ارشيف من : 2005-2008
خواطر على مفترق مصيري
مرحلة انفِراج واسع بعد أزمة مستحكمة كادت تُمزّق الوطن وشعبه، وتبدّلت المعطيات السياسية جذرياً بوجود رئيس يلتفّ حوله جميع اللبنانيين فتأتي معه حكومة جديدة بحسب الدستور فيؤتى معها بحل للقضايا التي كانت تُفرّق بين اللبنانيين ويُباشر مشروع إصلاح شامل يبدأ بإصلاح سياسي مُنطلقه قانون انتخابي جديد يكون وسيلة لتجديد الطبقة السياسية ومعها الحياة السياسية في لبنان.
أما إذا لم يتمّ انتخاب رئيس توافُقي، أو لم يتمّ انتخاب رئيس جديد للبلاد لسبب من الأسباب، فلبنان سيكون، والعياذ بالله، أمام أسوأ الاحتمالات بما فيها الانفِجار العام ومعه فرز لبنان إلى كيانات فئوية تهدد المصير الوطني في الصميم.
السؤال: كيف نؤمّن عُبور الاستحقاق الرئاسي بسلام فيسلم لبنان؟
لدينا حكومة مطعون بشرعيتها ودستوريتها وميثاقيتها بعد انسحاب فريق وازِن منها من دون تعيين من يخلف المستقيلين في الحكومة. ولكن هذه الحكومة، مع اعتلال مشروعيتها الوطنية، تتمتّع بشرعية دولية وبالتالي عربية لافِتة. فالدولة العظمى أميركا، تُشيد في مناسبة وغير مناسبة بحكومة السنيورة بالإسم بلسان كبار
المسؤولين ابتداءً من الرئيس الأميركي مروراً بوزيرة خارجيته وانتهاءً بالموفد الرئاسي إلى لبنان ديفيد ولش. كلّهم قالوا ويقولون أن حكومة السنيورة حكومة مُنتخبة ديمقراطياً، وقد قال الرئيس السنيورة ذلك عن حكومته خلال جولته الأوروبية الأخيرة.
الحقيقة أن الحكومات في لبنان لا تُنتخب، ولو أنّها تستمِد شرعيتها ورصيدها الديمقراطي من مجلس النواب عبر الثقة التي يمنحها للحكومة. فالوصف الدولي للوضع الحكومي أقل ما يُقال فيه أنه غير دقيق.
ثم إن الحديث عن الديمقراطية يستثير شجوناً. فالديمقراطية بمعناها السائد تعني حكم الأكثرية فتشغل الأقلية موقع المعارضة في السلطة. وأنا من الذين يطعنون بحقيقة ديمقراطية لبنان من غير زاوية:
{ أولاً، حديث الأكثرية والمعارضة يجب أن يستحضر واقع أن المجلس الدستوري مُعطّل عن عمد، علماً بأنه هو المرجعية الصالحة لبتّ الطعون في صحّة انتخاب النواب. والمعروف أن أكثر من عشرة طعون قدّمها مرشحون للنيابة في صحّة انتخاب بعض أعضاء مجلس النواب. ولو كان المجلس الدستوري ناشِطاً لبُتّت هذه الطعون وربما أدّى ذلك إلى بعض التغيير في حجم الأكثرية والمعارضة.
{ ثانياً، إن الانتخابات الأخيرة التي تولّد عنها المجلس الحالي فرضت في توقيتها، الذي أملته ضغوط خارجية، فطُبّق في إدارة الانتخابات قانون العام 2000 الذي كان في حِينه موضِع نقد وتنديد شديدَين من شرائح واسعة من السياسيين والرأي العام. وجاء مشروع القانون الذي تقدّمت به الهيئة العليا المختصّة برئاسة الأستاذ فؤاد بطرس مِصداقاً للاعتراضات على قانون العام 2000 والقوانين السابقة، وذلك حيث اقترح تعديلات جذرية على النظام الانتخابي: منها تشكيل هيئة خاصة للإشراف على العملية الانتخابية وتعديل في الدوائر الانتخابية، وإدخال النظام النسبي للمرّة الأولى ولو على عدد محدود من المقاعد النيابية، ووضع ضوابط للإنفاق الانتخابي بتحديد سقف لهذا الإنفاق يعطّل الدور الحاسِم الذي كان المال السياسي يلعبه في الانتخابات، وكذلك وضع ضوابط للإعلام والإعلان الانتخابيين حفاظاً على سلامة العملية الانتخابية وعدالتها. كل هذا يدل على أن المجلس الحالي لا يمثّل حالة ديمقراطية مِثالية.
