب التي خاضتها سورية ومصر ومن خلفهما الدول العربية والشعب العربي في مختلف بلدانه دفاعا عن النفس ضد قوة عنصرية استيطانية معتدية استهدفت وجودنا القومى .‏

وكان للموقف الموحد الذي ظهر فيه العرب دور كبير في دعم القضية العربية المركزية قضية فلسطين تجلى في التأييد الدولي الكبير الذي حظيت به هذه القضية والذي برز بشكل جلي في قرار الجمعية العامة للامم المتحدة لعام 1974 الذي أكد ضرورة الانسحاب الاسرائيلي الكامل من جميع الاراضي العربية المحتلة واقرار الحقوق المشروعة للشعب العربي الفلسطيني بما فيها حقه في اقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني فلسطين واتخذت الجمعية العمومية قرارا اخر اعتبرت فيه الصهيونية شكلا من أشكال التمييز العنصري تجب مكافحته لانه يشكل خطرا على العالم الى جانب الادانات الدولية المستمرة لسياسة "اسرائيل" العدوانية.‏

ان "اسرائيل" المتحصنة بترسانة نووية والتي تعيش هاجس الخوف والمتخبطة في سياساتها العدوانية تجسد من خلال سلوكها اليومي وممارساتها في القتل والتدمير رفضها وعدم الاستجابة لكل مبادرات السلام ولمتطلبات السلام التي أقرتها الشرعية الدولية وقرارات مجلس الامن 242 و338 والقاضية بانسحاب "اسرائيل" التام من جميع الاراضي العربية المحتلة وعودة الحقوق الى أصحابها الشرعيين . ان سوريا التى عملت من أجل تحقيق السلام العادل والشامل في المنطقة منذ مؤتمر السلام في مدريد عام 1991 تؤكد دائما على مطالبها العادلة وتمسكها باعادة الجولان المحتل حتى خط الرابع من حزيران عام 1967 وعلى المجتمع الدولي أن يرى بعين الحق والعدل لكبح الغطرسة الاسرائيلية والعمل على توفير متطلبات الامن والاستقرار في المنطقة من خلال اقامة سلام عادل وشامل مستند الى قرارات مجلس الامن 242 و338 ومبدأ الارض مقابل السلام ومبادرة السلام العربية التي تشكل بعناصرها المتكاملة الاساس لاي تحرك نحو تحقيق السلام العادل والشامل . ولقد اجمع المحللون والمراقبون للتطورات فى المنطقة على أن عودة الجولان السوري المحتل كاملا الى السيادة السورية هو الاساس للوصول الى سلام عادل وشامل في المنطقة وهذا ما يجب أن تدركه جميع القوى التي تعمل من اجل سلام حقيقى وليس لمجرد تحقيق غايات بعيدة عن هذا الهدف والحصول على مكاسب على حساب الحق العربى .‏

أربع وثلاثون عاما مضت على حرب تشرين التحريرية لكن اثارها ما زالت تمتد الى الان ولا تزال نتائجها وحقائقها ومعطياتها تشكل التأثير الاهم في التحول الكبير على سياق الصراع في المنطقة . وقد أثبتت التطورات والاحداث التي تعرضت لها المنطقة وما يحاك لها من مخططات التقسيم ضرورة وجود موقف عربى موحد كالذى سبق حرب تشرين وان التضامن العربى الذي امنت سوريا بجدواه وعملت على تحقيقه أنه الضمان الامثل لحرية العرب وقوتهم وصون سيادة أوطانهم . ان ذكرى تشرين التحرير تتطلب عملا عربيا مخلصا لتحسين الوضع العربي على قاعدة خدمة المصالح العربية العليا ورفض كل ما من شأنه المساس بالحقوق العربية ومحاولة الهيمنة على المنطقة وما أحوجنا اليوم في ظل مشاريع التقسيم التي تهدد مستقبل المنطقة الى استعادة روح التضامن العربى التي سادت في حرب تشرين والعمل من اجل مستقبل عربى يتحقق فيه التقدم والازدهار للمنطقة والمنعة للعرب وتجعلهم قوة مؤثرة في المعادلة الدولية .‏

المصدر : وكالة الانباء السورية ـ سانا‏

2007-10-05