ارشيف من : 2005-2008
تقرير دبلوماسي يملي إطالة "الفراغ القضائي" لتجنّب الإحراج وجميل السيّد يحضّر دعاوى ضدّ المتسبّبين بتوقيفه
للحؤول دون تخلية سبيل الضبّاط الأربعة اللواءين جميل السيّد وعلي الحاج والعميدين مصطفى حمدان وريمون عازار وبقيّة الموقوفين، على الرغم من تأكيدات رئيس لجنة التحقيق الدولية القاضي البلجيكي سيرج برامرتز في أكثر من كتاب رسمي ممهور بتوقيعه، بأنّه سلّم القضاء اللبناني كلّ المعلومات المتعلّقة بالضبّاط والتحقيق، وبأنّ القضاء البناني هو المسؤول عن البتّ بطلبات تخلية السبيل.
وحصلت «السفير» على معلومات جديدة بهذا الخصوص، مصدرها تقرير مرسل من مندوب لبنان الدائم في الأمم المتحدة الدكتور نوّاف سلام إلى وزارة الخارجية يحمل الرقم 0961/5 وأودع سجّل المحفوظات تحت الرقم 5-8-11-,1 يضمّنه المداولات السرّية لمجلس الأمن مع برامرتز في جلسة 19 تموز ,2007 وأبرزها أنّ برامرتز يؤكّد لأعضاء مجلس الأمن بأنّ لجنة التحقيق الدولية لا تحتفظ بأيّ معلومة أو معطى يتعلّق بجريمة الاغتيال لم تزوّد السلطات القضائية اللبنانية به.
وعندما سأل ممثّل المجموعة العربية المندوب القطري، القاضي البلجيكي عن مصير الضبّاط الأربعة أجاب بكلّ وضوح، بأنّ التوقيف هو من مسؤولية السلطات اللبنانية وحدها، خصوصاً بعدما زوّدها بكامل المعطيات الموجودة بحوزته. ورجّح برامرتز في الجلسة السرّية المذكورة، استمرار قيام اللجنة الدولية بتحقيقاتها إلى ما بعد إنشاء المحكمة ذات الطابع الدولي.
وإذا ما جرى ربط هذا القول بتصريح مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون القانونية نيكولا ميشال في شهر نيسان 2007 من أنّ تشكيل المحكمة ذات الطابع الدولي يلزمه سنة، فهذا يعني، بحسب أحد المراقبين، أنّ الفترة المقدّرة لاستمرار التحقيق هي حتماً لغاية نهاية عام ,2008 علماً أنّ ميشال كان قد أكّد بأنّه لا علاقة لتشكيل المحكمة ببدء عملها، لأنّ بدء العمل لا يكون إلاّ بعد انتهاء التحقيق.
ويضيف المراقب المذكور أنّ هذه البرقية أثبتت خطأ النظرية السياسية للحكومة اللبنانية، والقائلة بأنّ إبقاء الضبّاط الأربعة موقوفين يعجّل في تشكيل المحكمة وانطلاق عملها، معرباً عن اعتقاده بأنّ تقرير السفير سلام هو الذي أملى إطالة «الفراغ القضائي» إلى أقصى فترة ممكنة، وذلك تجنّباً للإحراج تجاه الأمم المتحدة.
ردّ رياشي
ما هو المقصود بـ« الفراغ القضائي»؟ وما هي ملابسات طلب ردّ رئيس الغرفة السادسة لمحكمة التمييز الجزائية القاضي رالف رياشي والذي قدّمه وكيل الدفاع عن اللواء جميل السيّد المحامي أكرم عازوري ثم ما لبث أن تراجع عنه؟.
تقول مصادر متابعة إنّ طلب ردّ رياشي ثمّ الرجوع عنه يأتيان ضمن موقف قضائي واحد وليس متناقضاً. فقد سبق لجهة الدفاع عن السيّد أنْ أعلنت ومنذ 28 حزيران 2007 بأنّ طلب ردّ المحقّق العدلي القاضي الياس عيد المقدّم من المطالبين بالتعويض الشخصي من ورثة المغدورين الذين قضوا في عملية الاغتيال، ليس موجّهاً ضدّ اللواء السيّد بل هو موجّه ضدّ القاضي برامرتز بهدف خلق «فراغ قضائي» يوقف مسلسل
«الإحراج المزمن» تجاه الأمم المتحدة بعد الاجتماع الشهير الذي عقد في 8 أيّار 2007 بين برامرتز والقاضي عيد والنائب العام التمييزي القاضي سعيد ميرزا وأبلغهما خلاله شفهياً ما عاد وشدّد عليه في تقريره السادس المرفوع للأمم المتحدة يوم الخميس في 12 تموز 2007 من أنّ لجنة التحقيق الدولية لا تخفي على القضاء اللبناني أيّ عنصر يتعلّق بالتحقيق.
