ارشيف من : 2005-2008

عدوان وإرهاب وإبادة

عدوان وإرهاب وإبادة

تمييز”. وأشارت المنظمة إلى أن ارتفاع عدد الضحايا سببه عدم احترام “إسرائيل” المتكرر لضرورة التمييز بين الأهداف العسكرية والأهداف المدنية.‏

وليس في هذا التقرير من جديد سوى أنه يؤكد حقيقة باتت معروفة لدى الناس جميعاً عن استهداف الكيان الصهيوني المتواصل للمدنيين لتحقيق أهداف عسكرية وسياسية. ويبدو أن التقرير منشغل بقوانين الحرب التي لا تحترم أكثر من كونه مهتماً بالحرب الظالمة نفسها التي تشنها “إسرائيل” ضد العرب منذ قيامها. وسواء قصد التقرير ذلك أم لم يقصده فهو بدا أنه يجعل الحرب مفهومة كأنها قامت بين جيشين أحدهما لم يحترم كثيراً قوانين الحرب.‏

ولن يجعل النقد الموجه في التقرير ضد “إسرائيل” هذه المنظمة في حِلّ من قيامها بجوهر عملها. فعدوان “إسرائيل” ضد لبنان وعدوانها المستمر ضد الشعب الفلسطيني ليسا حرباً بالمعنى التقليدي، إنما هما حربا إبادة. ففي كليهما تقصّد العدوان الناس أساساً، حيث لم يكن هناك جيش يقابل حربها، إنما كانت مقاومتان من الشعبين تقابلان همجيتها وتدافعان عن بلديهما. ولعل ما يجري في فلسطين أكثر وضوحاً، لأن أسلحة العدوان ليست عسكرية مدمرة فحسب وإنما اقتصادية مهلكة أيضاً.‏

التصريحات “الإسرائيلية” بتجويع الفلسطينيين قائمة فعلاً من خلال التدابير والإجراءات التي تصادر الأراضي والمياه، وتجرف الحقول والبساتين، وتحاصر المدنيين كي لا يصلوا إلى مراكز أعمالهم ومناطق أنشطتهم. والحديث عن قوانين الحرب ليس له معنى إذا كانت الحرب أصلاً كلمة مجازية حيث إن ما يجري حملة إرهابية استئصالية تريد إخضاع الناس لإملاءاتها. ومثل هذا الإرهاب ليست له قوانين إنما له غايات.‏

وحينما تهاجم “إسرائيل” المدن والقرى بدباباتها وطائراتها فهي تهاجم المدنيين، لأنه لا يوجد غيرهم فيها، وحينما يدافع البعض منهم عن مدينته أو مخيمه وعن حقه في الحياة الحرة الكريمة فإن دفاعه لا يجعل منه عسكرياً. وما يحتاج إلى الإدانة أصلاً هو الاحتلال نفسه، لأنه مولّد مستمر للمقاومة، ولا يمكن إجراء مقارنة بين الحالين ثم الحديث عن قوانين الحرب. ولو رأت هذه المنظمة المدافعة عن حقوق الإنسان الأمر من هذا الجانب لوجب عليها إدانة الحملة الإرهابية “الإسرائيلية” جملة وتفصيلاً لأنها كلها مناقضة لحقوق الإنسان.‏

لقد كانت رؤية بعض المنظمات والاتحادات الأوروبية أكثر عمقاً وإدراكاً لحقيقة العدوان “الإسرائيلي” حين طلبت من العالم مقاطعة “إسرائيل” كي يوقفها عند حدها تماماً كما فعل مع حكومة “الأبارتايد” في جنوب إفريقيا، زمن النظام العنصري، وتقرير “هيومن رايتس ووتش”، مهما كانت قوة شجبه للانتهاكات “الإسرائيلية”، لا يخلي طرفها من واجب رؤية العدوان “الإسرائيلي” بكونه إرهاباً للشعوب، بل هو يغطي على حقيقة ما يجري ويؤجل مساعي الآخرين لاتخاذ الخطوات المناسبة لردعه.‏

المصدر : افتتاحية الخليج الاماراتية‏

2007-09-07