{ ثالثاً، إلى ذلك، فإن الأكثرية الحالية كانت نِتاجاً لتحالفات انتخابية معيّنة، كان أبرزها عام 2005 التحالُف الرباعي الذي انفرط عقده مباشرة بعد إنجاز الانتخابات. فجاءت النتيجة مُعبّرة عن فشل تلك التحالفات أكثر منها عن وضع ديمقراطي يعبّر فيه الناس عن إرادتهم الحرّة.
{ رابعاً، هذه السِمات في العملية الانتخابية جعلت ديمقراطية النظام في لبنان موضع شُبهَة وتساؤل، لذا برزت مطالبات كثيرة بضرورة إجراء انتخابات نيابية مبكّرة على أساس قانون جديد.
ومن الشواهد على عدم ديمقراطية النظام في لبنان، على وفرة الحريات فيه، أن الدستور لا يُحترم. لم يُحترم عندما تقرر التمديد لرئيس البلاد لثلاث سنوات لمرة واحدة وأخيرة عام .2004 وكثرة من النواب الذين صدّقوا على التمديد يطعنون اليوم بشرعيته، ويزعمون أنهم تعرّضوا لضغوط سورية للسير في هذا الطريق، وهذا لا يُشرّف مَن رضخ للتهديد المزعوم أياً يكن مصدره. وقد اقترع ضدّ قرار التمديد لا أقل من 27 نائباً. لماذا لم يرضخ هؤلاء للضغط المفترض؟ ولماذا لم يقتدِ بهم الآخرون؟
الوضع السياسي العام في البلاد يجعل من مطلب التغيير، بالتوافق بين مختلف الأفرقاء، مطلباً مُلحاً، ولا سيما على مستويين: على مستوى تأليف حكومة جديدة تكون ذات طابع وِفاقي، أي ما سمّي حكومة وحدة وطنية. وعلى مستوى مقاربة الاستحقاق الرئاسي بحيث يأتي الرئيس العتيد توافُقياً.
الأزمة المستعصية التي استبدّت بالبلاد منذ العام ,2004 أي منذ صدور القرار 1559 وفي اليوم التالي تعديل الدستور تمديداً لولاية رئيس الجمهورية، هذه الأزمة باتت تملي حلولاً عاجلة وناجعة. والمبادرة مطلوبة من رئيس الجمهورية أولاً ومن الطبقة السياسية والطبقة الحاكمة ثانياً.
المطلوب أن يبادر رئيس الجمهورية إلى إجراء مشاورات لتسمية رئيس جديد للوزراء يتبنّى تأليف حكومة وحدة وطنية، على أن يتوزّع مقاعدها الأكثرية والمعارضة بنسبة 17 إلى 13 (وهذا نمط توزع مقاعد مجلس النواب حالياً) في حكومة من ثلاثين عضواً. وحتى تكون الحكومة ذات طابع توافقي (أي وحدة وطنية) حقيقة وليس مظهراً، فإن حكومة الوحدة الوطنية ينبغي أن تشمل جميع الوزراء في ما تبقّى من الحكومة حالياً، وكذلك إعادة جميع المستقيلين من الحكومة وعددهم ستة. هذا يُعيد الحكومة إلى الحجم الذي انطلقت به، أي 23 عضواً (أحد الوزراء استشهد) أما المقاعد السبعة المتبقية فيجب أن تؤمن تمثيلاً عادلاً لكتلة العماد ميشال عون، الأمر الذي يعزّز حصّة المعارضة في الحكومة. وما تبقى من المقاعد يجب أن تُستخدم في تأمين نسبة 13 إلى 17 بين المعارضة والسلطة. وهذه الحكومة يمكن أن تكون برئاسة الرئيس فؤاد السنيورة إذا ارتضى ذلك وإذا رَست على تسميته حصيلة الاستشارات التي يتوجب على رئيس الجمهورية إجراؤها، وإلاّ وجب النظر في الاتيان برئيس جديد للحكومة. ويكون اختياره تبعاً لمعيار أوحد هو: كيف يمكن أن يساعد على تحقيق المبتغى، بصرف النظر عن رأينا الشخصي فيه.
