ارشيف من : 2005-2008

هل تشهد المنطقة عدواناً إسرائيلياً أميركياً جديداً؟

هل تشهد المنطقة عدواناً إسرائيلياً أميركياً جديداً؟

ذلك قد يؤدي إلى نشوب الحرب التي كنا سنشهدها لو أن سوريا أقدمت على رد فعل مباشر متناسب مع حجم العدوان ودلالاته، تشكل مؤشرات مباشرة على نوايا "إسرائيل" العدوانية تجاه سوريا والمنطقة.‏

ولكن التقدير بأن المنطقة قد تكون على أبواب مرحلة جديدة من العدوان الإسرائيلي يعززه السياق السياسي الذي شهدته المنطقة منذ احتلال العراق عام 2003 وما تبعه من تطورات سياسية في لبنان وسوريا وصولا إلى عدوان تموز 2006 والنتائج التي آل إليها.‏

في نظرة إلى الوراء يلاحظ أن الإدارة الأميركية أعلنت في مناسبات عدة وعلى لسان اكثر من مسؤول رسمي، أن من الأهداف الرئيسية الإقليمية لاحتلال العراق، إسقاط موقع الممانعة التي تمثله سوريا وإنهاء خيار المقاومة في لبنان وفلسطين... لكن الذي حصل أن سوريا صمدت ورفضت الخضوع للإرادة الأميركية برغم الضغوطات الهائلة وغير المسبوقة، وواصلت المقاومة في لبنان وفلسطين مسيرتها.‏

ولا يخفى أن ما ساعد على تجاوز هذا الخطر الاستراتيجي الذي انطلق من العراق هو الفشل السياسي السريع والمدوي للأميركي على الساحة العراقية، إضافة إلى غرقه في المستنقع العراقي حتى تحول احتلاله إلى مصدر استنزاف دموي ومالي وسياسي. وأصبح انقاذ الجيش الأميركي من هذا المستنقع أولوية قصوى فرضت نفسها على الاجندة السياسية الأميركية، وتشكل المحور الرئيسي في التجاذب السياسي الداخلي الأميركي.‏

كل هذه العوامل ادت إلى الحؤول دون تحقق التداعيات التي كان يترقبها ويراهن عليها الإسرائيلي والاميركي على الساحتين السورية واللبنانية.‏

لكن لم يطل الأمر طويلا حتى لجأ الأميركي، وغيره، إلى محاولة تحقيق الأهداف نفسها المرتبطة بسوريا ولبنان، إلى البوابة اللبنانية. ومارست كل من الولايات المتحدة وفرنسا ضغوطا على سوريا من اجل إخراج الجيش السوري من لبنان بهدف نزع الغطاء الإقليمي عن المقاومة في لبنان لاحتوائها تمهيدا لانتزاع سلاحها. وانطلق في أعقاب الخروج السوري من لبنان حراك سياسي داخلي متسارع، الا ان هذا المسار السياسي سرعان ما فشل في تحقيق هدفه الاستراتيجي المتمثل بنزع سلاح حزب الله أو على الاقل احتوائه، ما وضع الأميركي من جديد أمام المعضلة نفسها.‏

بعد فشل الرهانات والخيارات السابقة كان من الطبيعي ان تلجأ الإدارة الأميركية إلى خيار استخدام ورقتها الاستراتيجية العسكرية في المنطقة، إسرائيل. وهو ما يشكل امتدادا امنيا للدور الإسرائيلي التاريخي الذي ادته وتؤديه منذ قيامها في العام 1948، في سياق تنفيذ المخططات الأميركية، وقبلها البريطانية. وخاصة ان نزع سلاح المقاومة هو هدف إسرائيلي أولا كونه يشكل عقبة وسدا امام أي محاولة إسرائيلية لفرض هيمنتها على لبنان ولما يمثله من خطر على الأمن القومي الإسرائيلي.‏

وهكذا تهيأت الأرضية السياسية الدولية والاقليمية والمحلية للعدوان الإسرائيلي... لينشب في اعقاب ذلك عدوان تموز، الذي كانت أهدافه المحلية والإقليمية مرتبطة مباشرة بالترتيب الأميركي للمنطقة، كما عبرت عنه وزيرة الخارجية كونداليزا رايس التي اعتبرت ان نجاح إسرائيل في عدوانها يشكل مدخلا لتنفيذ مخطط الشرق الاوسط الجديد.‏

