ارشيف من : 2005-2008
أسئلة على هامش عدم اكتمال النصاب
إذا لم يكتمل النصاب حتى انتهاء ولاية رئيس الجمهورية الحالي بعد 24 تشرين الثاني المقبل رغم دعوة رئيس المجلس مرة بعد مرة بعد مرة لانعقاد الجلسة؟
على الصعيد السياسي، يؤكد عدم اكتمال نصاب جلسة انتخاب «فخامة الرئيس» ضرورة التسليم بثلاث مسائل، منها ما هو دستوري ومنها ما يتعلق باللعبة الديموقراطية والأصول البرلمانية وهي:
أولاً: ان المشترع عندما فرض نصاب الثلثين في جلسة انتخاب رئيس الجمهورية في الوقت الذي حرص فيه على تجاوز فرض مثل هذا النصاب في الجلسات التي تكون مخصصة لانتخاب رئيس المجلس أو لطرح الثقة بالحكومة، أخذ ماهية هذا الانتخاب بعين الاعتبار. فانتخاب رئيس الجمهورية يعني وفق النص الدستوري اختيار «رمز وحدة الوطن»، بينما في الجلسات الانتخابية الأخرى وما شابهها لا يكون الأمر كذلك. ولهذا حرص المشترع في المادة 49 ـ دستور على ضرورة أن لا تكون تسمية «رمز الوحدة» من فريق دون فريق. فعندما قال بأكثرية الثلثين في دورة الانتخاب الأولى وبالأكثرية المطلقة في دورات الانتخاب التي تلي أراد أن لا يكون اختيار رئيس يمثل «نصف رمز للوحدة» وفرض أن يكون الفوز بالحد الأدنى على الأقل من التوافق الذي تمثله الأكثرية المطلقة. وما تمكن ملاحظته هنا ان حكمة المشترع ربما كانت تظهر لأول مرة في لبنان اليوم. فالانقسام السياسي في مجلس النواب حاليا يؤهل فريقا من الفريقين النيابيين لانتخاب رئيس بأكثرية بسيطة، لو لم يكن نص المادة 49 واضحا في اشتراط نصاب الثلثين لاكتمال جلسة الانتخاب والفوز بالأكثرية المطلقة في دورات الانتخاب التالية، إذا لم يفز أحد بأكثرية الثلثين في دورة الانتخاب الأولى. لكن ليتصور اللبنانيون قبل السياسيين أي رمز يكون مثل هذا الرئيس في مثل هذه الحالة؟ ألا يكون مثل هذا الاختيار «ضوءاً أخضر» للعبث بالأمن السياسي والاجتماعي والاستقرار في الوطن؟ ولهذا يمكن القول إن عدم اكتمال نصاب جلسة انتخاب رئيس الجمهورية أمس، قد عطل حصول مثل تلك الاحتمالات. ومرد ذلك يعود الى حكمة المشترع عندما فرض شروط انتخاب الرئيس في المادة 49 ـ دستور التي لم تبرز أهميتها القصوى كما تبرز في الحالة السياسية السائدة اليوم. فما نص عليه المشترع في تلك المادة كان «حاجزاً» أمام استمرار الانقسام السياسي بفرضه التوافق لتظهير صورة «فخامة أو السيد الرئيس». ومن هنا أهمية عدم اكتمال نصاب الجلسة الذي يعتقد البعض أنه إشارة سلبية، وهو عكس ذلك تماماً.
ثانياً: برزت على هامش موعد الجلسة في الساعات الثماني والأربعين الأخيرة مسألتان تتعلقان بالأصول البرلمانية واللعبة الديموقراطية تحديداً. وهما:
أ ـ ماذا إذا حضر الى حرم المجلس النيابي الداخلي عدد من النواب تكتمل به أكثرية الثلثين؟ هل يعتبر نصاب الجلسة مكتملاً؟
تفتح الإجابة عن هذا السؤال الباب أمام طرح جملة تساؤلات أخرى ويمكن إيجازها بالتالي:
جرت العادة على أن يطلب رئيس المجلس رن الجرس إيذانا للنواب بالدخول الى قاعة الجلسات لافتتاح الجلسة، بعد أن يكون قد وصل الى داخل حرم المجلس عدد من النواب يمثل الأكثرية المطلوبة لاكتمال النصاب. فالرئيس يفترض ان من حضر الى الحرم جاء للمشاركة في الجلسة. ففي مثل جلسة انتخاب الرئيس يمكن أن يرن الجرس بعد حضور 85 نائبا وعندها يدخل رئيس المجلس الى قاعة الجلسات. ولكن يبقى عليه أولاً التثبت من وجود النواب الذين يتشكل منهم النصاب في القاعة. فإذا كان العدد غير مكتمل بعد أن كان عدد النواب الوافدين الى الحرم يعادل النصاب المطلوب أو يزيد، يطلب من الموظفين المختصين في المجلس دعوة النواب المتواجدين خارج القاعة للدخول. فإذا لم يدخل القاعة العدد الذي يكتمل به النصاب يصبح من واجب رئاسة المجلس رفع الجلسة لعدم اكتمال نصابها. فالنصاب القانوني يحتسب على عدد النواب المتواجدين في قاعة الجلسات من دون زيادة، حتى لو كان هناك نواب يقفون على حافة المدخل الخارجي للقاعة. وهذا أمر طبيعي لأن من يتواجد خارج القاعة لا يتسنى له المشاركة في الانتخابات، ولنقل ان صندوقة الاقتراع لن تنتقل إليه لوضع ورقته فيها.
