ارشيف من : 2005-2008

لبننة الرئاسة في جمهورية مدوّلة!

لبننة الرئاسة في جمهورية مدوّلة!

مغرّب ومشرّق يشرّع أبوابه للرياح من كل جانب، لأن أهل السياسة فيه عاجزون عن ضبط الأهواء السياسية تحت سقف الوحدة الوطنية، بل تحت سقف الدولة.‏

تتوازى حظوظ الرئاسة أصلاً مع حظوظ الجمهورية نفسها في البقاء موحدة على قيد الحياة وسط هذا الكمّ الهائل من الرغبات الجامحة في امتلاك ناصية القرار فيها. ويكاد الرئيس العتيد أن يكون إنساناً خارقاً لكي يستطيع أن يرضي كل هذه المشارب والأذواق المشاركة في الطبخة من واشنطن وباريس حتى طهران مروراً بالرياض ودمشق. بعض هذه الدول لا يتردد في طرح مواصفات للرئيس كأن يكون مستقلاً وحراً عن الآخرين وتابعاً بالتالي لها. رغم ذلك كله تتقاطر الوفود والوساطات بحثاً عن تسوية سياسية تكون الرئاسة الأولى محطة فيها أو مدخلاً لها. لكن الضالعين في عولمة هذا الاستحقاق من خلال رفض الشراكة كوسيلة للحد من تأثير الخارج يرفعون الصوت مطالبين بلبننة موقع الرئاسة الأولى المسروق من المسيحيين وليس اللبنانيين عموماً، كما كان عليه الحال في عهد «الوصاية السورية».‏

يتحوّل مشروع القبض على الرئاسة الأولى واستتباعها لأحد أطراف الصراع الداخلي إلى تكثيف شديد لعناصر الأزمة الوطنية. هكذا تراوح مهمة المرشح للاستيلاء على الموقع بهذا العديد أو ذاك من الأصوات النيابية، بين تطبيق القرارات الدولية ومنها المتعلق بسلاح «حزب الله» وبين حماية سلاح المقاومة. وبين هذين المطلبين يلعب خيّال النزاع الإقليمي في معسكري «الاعتدال» و«الممانعة». طبعاً لا أحد من أصحاب الحق في الاقتراع على الرئاسة يتصرف كأم الصبي، ولا أحد أيضاً يتحدث بمفردات «اللغة الخشبية» التي تعطي للرئاسة مهمات مختلفة عن ترجيح كفة هذه أو تلك من القوى السياسية. فالمنصب الذي أنيط به أن يكون مجسداً و«رمزاً لوحدة الوطن، يسهر على احترام الدستور ويحافط على استقلال لبنان ووحدته وسلامة أراضيه»، يصبح رمزاً لتكريس الانقسام ولانتهاك الدستور والمساهمة في إضعاف استقلال لبنان والتفريط بسلامة ووحدة أراضيه.‏

قطعاً هناك تمايز وانفصال بين السلطات، وعلى كل سلطة أن تقوم بدورها من دون «منّة أو شكور» ومنها مؤسسة الجيش. لكن هذه المؤسسة لم تطلب يوماً أن يكون «الأمر لها» في شؤون هي للسياسة والسياسيين.‏

لكنها من أسف صارت محط أنظار الجمهور في كل مرة أظهرت الطبقة السياسية عجزها عن الحفاظ على وحدة البلاد واستقرارها وعلى الحد الأدنى من المظاهر الديموقراطية. وما كان الجيش حلاً في الماضي ولن يكون، ولا معنى عن دور له في السياسة إلا حيث فشل الآخرون، وعندما يدفع أهل السياسة البلاد نحو فراغ حقيقي ويهدمون الدولة التي يتنازعون للسيطرة عليها.‏

لبننة الاستحقاق الرئاسي له معنى واحد هو تجسيد التسوية الوطنية والمشاركة في المقام الذي يرمز إلى وحدة الوطن. كل خيار آخر هو استحضار عدة شغل لاستئناف المنازعة وتأجيجها وعبث في مقومات الجمهورية لا استنقاذ أو استرداد الرئاسة فيها. واهم من يريد أن يضع حاكماً على كرسي تحترق. واهم من يريد رئيساً لفريقه وهو يشكو أصلاً من تعاظم نفوذ الدويلات وفيها رؤساء متوّجون بصلاحيات ملكية. فاشل من يريد السياسة لعبة حياة أو موت. إنها مهمة نبيلة لإدارة الجمهورية.‏

أنقذوا لبنان بالوفاق ولا تعطوا «أمر المهمة» لأحد غيركم، قد يكون الجيش، من غير تأكيد، لكن الأرجح أن تكون «اللبننة» كما كانت تعني منذ ثلاثة عقود، أي الفوضى.‏

المصدر : صحيفة السفير اللبنانية‏

2007-08-25