ارشيف من : 2005-2008
إسرائيل تواصل استخدام الأسرى كحقل تجارب للأدوية فيما غالبية الأسرى في سجون الاحتلال يعانون من الأمراض
على الأسرى الفلسطينيين والعرب في سجونها، بشكل مخالف لكل المواثيق والأعراف الدولية.
وقال: الأسرى يستشهدون ونحن فقط نفخر باستشهادهم، ونتغنى بصمودهم، دون أن نفعل شيئاً جوهرياً يوقف معاناتهم وينقذ حياتهم من الاستهتار المتواصل من قبل سلطة السجون، ومن خلفها سلطات الاحتلال الإسرائيلي، مشيراً إلى أن السنوات تمضي، ويستمر هذا المسلسل دون أن نضع حداً لتزايد أعدادهم وامتداد قائمتهم.
وأضاف، منذ العام 1967 ولغاية الآن استشهد في السجون الإسرائيلية، نتيجة الإهمال الطبي فقط ( 46 ) أسيراً منهم ( 15 ) أسيراً خلال انتفاضة الأقصى، وكان آخر من استشهد نتيجة الإهمال الطبي، الأسير عمر المسالمة في الخامس والعشرين من آب الماضي، وقبله بأيام كان الأسير شادي السعايدة، وسبقهما خلال هذا العام الشهيدان ماهر دندن وجمال السراحين ومن قبلهم العشرات.
وقال فروانة، من المؤكد إذا بقيت الأمور على حالها، في ظل الصمت الدولي على الجرائم الإسرائيلية، سنرى قريباً مَن يحمل الرقم 47 و48 و49، وأكثر من ذلك.
وأضاف، حذرنا في أعقاب استشهاد الأسير السعايدة بتاريخ 31 تموز الماضي، وقلنا آنذاك إذا ما بقيت الأوضاع على حالها فإننا مقبلون على استقبال المزيد من الأسرى على توابيت الموت، وبعد أقل من شهر استشهد الأسير عمر المسالمة، وأكدنا في حينه أن الاستهتار بحياة الأسرى وصل ذروته، وأصبح يشكل ظاهرة، نتيجة لغياب الرادع الحقيقي في ظل الصمت الدولي وغياب المؤسسات الحقوقية والدولية وفي مقدمتها اللجنة الدولية للصليب الأحمر، معرباً عن خشيته من أن يصبح استقبال الأسرى على توابيت الموت أمراً طبيعياً، ومشهداً مألوفاًً وخبراً صحافياً سهل استقباله.
ولا يخفى على أحد طبيعة الأوضاع المأساوية التي تشهدها السجون بشكل عام، والأوضاع الصحية الخطيرة بشكل خاص، والتي تندرج في إطار سياسة الإهمال الطبي المتعمد والمبرمج بهدف تفاقم معاناة الأسرى وقتلهم ببطء، أو تحويلهم لأجساد فارغة هشة مريضة وعالة على أسرهم وشعبهم بعد التحرر، بعد أن فشل الاحتلال من إفراغهم من محتواهم الوطني والثوري.
وأكد الباحث فروانة أن سجل الانتهاكات الصحية طويل جداً، وعلى سبيل المثال لا الحصر، افتقار السجون لعيادات كاملة ومجهزة وأن الموجودة ما هي إلا عيادات شكلية تفتقر إلى الأدوية المناسبة وغير الناجعة كما تفتقر إلى أطباء اختصاصيين، ولمشرفين ومعالجين نفسيين، إضافة لسوء الأوضاع وسوء التغذية كماً ونوعاً وقلة العناصر الغذائية الأساسية وشح المواد المحتوية على الكالسيوم، والدور اللا إنساني للطبيب الذي يقوم بدور المُعَذِب والمُحَقِق ويتحول لرجل أمن يتعامل مع الأسير المريض على أنه عدو، وتتحول "العيادة" إلى مكان للابتزاز والمساومة والضغط على بهدف الاعتراف أو التعامل مع سلطات الإحتلال وتقديم معلومات عن الآخرين، مشيراً إلى أن الجندي يمكن أن يتحول إلى ممرض بعد دورة لمدة ستة شهور فقط، ويعود بزي ممرض.
وقال: نظراً للأوضاع البائسة التي يعيشها الأسرى عموماً، والتي تفتقد للحد الأدنى من المقومات الإنسانية والمعيشية والصحية، فإن غالبية الأسرى، إن لم يكن جميعهم، يعانون من أمراض مختلفة، لكن الملفت أن هناك ما يزيد عن ألف أسير، بينهم من يعانى من أمراض خطيرة جداً كأمراض القلب والسرطان والفشل الكلى والسكري والشلل النصفي، وهناك حالات عديدة مصابة بأمراض عصبية ونفسية وعدد كبير من الجرحى والمصابين بالشلل والمبتورة أطرافهم، وأن هؤلاء جميعاً لا يتلقون الرعاية الصحية المناسبة.