ب ـ لكن يمكن أن يكتمل نصاب جلسة الانتخاب بحضور أكثرية الثلثين، وعندما تجري دورة الانتخاب الأولى ولا يحوز أي من المرشحين أكثرية الثلثين، عندها تجري دورة انتخابات ثانية يكون الفائز فيها من يحوز أكثرية مطلقة. والسؤال هنا: ماذا إذا انسحب بعض النواب من القاعة بعد إجراء دورة الانتخاب الأولى، بحيث يصبح عدد النواب المتواجدين في القاعة أقل من الثلثين كما كان في دورة الانتخاب الأولى. هل تجري عملية الانتخاب للفوز بأكثرية مطلقة؟
من البديهيات القول إن إجراء العملية الانتخابية في مثل هذه الحالة غير دستوري. فالدستور حدد نصاب جلسة الانتخاب بالثلثين، ولم ينص على نصابين، فقد نص على نصاب واحد بينما نص على إمكان الفوز بواحدة من نسبتين وفق شروط محددة. ولذلك فإن دورات الانتخاب، سيان إن كانت بأكثرية الثلثين أم بأكثرية مطلقة تفترض احترام «نصاب الجلسة الواحد»، وإلا تحول النصاب الدستوري الى «نصاب غير دستوري» بالتأكيد.
ثالثاً: عادت، بعد استراحة قصيرة، معزوفة الخلط بين دور رئيس المجلس كرئيس للسلطة التشريعية وبين دوره المستمد من انتمائه السياسي وكونه رئيساً لكتلة برلمانية. وباختصار شديد يمكن القول في هذا المجال التالي:
أ ـ إن رئيس المجلس قد مارس دوره كرئيس للسلطة التشريعية بمناقبية وشفافية عاليتين جدا إن من حيث الالتزام بما يوليه إليه النص الدستوري عندما دعا الى جلسة الانتخاب في اليوم الأول من المهلة الدستورية غير عابئ بالاجتهاد القائل بأن الدعوة كانت تحتمل الانتظار حتى افتتاح الدورة العادية الثانية للمجلس، وكذلك عندما مارس الانفصال الكامل بين موقعه الرئاسي وموقعه الذي يلتزم به سياسياً بدليل دعواته المتكررة للحوار والوفاق وإعلان التنازل عن شرط تشكيل حكومة الوفاق الوطني لتسهيل عملية التوافق، وغير ذلك الكثير من التفاصيل.
ب ـ ان رئيس المجلس، عندما يمارس مسؤوليته الرئاسية لا يمكن ان يقوم بذلك على حساب النصوص الدستورية وأصولها كي يكون حياديا وكي «ترضى عنه» بعض القيادات المستجدة على الساحة السياسية، فعدم مشاركة كتلة رئيس المجلس في إكمال نصاب جلسة انتخاب الرئيس ليس تضامناً أو استجابة لموقف المعارضة إنما ممارسة لحق دستوري هو اليوم أقرب الى الإلزام منه الى كونه خيارا، باعتبار ان المشاركة في إكمال نصاب الجلسة يعني المساهمة في اختيار رئيس جمهورية غير توافقي سيؤدي الى مزيد من الشرخ والانقسام الداخليين، وهو في مطلق الأحوال يتعارض مع روح النص الدستوري المنصوص عليه في المادة 49 وفق ما تمت الإشارة إليه سابقاً.
المصدر : صحيفة السفير اللبنانية
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018