ارشيف من : 2005-2008

نصر الله أصدق من أولمرت

نصر الله أصدق من أولمرت

وإلى ساعة كتابة هذه الكلمات، وإلى ما بعدها غالبا، فتح الإسرائيليون نيران نقدهم لما جرى، وقالوا في قيادتهم السياسية وفي جيشهم أكثر مما قاله مالك في الخمر، لدرجة أن بعضهم رأى أن النقد تحول إلى عملية جلد للذات، وهي عملية تشبه من بعض وجوهها حمى النقد التي اجتاحت الوطن العربي بعد هزيمة يونيو/ حزيران .1967 ولعل هذا ما يكشف عنه تقرير ‘’لجنة فينوغراد’’. فقد فجر الإسرائيليون هذه الحرب بعد ‘’عملية الوعد الصادق’’ التي أسر فيها جنديان إسرائيليان وقتل ثمانية ودمرت دبابة. ولم يستطع العدو احتمال هذه اللطمة. فخرج إلى حرب لم يكن مستعدا لها، مع أنها ويا للمفارقة أولى حروبه التي يفرض الجيش قرارها على القيادة السياسية التي استجابت بل انصاعت له، لدرجة أنه لم يعترض أي عضو في الوزارة. علما بأن قرار العدوان في يونيو/ حزيران 1967 عارضه ثلاثة وزراء[1].‏

العام الذي مضى كان ثقيلا على الإسرائيليين الذين قاموا بعملية مراجعة شاملة وعملية نقد مكثفة. ورأى كثيرون أن ذلك غير كاف وأعربوا عن عدم اقتناعهم بما كتب وقيل. وقال آخرون إنهم يحمدون الله لأن الفشل وقع في ,2006 فلو أن المواجهة تأخرت ثلاث أو خمس سنوات أخرى فإن الفشل الإسرائيلي سيكون أكثر فداحة. وحتى الذين ذهبوا إلى أن جيشهم لم ينتصر وأن قوات حزب الله لم تنتصر أيضا، وأن الجانبين خرجا ‘’متعادلين’’، اعتبروا أن ‘’التعادل’’ يشبه الخسارة بالنسبة لإسرائيل التي يجب ?حسب رؤيتهم- أن تنتصر في كل مواجهة مع أعدائها[2].‏

ومن يراجع موجة النقد الإسرائيلية يتبين أنها امتدت إلى الحديث عن أمراض مزمنة تمثلت، حسبما كتبه ‘’اليكس فيشمان’’ في ‘’صورة ذاتية متردية لدى معظم ضباط الخدمة الدائمة في الجيش[3]’’. فقد خلفت الحرب مرضا لم يتغلب الجيش الإسرائيلي عليه في العام الذي مضى، تفاقمت خلاله روح العجز والصورة المتردية عن رجال الخدمة الدائمة، حيث يوجد شيء مريض جدا.‏

دليل ذلك أن ‘’قسم علوم السلوك’’ في الجيش سأل رجال الخدمة الدائمة سؤالا بسيطا: كيف تبدو المهنة العسكرية في عيون المواطنين؟ في العام 2005 ذكرت نسبة 61% من ضباط الخدمة الدائمة أن المجتمع المدني يرى في الخدمة العسكرية مهنة محترمة، أما بعد الحرب، وفي العام 2007 فإن هذه النسبة هبطت إلى 26% فقط. وذهب الباقون إلى أن الجمهور ينظر إليهم على أنهم ‘’كومة من العاطلين’’. ويعلق ‘’فيشمان’’ على هذه النتيجة بقوله ‘’من الصعب، مع مثل هذه الصورة، بث روح حقيقية في الجيش وتحقيق الانتصار في الحروب’’. وفي الصحيفة نفسها وفي اليوم نفسه، يشير صحافي آخر إلى ‘’وجود مؤشرات مقلقة جدا عن الفساد الشخصي والمؤسساتي في أوساط القيادة السياسية العليا الإسرائيلية’’، التي يصفها ‘’يوئيل ماركزس’’ بأنها ‘’قيادة مهترئة[4]’’.‏

أما ‘’عوفر شيلح’’(5) فيذهب إلى أبعد من ذلك مقررا ومعترفا بأن ما حدث في الصيف الماضي ‘’كان صعبا ومحزنا[5]’’، فقد تكشفت في حدث وحيد جميع عيوب وبؤس طريقة الحكم واتخاذ القرارات، ونقاط ضعف الجيش، وضعف العلاقة بين الدولة والمواطن، وضعف العملية السياسية في إسرائيل. ويخلص ‘’شيلح’’ إلى أنه لم يحدث منذ ذلك الوقت شيء جديد في هذه المجالات، مع أن الضربة التي وجهت إلى الجيش وثقته بنفسه ‘’كانت قوية جدا. كما أن الفجوة كانت كبيرة بين ما تصوره عن نفسه جيل كامل من المستويات العليا والوسطى وبين ما تكشف في الصيف الماضي’’.‏