نجاح مشروع حكومة الوحدة الوطنية بمبادرة من رئيس الجمهورية يتوقّف على مدى تجاوب وزراء الأكثرية. والمرجّح أن لا يكونوا متعاونين وقد لا يلبّون الدعوة للانتقال إلى الحكومة الجديدة ولو بالحقائب عينها التي يشغلونها حالياً.
في حال ممانعة الرئيس السنيورة في السير في هذا الطريق فإن مفتاح نجاح المشروع سيكون في انتِقال اثنين فقط من فريق الأكثرية من ضفة الحكومة البتراء الحالية إلى ضفّة حكومة الوحدة الوطنية. إذا انتقل اثنان منهم فقدت الحكومة القائمة نصابها وسقطت، فتبقى حكومة الوحدة الوطنية الوحيدة في الميدان. ويرجّح أن تؤمّن الحكومة الجديدة عبوراً سليماً للاستحقاق الرئاسي. فنجاح المشروع إذن يتوقّف على نجاح فريق الرئيس والمعارضة في إقناع اثنين على الأقل من وزراء الأكثرية بالانضِمام إلى حكومة الوحدة الوطنية. حتى ما إذا سقطت الحكومة الحالية بفقدان النصاب فيها فإن بقيّة أعضاء الحكومة الحالية أو معظمهم سوف ينتقلون إلى حكومة الوحدة الوطنية حيث يستطيعون أن يُتابعوا ممارسة مسؤولياتهم في حقائبهم بعد أن يكونوا قد فقدوا مواقعهم في الحكومة البتراء الحالية.
وإذا كان المطلوب لنجاح هذا المشروع انتقال على الأقل اثنين من الوزراء من حكومة السنيورة إلى حكومة الوحدة الوطنية، فتفقد حكومة السنيورة النصاب القانوني فتسقط، فأن شرط نجاح الخطوة يهون إذا ما رسا موقع رئاسة الوزراء في حكومة الوحدة الوطنية على أحد أعضاء الحكومة الشوهاء القائمة. فتكليف أحد الوزراء الحاليين رئاسة حكومة الإنقاذ العتيدة من شأنه أن يجعل نجاح الخطوة مشروطاً بانتقال وزير واحد آخر فقط، وليس اثنين، بعد تسنّم أحد الوزراء سدة رئاسة الوزراء. وربما استطاع رئيس الحكومة العتيد أن يأتي معه بأحد رفاقه في الحكومة الشوهاء القائمة، فلا يعود ثمة مشكلة. ومن الأهمية بمكان ملاحظة أن انتقال اثنين من ضفة إلى ضفة، فتفقد الحكومة نصابها ووجودها، سيكون من شأنه دفع آخرين في الحكومة القائمة إلى الانتقال إلى حكومة الوحدة الوطنية حيث تكون مواقعهم وحقائبهم محفوظة لهم، ولهم مصلحة في الانتقال بعد أن تكون الحكومة القائمة حالياً فقدت شرعيتها ووجودها نهائياً.
هذا هو السبيل، في نظرنا، للوصول إلى حكومة إنقاذ، على قاعدة الوحدة الوطنية، في الوقت الحاضر. ومن يرفض الوحدة الوطنية يحكم على لبنان بالإعدام.
المصدر : صحيفة السفير اللبنانية
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018