ارشيف من : 2005-2008

تعريب الصراعات القاتل!

تعريب الصراعات القاتل!

والمعارضة تحضّر لتشكيل مرجعية دستورية ثانية بنصفها الآخر من السلطة. المشهد الفعلي للبلاد يذكّرنا بنسخة معدلة عن العام ,1988 رئاسة شاغرة وحكومتان.‏

لعله الفراغ الحقيقي في المؤسسات الدستورية. فالحكومتان كانتا أشبه بمظلتين لسلطات واقعية أخرى على الأرض. البعض كان يدير مناطق نفوذه بصورة صريحة ومعلنة، والبعض الآخر بصورة ضمنية. لكن الجميع اشترك في تلك الوليمة التي اسمها الدولة. لم يكن ذلك ما يمكن وصفه بالتقسيم، بل إنه الفوضى.‏

لحظة التقسيم كانت مرتبطة بالثنائية المسيحية الإسلامية وهي مرحلة سنوات الحرب الأولى. بعد ذلك دخلنا في تفصيل الجغرافيا المذهبية. ورغم تنامي هذه الظاهرة في الداخل اللبناني، إلا أنها ظلت محكومة لسقف عربي كان يفرض نوعاً من الوحدة بين الجماعات والمناطق الإسلامية مع ميل شديد وقوي لاحتواء الخروج المسيحي عن الإطار العربي الجامع. عملياً سمح التوافق العربي، رغم ما انطوى عليه من تعارضات لا سيما الاحتجاج على الدور السوري، في جمع الفرقاء اللبنانيين من خلال تسوية الطائف. انعقدت تلك التسوية بين الدول العربية قبل أن تحصل حرب الكويت وتستعيد سوريا التسليم بأهميتها لإدارة الملف اللبناني. لكن الطائف طبّق في ظل تفاهم سعودي سوري ومن خلال شراكة واضحة لهاتين الدولتين في توزيع السلطة. بدأت أزمة لبنان المستجدة عملياً قبل القرار ,1559 عندما اتجهت كل من الدولتين إلى زيادة حصتها في الشراكة لا سيما مع الضغوط المتصاعدة على المنطقة، ولجملة أسباب لا يتسع ذكرها.‏

ربما علينا أن نتذكّر كيف خرج البعض في لبنان مشدداً على «مرجعية مكة» والبعض الآخر مطالباً بإحياء الثلاثية العربية الراعية للطائف، فضلاً طبعاً عن دور مباشر لفرنسا. لقد شكّل حصار العراق ثم إسقاطه تحت الفوضى والاحتلال تغييراً كبيراً في التوازن الإقليمي العربي آذن بانهيار موقع الراديكالية العربية.‏

سوريا نفسها أخذت بالانكفاء مع احتلال العراق ثم مع القرار .1559 لقد جاء هذا القرار يستكمل خطة الضغوط عليها ما أدى إلى كل التداعيات التي أعقبت التمديد للرئيس إميل لحود. لكن الفراغ السوري حاولت أن تملأه المملكة العربية السعودية وأطراف غربيون دون أن تتوقف الضغوط على سوريا. لقد تمت «مطاردتها» بمشروع المحكمة الدولية وبواسطة «المعارضة السورية» ولاحقاً بجزء من «مسؤوليتها» عن حرب تموز.‏

لا يمكن فهم الموقف السعودي الأخير في مقاطعة اجتماعات لجنة جوار العراق، في العراق وفي سوريا، إلا مقدمة لتوسيع شقة الخلاف. لقد تلت ذلك تصريحات سورية جارحة لسياسة المملكة، فراحت المملكة تفتح ملفات النظام السوري وكأنها تعلن إخراجه من دائرة الحماية العربية في لحظة التهديدات بحرب إسرائيلية تتزايد احتمالاتها كل يوم. قد يفسّر ذلك على أنه سياسة سعودية نشطة ضد المحور السوري الإيراني ودوره في العراق، لكن ذلك يحتمل أيضاً رفع الغطاء عن أي سعي غربي لتوجيه ضربة لهذا النظام.‏

مشكلتنا في لبنان اليوم أن انقساماتنا تتموضع على هذه الصراعات العربية، ويظهر لبنان فاقداً لأية حماية كانت في الماضي ملاذاً لاستعادة وحدته. بل لعله اليوم يتحوّل أكثر فأكثر إلى ساحة لهذه الصراعات ليس فقط كهدف بذاته بل كجزء من التحوّلات المطلوبة في محيطه لا سيما على جبهة النظام في سوريا. وليس من يجهل عمق الصلة بين الصراعات والجغرافيا المذهبية. لبنان في صيغته وتكوينه ووحدته وديعة عربية طالما حافظ عليها العرب حتى في ظل أقسى النزاع العربي الغربي. لعل فرنسا اليوم باتت مع سياسة الرئيس ساركوزي أكثر حرصاً من العرب أنفسهم على وحدة لبنان ومهمته التاريخية. كان اللبنانيون يطالبون بتعريب أزماته حتى لا ينقسم، فهل صار اليوم تعريب الأزمة مدخلاً لصراعات قاتلة!؟‏

المصدر : صحيفة السفير اللبنانية‏

2007-08-30