ارشيف من : 2005-2008
"الجمعة" و"الفطر" و"الأضحى" و"الغدير": البعد الديني لأعياد المسلمين
يعود كل سنة بفرح مجدَّد.
من هذا التعريف يتضح أن يوم العيد يرتبط بحادثة مهمة يكون وقعها مفرحاً، بحسب الغالب من المناسبات، فيترسخ تاريخها الزماني في قلوب الناس، ويعيدون الابتهاج بها كلما عادت ذكراها في اليوم الذي يصادف اليوم نفسه الذي جرت فيه من أيام السنة، سواء تكررت المناسبة ذاتها في كل سنة، كالصيام مثلاً، أو حلت ذكراها فحسب، كالأعياد المخصصة لذكرى استقلال بلد أو تحريره من المحتل، وما سوى ذلك.
العيد في القرآن الكريم
مر ذكر العيد في آية واحدة من القرآن الكريم، وهي الآية الرابعة عشرة بعد المئة من سورة المائدة، وهي عرضت دعاء النبي عيسى(ع) الى الله تعالى بعد أن طلب الحواريون منه أن يدعو الله لينزل عليهم مائدة من السماء، ليأكلوا منها وتطمئن قلوبهم ويعلموا أنه قد صدقهم ويكونوا عليها من الشاهدين، حينها أجابهم نبي الله عيسى(ع) الى طلبهم، وحوَّل أثناء طلبه من ربه عز وجل هذه المناسبة العظيمة التي ستظهر له فيها معجزة كبيرة الى يوم عيد، فقال(ع): "اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيداً لأولنا وآخرنا وآية منك وارزقنا وأنت خير الرازقين"، فاستجاب الله عز وجل دعاءه وأنزل عليهم المائدة، وصار يوم إنزالها عيداً يُحتفل به.
البعد الديني لأعياد المسلمين
إذاً يرتبط يوم العيد بمناسبة مهمة قد تكون دينية، أو اجتماعية أو سياسية، وما الى ذلك، وتكون هذه المناسبة لأهميتها جديرة بإطلاق تسمية العيد عليها، ويلاحظ أن أعياد المسلمين الأربعة ـ كما هو منصوص عليه وفق السنة الشريفة ـ وهي: "الجمعة" و"الفطر" و"الأضحى" و"الغدير"، جميعها ترتبط ببعد ديني له أهميته في حياة المسلمين، ما جعل منها أيام عيد لهم.
عيد يوم الجمعة
يتكرر عيد يوم الجمعة المبارك مرة في كل أسبوع، وهو يوم اختصه الله تعالى بالفضل الكبير على سائر الأيام، ودعا في محكم كتابه الى المبادرة للصلاة فيه، وترك حوائج الدنيا أثناء وقتها، فقال تعالى في سورة الجمعة: "يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا الى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون"، وقد ذكرت السنة الشريفة الكثير من الأحاديث في فضل يوم الجمعة وليلته، ومنها: عن النبي الأكرم محمد(ص) قال: إن ليلة الجمعة ونهارها أربع وعشرون ساعة، لله عز وجل في كل ساعة ستمئة ألف عتيق من النار، وعنه(ص) أيضاً قال: إن يوم الجمعة سيد الأيام، يضاعف الله عز وجل فيه الحسنات ويمحو فيه السيئات ويرفع فيه الدرجات ويستجيب فيه الدعوات ويكشف فيه الكربات ويقضي فيه الحوائج العظام. أما مِسْكُ يوم الجمعة فبما جاء في الحديث عن الإمام علي(ع) قال: إن الله اختار الجمعة فجعل يومها عيداً.
