ارشيف من : 2005-2008

في يوم القدس العالمي : القدس حزينة ومغلقة... وحراب الغرباء تسيجها من كل جانب

في يوم القدس العالمي : القدس حزينة ومغلقة... وحراب الغرباء تسيجها من كل جانب

المسجد الأقصى المبارك في الأيام العشرة الأخيرة من شهر رمضان.‏

وكما كل عام أيضا، لن يجد عصام مع مجموع أصدقائه، وآلاف الفلسطينيين ... طريقا مفتوحا أو جنديا يبتسم في إشارة السماح لهم بالدخول إلى المدينة المقدسة. ومن بيت ريما إلى رام الله، لا تزيد المسافة عن 20 كيلومترا أو اقل قليلا، ولكن عصام وأصدقاءه استغرقوا تسع ساعات، وفيها قطعوا خمسة كيلومترات مشيا على الأقدام في سبيل الوصول إلى المدينة المقدسة.‏

يروي عصام: "قررنا المسير إلى القدس منذ الساعة الثانية عشرة ظهرا، وكنا نعرف أننا لن نمر عبر الحواجز لأن الجنود لن يسمحوا لنا بذلك"، وبناء عليه قرر الشبان سلوك طرق جبلية بمساعدة سيارات خاصة في المرحلة الأولى من الطريق.‏

ويضيف عصام: "عندما وصلنا إلى بلدة بير نبالا شمال غرب القدس، كان العائق الأكبر اجتياز الجدار الذي يرتفع أكثر من 10 أمتار ويفصل البلدة عن حدود المدينة المقدسة".‏

وقرر الشبان بعد التقائهم بمجموعة أخرى من الأهالي، استخدام سلم حديدي لتسلق الجدار، حيث يروي عصام: "بدأنا بالتسلق واحدا تلو الآخر وبسرعة قصوى كي لا يلاحظنا الجنود المتمركزون على مسافة قريبة، ما أدى إلى سقوط أحد الشبان وكسر يده، ولاحقا اكتشف الجنود محاولة تسلق الجدار وبدأوا بملاحقة من تأخر من المجموعة واعتقلوا عددا من الشبان".‏

في هذه الأثناء، كان عصام ومن تبقى من الشبان قد تجاوزوا مسرعين منطقة الجدار باتجاه الأراضي الوعرة القريبة من القدس، ولكن كان أمامهم مسافة لا تقل عن خمسة كيلومترات مشيا كي يصلوا إلى أحد الشوارع الآمنة ويتمكنوا من ركوب سيارة عربية توصلهم إلى الحرم القدسي. وعند موعد صلاة التراويح تماما، تمكن الشبان من الوصول إلى الأقصى، حيث حطوا رحالهم في حالة من الإعياء والتعب الشديدين.‏

المشهد الأكثر مأساوية‏

صورة عصام وأصدقائه وآلاف المصلين الفلسطينيين الذين تعلقوا على جدران القدس في محاولة لنيل شرف الصلاة فيه، أو لسد عطش الشوق إلى المسجد الأقصى، كان المشهد الأكثر مأساوية في شهر رمضان بالنسبة للفلسطينيين، برغم هموم فقرهم وفقدان أبنائهم في السجن أو بالشهادة.. ومنذ بداية شهر رمضان المبارك، فرضت سلطات الاحتلال الإسرائيلي طوقا شاملا على المدينة، وأعلنت منع "من لا يحمل تصاريح خاصة" من الدخول للصلاة، في صورة تنم عن مسلسل انتهاك الحريات الدينية وأداء العبادات التي تنتهجها إسرائيل دوما.‏

وفي معظم أيام الجمعة الأربعة التي تخللت شهر رمضان، توجه عشرات آلاف الفلسطينيين من مناطق مختلفة في الضفة الغربية في سباق للوصول إلى المسجد الأقصى، لكن الحواجز العسكرية والآلاف من أفراد الشرطة الإسرائيلية أعاقوا وصولهم، وكان أن صلى الآلاف على الحواجز بدعوى احتفال اليهود "بعيد المظلة" تارة و"بعيد الغفران" تارة أخرى..‏

وبرغم إحكام الطوق على القدس، تمكن الكثير من الوصول إلى المسجد الأقصى، حتى فاضت ساحاته بأكثر من 130 ألف مصلٍ في الجمعة الرابعة من شهر رمضان، وابتهل الجميع أن يخلصهم الله تعالى من حراب الغرباء التي تسيج القدس.‏

مدينة حزينة فارغة‏

وعن حال المدينة في ظل الإغلاقات المتكررة وشبه الدائمة، يقول الدكتور سامر الأعور، وهو طبيب مقيم في مدينة القدس، إن المدينة تنتعش بأهلها ومحبيها وزوارها من مختلف المناطق خلال شهر رمضان، لكن بعد انقضاء الشهر يتحول الأقصى ومدينة القدس إلى مجرد شوارع فارغة وتاريخ حزين. ويضيف الدكتور سامر الذي حدثنا بينما كان يعتكف في المسجد الأقصى: "حتى صلاة الفجر في الأيام العادية لا يتجاوز مصلوها مجرد صفوف معدودة من الرجال".‏