وأضاف فروانة، هناك الكثير من الأسرى كانوا يعانون من أعراض مرضية بسيطة، ولكن نتيجة المماطلة في إجراء التحاليل الطبية والتسويف في تقديم العلاج، تفاقمت تلك الأعراض واستفحلت وتحولت لعاهات مستديمة وأمراض خطيرة ومزمنة يصعب علاجها.
وقال: لم يقتصر الأمر على سياسة الإهمال الطبي، بل امتد الإجرام إلى استخدام الأسرى كحقول لتجارب بعض الأدوية، وقد كشفت عضو الكنيست الإسرائيلي ورئيس لجنة العلوم البرلمانية الإسرائيلية سابقاً "داليا ايزيك" النقاب في تموز 1997، أي قبل عشر سنوات، عن وجود ألف تجربة لأدوية خطيرة تحت الاختبار الطبي تجري سنوياً على الأسرى الفلسطينيين والعرب، وأضافت في حينه أن بين يديها وفي حيازة مكتبها ألف تصريح منفصل من وزارة الصحة الإسرائيلية لشركات الأدوية الإسرائيلية الكبرى لإجراء ألف تجربة دوائية على أسرى فلسطينيين وعرب داخل السجون الإسرائيلية.
كما كشفت "أمي لفتات" رئيس شعبة الأدوية في وزارة الصحة الإسرائيلية أمام الكنيست في ذات الجلسة، أن هناك زيادة سنوية قدرها 15% في حجم التصريحات التي تمنحها وزارتها لإجراء المزيد من تجارب الأدوية الخطيرة على الفلسطينيين والعرب في السجون الإسرائيلية كل عام.
وأكد الباحث أن هذا يعني أن الأمور تسير باتجاه توسيع الجريمة وتزايد عدد المعرضين لها، وليس العكس، وبغطاء قانوني وبواسطة وزارة الصحة الإسرائيلية التي تمارس الإشراف والمتابعة وإعداد الدراسات العلمية حول مدى استجابة الأسرى للأدوية والحقن والمواد الكيميائية التي يتعرضون لها، وأن هذه الممارسات تعكس وبصورة واضحة مقدار العنصرية التي يشهدها النظام الإسرائيلي ككل، إذ أن استخدام الأجساد البشرية عنوة ودون معرفة الشخص المعني لأغراض التجارب، يعد تجاوزاً خطيراً لإنسانية الإنسان وانتهاكاً لكرامته، واعتداء على حقه في الحياة وامتهاناً لكرامته.
وأشار إلى أمثلة كثيرة لأسرى وأسيرات حقنوا بإبر لم يروها من قبل، أدت لتساقط شعرهم وشعر وجههم للأبد، وهناك أسرى فقدوا أبصارهم وشعورهم، وآخرون فقدوا عقولهم، وآخرون حالتهم النفسية في تدهور مستمر، وآخرون يعانون من العقم وعدم القدرة على الإنجاب وغير ذلك.
وقال فروانة، إذا كان الحديث يدور عن ألف تجربة قبل عشر سنوات، وزيادة مقدارها 15 % سنوياً، فاليوم يدور الحديث عن أكثر من ثلاثة آلاف تجربة سنوياً، خاصة مع التضاعف الكبير لأعداد الأسرى خلال انتفاضة الأقصى والذي وصل عددهم إلى أكثر من ستين ألف أسير، بقي منهم في السجون والمعتقلات لغاية الآن قرابة أحد عشر ألفاً.
وأكد أن هذا يتناقض بشكل فاضح مع كافة المواثيق والأعراف والاتفاقيات الدولية وخاصة اتفاقية جنيف الرابعة في مادتها الثالثة عشر من الباب الثاني التي تقول: "يجب معاملة أسرى الحرب معاملة إنسانية في جميع الأوقات ويحظر أن تقترف الدولة الحاجزة أى فعل أو إهمال غير مشروع يسبب موت أسير في عهدها، ويعتبر انتهاكاً جسيماً لهذه الاتفاقية، وعلى الأخص لا يجوز تعريض أي أسير حرب للتشويه البدني أو التجارب الطبية أو العلمية من أي نوع كان مما لا تبرره المعالجة الطبية للأسير المعني أو لا يكون في مصلحته".
ولا يقتصر الأمر على الأسرى داخل الأسر، بل تمتد آثاره إلى ما بعد التحرر وهذا ما أكدته بعض الدراسات العلمية التي أثبتت أن الأمراض التي بدأت تظهر على الأسرى السابقين لها علاقة دالة إحصائياً بالسجن وأمراضه وسياسة الإهمال الطبي، بمعنى أنه من المحتمل أن آثار المواد التي تستخدم في تلك التجارب، بالإضافة إلى آثار سياسة الإهمال الطبي التي تفاقم الأعراض ومع الوقت تصبح مزمنة ومستعصية، هي السبب في وفاة المئات من الأسرى السابقين بعد تحررهم.