ولكن فشل العدوان الإسرائيلي في تحقيق أهدافه الاستراتيجية وضع الأميركي من جديد أمام الأسئلة نفسها حول كيفية الدفع باتجاه تحقيق الأهداف المرتبطة بتطويع سوريا وإسقاط المقاومة في لبنان.‏

في هذا السياق يطرح أمامنا، من الناحية النظرية، ثلاثة خيارات لما سيكون عليه الوضع الإقليمي:‏

إبقاء الوضع الراهن على ما هو عليه، التوصل إلى تسوية سياسية، أو الضغط العسكري وصولا إلى شن الحرب.‏

إن توالي التطورات منذ احتلال العراق مرورا بالضغوطات التي مورست لاخراج القوات السورية ومحاولة ترتيب البيت اللبناني وفق التصور الأميركي، وصولا إلى العدوان الإسرائيلي، يعكس ويؤكد ان الأميركي ليس بوارد الإبقاء على الوضع الحالي، وخاصة ان استمراره يضر بالمصالح الأميركية وبالأمن القومي الإسرائيلي. وما يفاقم من مخاطر هذا الوضع ويجعل من تغييره أولوية أميركية ملحة هو التطورات الإقليمية المرتبطة بإيران والعراق وما يمكن ان ينتج عن ذلك من تعزيز موقف وقوة سوريا والمقاومة في لبنان وفلسطين.‏

خيار التسوية:‏

من الطبيعي أن يكون من ضمن الخيارات النظرية هو محاولة اجتذاب سوريا عبر التسوية السياسية لتغيير وجهة نظامها ومواقفه من حركات المقاومة وخاصة حزب الله. إلا أن اليأس الأميركي والإسرائيلي في تحقيق هذا الهدف عبر هذا المدخل، وفي ظل الثبات السوري على مواقفه الداعمة للمقاومة يجعل أي محاولة لفرض أي صيغة تسووية تحقق الاهداف المشار إليها ينبغي أن تمر أولا عبر كسر الموقف السوري واضعاف نظامه.‏

وهكذا لا يبقى أمام الأميركي سوى اعتماد مسار من الضغوط المتصاعدة وصولا إلى الخيارات العسكرية التي قد تتوج بشن حرب غير مضمونة النتائج. ونحن لا نتحدث عن مسار بعيد المدى بل إن التطورات الإقليمية وتدافع الأحداث السابقة يؤكد أننا نعيش في قلب هذه المرحلة خاصة بعد التوالي السريع في الانتقال من خيار إلى خيار (بعد احتلال العراق في 2003، ثم اصدار القرار 1559 اواخر 2004 واخراج الجيش السوري في نيسان 2005، ومن ثم العدوان الإسرائيلي في تموز 2006).‏

لذلك يمكن القول ان الخطورة التي تنطوي عليها الحشود الإسرائيلية فضلا عن الدلالات الكامنة في الغارة الإسرائيلية تنبع من كونها تأتي ضمن هذا السياق السياسي وفي ظل رهانات وخيارات إسرائيلية استراتيجية تهدف إلى تحقيق ما عجزت عنه منذ احتلال العراق ومرورا بإخراج القوات السورية من لبنان، وصولا إلى العدوان الإسرائيلي في تموز العام الماضي.‏

ولكن ما ينبغي التأكيد عليه ان أي هزيمة إسرائيلية في أي عدوان تشنه على لبنان وسوريا سيكون لها اثارها الوجودية على الكيان الإسرائيلي، وينبغي الالتفات إلى ان إسرائيل فشلت وهزمت أمام حزب الله لوحده، فكيف لو كانت المعركة أوسع واشمل لتشمل سوريا ولبنان، وخاصة أن أي طرف من الأطراف لا يضمن إلى أي مدى ستتسع دائرة المواجهة، وهل تشمل ايران والولايات المتحدة.‏

ويبقى السؤال الأخير حول إن كانت الأخطار الميدانية الكامنة في أي عدوان جديد مفترض تشكل عامل كبح للامتناع عنه واللجوء إلى خيارات اقل شدة وخطورة منه.‏

الانتقاد/ العدد 1236 ـ 12 تشرين الاول/ اكتوبر 2007‏

2007-10-12