وإزاء هذا الإعلان الصريح والشفّاف، لم يعد ممكناً للقضاء المذكور تبرير استمرار توقيف الضبّاط بغير «الفراغ القضائي»، وصار بالإمكان القول لبرامرتز بأنّ إشكاليات قضائية لبنانية تحول دون صلاحية أيّ قاض حالياً للبتّ بطلبات إخلاء السبيل!.
وقد استبق الادعاء الشخصي، بتّ الغرفة العاشرة لمحكمة الاستئناف في بيروت برئاسة القاضي سامي منصور وعضوية المستشارين كارلا قسيس وميرنا بيضا، في طلب ردّ القاضي عيد، وقدّم طلباً ثانياً أمام محكمة التمييز التي يرأسها القاضي رالف رياشي لنقل الدعوى من يد القاضي عيد إلى قاض آخر.
وقد أيقنت جهة الدفاع عن اللواء السيّد أنّ مخطّط «الفراغ القضائي» لا يزال مستمرّاً، فإذا ما أخفقت المحاولة أمام محكمة الاستئناف المذكورة تكون دعوى «الارتياب المشروع» أمام رياشي جاهزة للتأخير قدر المستطاع في إعادة الملفّ إلى كنف عيد، وربّما تنجح في مسعاها وتحقيق غايتها في حصول «الفراغ القضائي» فيما لو قرّرت محكمة الاستئناف عدم الاستجابة لطلب الردّ.
ولذلك قرّرت جهة الدفاع عن اللواء السيّد التصدّي لهذا المخطّط عن طريق الحيلولة دون صدور قرار استباقي لقرار محكمة الاستئناف، بإعداد كتاب طلبت بموجبه ردّ القاضي رياشي، ولكنّ هذا الطلب لم يكن موجّهاً ضدّ رياشي شخصياً بل كان احتياطاً، موجّهاً ضدّ «الفراغ القضائي» المصطنع سياسياً.
كيف يترجم هذا القول قانونياً؟
بحسب أحد القانونيين، فإنّ المادة 340 من قانون أصول المحاكمات الجزائية تسمح لمحكمة التمييز باتخاذ قرار موقّت قبل البتّ بطلب نقل الدعوى إلى قاض ثان، يرمي إلى كفّ يد القاضي عيد، كما تجيز باتخاذ هذا القرار قبل تبليغ فرقاء الدعوى.
واستندت جهة الدفاع عن السيّد في طلب ردّ رياشي، إلى ما ورد في طلب ردّ القاضي عيد المقدّم من المحامي محمّد مطر، من فقرات تحوي إطراءً للقاضي رياشي لا علاقة لها بطلب ردّ عيد، وما قاله وزير العدل شارل رزق ثلاث مرّات عن نزع صلاحية إخلاء السبيل من القاضي عيد.
وفي اليوم ذاته الذي سعت فيه جهة الدفاع إلى تقديم طلب ردّ رياشي وتسجيله بعد محاولات عرقلة مقصودة من قلم محكمة التمييز، اتضح لها بأنّ محكمة التمييز برئاسة رياشي أخذت قراراً بكفّ يد عيد موقّتاً ولم يعد بالتالي من فائدة ترتجى من طلب ردّ رياشي لأنّ الفراغ وقع وحصل، ولأنّ الاستمرار في طلب الردّ يفيد جهة الادعاء التي تريد بقاء «الفراغ القضائي»، فقرّرت جهة الدفاع التراجع عن طلب الردّ لئلاّ يؤدّي نتيجة معكوسة تريح «الفراغ القضائي» بدلاً من إقصائه وإبعاده ومنع قيامه.
دعاوى جديدة
وسألت «السفير» المحامي أكرم عازوري عن مآل التحقيق والخطوات المقبلة، فأجاب بأنّ مهامه انتهت عملانياً نظراً لتبرئة لجنة التحقيق الدولية اللواء الركن جميل السيّد، ولوجود «الفراغ القضائي»، فالتوقيف مستمرّ بقوة «الفراغ القضائي» ما يعني بأنّ السيّد هو تقنياً خارج السجن.
وكشف عازوري أنّ مهام الدفاع سوف تنحصر في المرحلة اللاحقة بمحاسبة الأشخاص الذين تسبّبوا بتوقيف اللواء السيّد وإجراء الملاحقات القضائية في لبنان والخارج، وطبعاً مع طلب التعويضات المادية.
المصدر: صحيفة "السفير"
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018