وطالب فروانة بمنح جميع الأسرى المحررين الإعفاء الكامل لإجراء فحوصات طبية كاملة وشاملة وبصورة دورية، مرة كل عام للتأكد من خلوهم من الأمراض، وإذا ما ظهرت بعض الأمراض فمن الواجب توفير العلاج الضروري لهم.
وأشار فروانة إلى أن أول من استخدم الأسرى للتجارب هم النازيون، وأسهبوا في ذلك داخل معسكرات الاعتقال والأسر التابعة للجيش الألماني خلال الحرب العالمية الثانية، موضحاً أن جميع الأشخاص الذين تعرضوا للتجارب، إما تم قتلهم لتحليل النتائج والبيانات، أو ماتوا لاحقاً متأثرين بآثار تلك العمليات.
وقال: بالرغم من أن لدينا أمثلة كثيرة من تجارب النازيين، إلا أننا نسوق مثالاً واحداً يحمل تشابه كبيراً، حيث أنه كان يتم ضخ السموم في طعام الأسرى آنذاك لمعرفة مدى تأثير أنواع السموم على البشر ولتشريح أجساد من يموتون منهم، مشيراً إلى حالات كثيرة جرى خلالها تسمم جماعي للأسرى الفلسطينيين والعرب في بعض السجون والمعتقلات الإسرائيلية، ولا يستبعد الباحث أن يكون التسمم قد حدث عمداً.
وأوضح فروانة أن سياسة الإهمال الطبي بدأت مع بدايات الاحتلال واستمرت ليومنا هذا وبوتيرة متصاعدة، وأن الكشف عن إجراء تجارب لأدوية خطيرة على الأسرى مرَ عليه عشر سنوات، متسائلاً: ماذا فعلنا من أجل وقف سياسة الإهمال الطبي، بدءاً من استشهاد الأسير أبو الفحم عام 1970، مروراً باستشهاد الأسرى الجعفري وحلاوة ومراغة وعمر القاسم والعرعير وأبو هدوان وليس انتهاءاً بالسعايدة والمسالمة؟ وماذا فعلنا للحدّ من تأثيرات تلك السياسة على الأسرى المحررين الذين رحل منهم المئات نتيجة لظروف مرضية صعبة أمثال: فايز بدوي وأبو مذكور ونافذ الخالدي وشيبوب ومنصور ثابت وأبو رفعت نعيرات وعبد الرحيم عراقي ومراد أبو ساكوت وهايل أبو زيد وغيرهم؟ وماذا فعلنا من أجل توثيق مجمل هذه الحالات؟ وماذا فعلنا لوقف تجارب الأدوية وملاحقة المجرمين؟ وأين دور أعضاء الكنيست العرب والمنظمات القانونية وحقوق الإنسان في فلسطين وفي العالم أجمع؟.
واتّهم فروانة، المجتمع الدولي بالتخاذل والانحياز، في ظل استمرار سياسة الإهمال الطبي وتمادي سلطات الاحتلال باستهتارها بحياة الأسرى، واستمرار التجارب الطبية عليهم.
وقال إن حجم الفعل الوطني والقومي لا يساوي حجم المعاناة التي يعانيها الأسرى، ولا يوازي حجم المخاطر التي يتعرضون لها.
وأضاف، أن تحرك وزارة الأسرى يؤمل منه أن يشكل بداية عهد جديد في التعامل مع قضيا الأسرى، حيث أعلن وزير الأسرى أشرف العجرمي مؤخراً عن تشكيل لجنة من قانونيين وأطباء ومختصين للتحقيق في ظروف استشهاد الأسيرين مسالمة والسعايدة والظروف الصحية التي يعيشها الأسرى بشكل عام.
وأكد فروانة أن وزارة الأسرى تقوم بنشاطات مميزة في الآونة الأخيرة وتستحق الإشادة، معرباً عن أمله بأن تشكل هذه النشاطات خطوة إلى الأمام وبداية عهد جديد في التعامل مع قضايا الأسرى، وأن تتوحد كافة الجهود، على اعتبار أن قضية الأسرى هي قضية وطنية وقومية، بهدف الضغط على المجتمع الدولي لإجباره على التحرك العاجل وتحمل مسؤولياته الأخلاقية والإنسانية، لإنقاذ الأسرى وخاصة المرضى منهم، وإجراء العمليات الجراحية العاجلة لمن هم بحاجة لها، والتحقيق في الظروف الصحية الخطيرة التي تشهدها السجون والمعتقلات الإسرائيلية، وملاحقة مجرمي الحرب أمام المحاكم الدولية.
المصدر : وكالة الانباء الفلسطينية ـ وفا
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018