وعلى مستوى الجمهور في الكيان الصهيوني، أثبت بحث أجراه معهد في جامعة تل أبيب، أن الغالبية ترى أن أوضاع ‘’إسرائيل’’ قبل 20 سنة كانت أفضل مما هي عليه اليوم، وأن الغالبية لا ثقة لديها في القيادة، إذ أعرب واحد فقط من كل عشرة إسرائيليين عن رضاه عن الأداء الحكومي في حل المشكلات التي تواجه ‘’إسرائيل’’ في جميع المجالات، كما أن ما يزيد عن ربع المشاركين في الاستطلاع رأوا أن إسرائيل ستزول إما بعد عقد أو بعد 50 سنة، أو بعد قرن، وقالت نسبة 74% إن ‘’إسرائيل’’ باقية إلى الأبد بينما قال اثنان من كل عشرة إنهم مستعدون للهجرة، كما أن خمسة من كل عشرة مستعدون للهجرة، كما قال إن خمسة من كل عشرة إسرائيليين مهتمون بأن تكون لديهم جنسية أخرى[6].‏

هذه الأرقام تكشف عن عدم ثقة عميق من الجمهور الإسرائيلي في قيادته السياسية، بل وفي مستقبل دولة ‘’إسرائيل’’ ذاتها. ومنذ أيام، وعلى وجه التحديد في يوم الجمعة الماضي 27 يوليو/ تموز، نشرت صحيفة ‘’يديعوت احرونوت’’ نتائج استطلاع أجراه مركز استطلاعات متخصص. تناولت النتائج قضايا داخلية أساسا، وعلى رأسها وضع رئيس الوزراء ‘’ايهود أولمرت’’ بالنسبة لمن يصارعونه على هذا المنصب. في ختام عرضها لنتائج الاستطلاع وفي السطرين الأخيرين، قالت الصحيفة ‘’يتبين مرة أخرى أن الجمهور الإسرائيلي يعتقد أن زعيم حزب الله أكثر مصداقية من رئيس وزرائه، إذ يعتقد 49% ممن شاركوا في الاستطلاع أنه (نصر الله) صادق أو على الأقل صادق بدرجة كافية’’. نتيجة عميقة الدلالة. ولا يقل عمقا عنها أن الفشل الذي أصاب الجيش الإسرائيلي في ‘’حرب الخمسة أسابيع’’ ليس فشلا طارئا، ولا يعبر عن أخطاء طارئة، بل يعكس خللا أساسيا كامنا في بنية الجيش الإسرائيلي، وهو خلل عبر عنه العسكري الإسرائيلي الكبير ‘’إسرائيل طال’’ بقوله منذ سنوات ‘’إن إجراء إصلاح في الجيش الإسرائيلي يستدعي وجود رئيس حكومة يتمتع بحكمة وثقل في آن واحد’’. كان هذا في ,1970 ‘’ولكن جميع رؤساء الحكومات الذين تعاقبوا منذ ذلك الوقت افتقدوا الجمع بين هاتين الصفتين معا وفي آن واحد، ‘’إن إجراء الإصلاح العسكري يتطلب وجود رجل حكيم ومنظر عسكري ومفكر. التاريخ لم يعرف إلا قلة من هذا النوع.. بن غوروين أدرك المشكلة لكنه لم يكن مؤهلا لإجراء الإصلاح اللازم في الجيش[7]’’.‏

ومثل هذا التحليل لا يعني التقليل من قدرات العدو العسكرية، ولكنه يستدعي اهتماما أكبر وأعمق بما يدور في داخله لمعرفة حقيقة قدراته العسكرية التي كشفت عوراتها قوات حزب الله التي خاضت حربا، أصبح الإسرائيليون أنفسهم يعتبرونها فشلهم العسكري الوحيد. وليست هذه هي الحقيقة، فقد خسروا بدرجة أو أخرى جميع الحروب التي خاضوها بعد عدوان ,.1967 وأصبحوا اليوم في خوف من خوض حروب جديدة. والخوف يدفع أحيانا إلى المغامرة.‏

الهوامش:‏

[1] عوفر شيلح، في الطريق إلى الإخفاق القادم. صحيفة ‘’معاريف’’، 12 يوليو/ تموز .2007‏

[2] بن كاسبيت، هل انتصرنا إذاً؟ المصدر السابق نفسه.‏

[3] صحيفة ‘’يديعوت أحرونوت’’، 12 يوليو/ تموز .2007‏

[4] صحيفة ‘’هآرتس’’، 13 يوليو/تموز .2007‏

[5] صحيفة ‘’معاريف’’، 13 يوليو/تموز .2007‏

[6] عن الموقع الالكتروني ‘’المشهد الإسرائيلي’’، 12 يوليو/تموز .2007‏

[7] يائير كوتلير: الزرزور والغراب، ترجمة سعيد عياش. المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية، رام الله، .2002 صــ 128‏

(*) كاتب وصحافي مصري‏

المصدر: صحيفة الوقت البحرينية‏

2007-08-01