عيد الفطر
يرتبط عيد الفطر دينياً بانتهاء صوم أيام شهر رمضان المبارك، التي هي أيام الإنابة الى الله تعالى، بالتوبة عن فعل المعاصي، والإقبال على فعل الطاعات، مع أداء فريضة الصوم بكامل شروطها، التي هي كفٌّ عن الفعل في حدِّها الواجب، وامتناع عن تلبية الحاجات الغرائزية امتثالاً لأمر المولى تعالى، ليتحقق بالأمرين معاً (اجتناب المعاصي وفعل الطاعات) خروج المؤمن من ذنوبه بخروجه من الشهر الفضيل الذي تكون خاتمته ولادة فطرية جديدة لكل مؤمن أدى صيام الشهر بشروطه، وليكون اليوم التالي يوم عيد له لتحقق عودته الى فطرته التي فطره الله عليها فيه، وفي هذا السياق تُفهم مسألة تسمية الزكاة الواجبة التي يدفعها المكلف صبيحة يوم العيد عن نفسه وعمن يعول بـ"زكاة الفطرة".
عيد الأضحى
يرتبط عيد الأضحى دينياً بأداء مناسك الحج، العبادة الواجبة على كل مكلف مستطيع مرة واحدة في حياته، ويقع هذا العيد في اليوم العاشر من شهر ذي الحجة خلال أعمال الحج، التي يتخللها ذبح الأضاحي في هذا اليوم المبارك، الذي جعله المولى تعالى للمسلمين عيداً، بعد أن وفدوا الى بيته الحرام الذي جعله بيتاً آمناً للناس، وأدوا فيه مناسك الحج، التي تكون نتيجتها تطهيراً لهم من ذنوبهم، وتوبة من الله تعالى عليهم.
عيد الغدير
العيد الرابع المنصوص عنه في السنة الشريفة هو عيد الغدير، وجاء في تعريفه أنه عيد الله الأكبر وعيد آل محمد(ع)، وهو أعظم الأعياد ما بعث الله نبياً إلا وهو يعيِّد هذا اليوم ويحفظ حرمته، واسمه في السماء يوم العهد المعهود، واسمه في الأرض يوم الميثاق المأخوذ والجمع المشهود، وفيه نصَّب أنبياء الله سليمان وموسى وعيسى (عليهم السلام) أوصياءهم: آصف بن برخيا، ويوشع بن نون، وشمعون الصفا.
وفي هذا اليوم تم إكمال الدين وإتمام النعمة على المسلمين بالولاية، وذلك كما جاء في الآية الكريمة: "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً".
روي أنه سئل الصادق(ع) هل للمسلمين عيد غير يوم الجمعة والأضحى والفطر؟ قال: نعم، أعظمها حرمة. قال الراوي: وأي عيد هو؟ قال: اليوم الذي نصَّب فيه رسول الله(ص) أمير المؤمنين(ع) وقال من كنت مولاه فعلي مولاه، وهو يوم الثامن عشر من ذي الحجة. قال الراوي: وما ينبغي لنا أن نفعل في هذا اليوم؟ قال: الصيام والعبادة والذكر لمحمد وآل محمد عليهم السلام، والصلاة عليهم، وأوصى رسول الله(ص) أمير المؤمنين(ع) أن يتخذ ذلك اليوم عيداً، وكذلك كانت الأنبياء تفعل، كانوا يوصون أوصياءهم بذلك فيتخذونه عيداً.
وجاء عن الإمام الرضا(ع) في آخر حديث حول فضل يوم الغدير قال: "والله لو عرف الناس فضل هذا اليوم بحقيقته لصافحتهم الملائكة في كل يوم عشر مرات".
إن أعياد المسلمين الأربعة التي يرتبط أمر جعلها أعياداً بأبعاد دينية، قوامها طاعة الله تعالى والابتعاد عن معاصيه، هي أيام مباركة شاء رب العالمين أن تكون أيام فرح وسرور للمسلمين، كلما عادت عليهم على مدى الأزمان، وقد أضاف الحديث المروي عن الإمام علي(ع) الى هذه الأعياد يوماً آخر يمكن أن يكون عيداً لكل مسلم ومسلمة فقال: إن العيد هو عيد لمن قبل الله صيامه وشكر قيامه، وكل يوم لا يعصى الله فيه فهو عيد.
عدنان حمّود
الانتقاد/ العدد 1236 ـ 12 تشرين الاول/ اكتوبر 2007
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018