ويتعرض الأعور إلى حال القدس في ظل حالة من التخاذل العربي والإسلامي، مبينا أن إسرائيل شغلت الناس بلقمة عيشهم، وحتى من يعمل من المقدسيين ولديه وظيفة وحياة مادية مستقرة تجبره سلطات الاحتلال على دفع مبالغ طائلة للضرائب، بعضها يذهب لما يسمى التأمين الوطني وبعضها للتأمين الصحي والآخر ضريبة سكن، وكل ذلك بحجة توفير خدمات بنية تحتية للقدس، وطبعا هذه البنية تتم في المناطق اليهودية ولا يسمع الفلسطينيون عنها سوى اسمها، عدا عن مخالفات البناء الباهظة أو هدم البيوت دون إخطارات.‏

ويتطرق الدكتور الأعور إلى حال أسواق المدينة المقدسة وما يعانيه تجارها من ابتزاز من قبل سلطات الاحتلال، حيث يوضح أن سوق البلدة القديمة بات يعاني من حصار وتضييق مخيف، وبرغم الأعداد القليلة من المتسوقين الذين يأتون من مناطق الداخل الفلسطيني، لاضطر معظم التجار إلى إغلاق مصالحهم بسبب ارتفاع "ضريبة الأرنونا" التجارية المفروضة عليهم.‏

وفي محاولة لاستكمال إجراءات تهويد البلدة القديمة كاملة، تلجأ سلطات الاحتلال وعبر سماسرة العقارات إلى ابتزاز أصحاب المحلات التي يتم اغلاقها من أجل إقناعهم ببيعها لقاء مبالغ ضخمة، أو يبدأون بالضغط عليهم وتضييق سبل عيشهم بشتى الطرق في حال صمودهم ورفض خيار بيعها.‏

ويشدد الأعور على أن المئات من العائلات الفقيرة بحاجة لدعم مادي لم تكن في غير رمضان لتجد قوت يومها، بسبب رفضها مغادرة بيوتها في البلدة القديمة، وتكبدها عناء الرباط الذي كلفها حرمانها من كافة الحقوق في العمل والعيش الكريم.‏

ويؤكد الدكتور الأعور أن الناس في القدس بحاجة لدعم فعلي يتجاوز الخطابات الرنانة والمسيرات والمهرجانات، وذلك من خلال إقامة مؤسسات تهتم بالشباب المقدسي وتساعده في إشغال وقته بما هو مفيد، إلى جانب إنشاء مؤسسات لتثقيف الناس وتعبئتهم بالانتماء للقدس وتعزز صمودهم فيها.‏

ويضيف الأعور بحسرة وألم: "نريد من الشعوب العربية، وليس الحكام، أن تتقي الله في بيت المقدس، وأن يدعمونا بشتى السبل، وإن كان بالدعاء لنا".‏

ضربونا وبهدلونا.. لكن جينا‏

وغير بعيد عن الدكتور سامر الأعور، جلس الحاج ابراهيم خالد (53 عاما) من مدينة من الخليل، يتكئ على أحد جدران الأقصى بينما ظهرت الكدمات على جسده، بعد أن قضى رحلة تكللت بالضرب والإهانة من جنود الاحتلال في طريقه إلى القدس.‏

يقول الحاج ابراهيم: "مئات الجنود حاولوا منعنا من الوصول إلى القدس، لكننا صممنا على القدوم برغم تعرضنا للضرب والإهانة، وحطموا سياراتنا وصبرنا حتى قطعنا العديد من الحواجز".‏

ويعلق الحاج ابراهيم: "ما يحدث للمصلين الفلسطينيين على أبواب القدس إهانة لكل العالم العربي والإسلامي، وبرغم ذلك لا يتحرك أحد".‏

وبرغم التقارير الدورية التي تنشرها العديد من المؤسسات الفلسطينية عن تدهور أوضاع المقدسيين والوجود الفلسطيني في القدس، إلا أن التقرير الذي نشره الائتلاف الأهلي للدفاع عن حقوق الفلسطينيين في القدس ضم "حقائق مفزعة" حول ما يتعرض له الأهالي من إجراءات احتلالية، أدت إلى تدهور أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية بالدرجة الأولى.‏

وحسب التقرير فقد بلغت نسبة الفقر بين 254 ألف فلسطيني هم ما تبقى من سكان القدس الأصليين، بلغت أكثر من 50%، في حين ارتفعت نسبة البطالة إلى 40% في أوساط السكان.‏

علماً أن الاحتلال يجبر الفلسطينيين في القدس على دفع أكثر من 23% من الضرائب، برغم أن حجم إنفاق حكومة الاحتلال عليهم لا يتجاوز 5% بالمقارنة مع السكان اليهود.‏

وأدت هذه الإجراءات التي حرمت السكان من الحصول على احتياجاتهم الأساسية إلى هجرة أعداد كبيرة فاقت 80 ألف نسمة إلى خارج حدود المدينة، وخاصة بعد أن التهم الجدار 181 كيلومترا من أراضي المحافظة.‏

الانتقاد/ العدد 1236 ـ 12 تشرين الاول/ اكتوبر 2007‏

2007-10-12