ارشيف من : 2005-2008
يوزع المهام على الطرف الفلسطيني : المايسترو الأميركي يعيد ترتيب أولويات الصراع!
تكثفت اللقاءات بين المسؤولين الأميركيين والمسؤولين العرب، على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة على قرع طبول الحرب، وحملات التهويل المتصاعدة ضد إيران، والسياسة التصعيدية المتشددة مع الوضعين اللبناني تجاه "المعارضة"، والفلسطيني تجاه "حركة حماس"، لتصعيد التوتر في منطقة متخمة بالأزمات القابل كل منها للاشتعال، خصوصا في الرقعة الممتدة بين شرق البحر المتوسط والخليج. وكانت هذه اللقاءات فرصة سانحة للمسؤولين الأميركيين لتوظيف التوتر المتصاعد في المنطقة، الذي يتكون بفعل التصعيد الأميركي المستمر، من أجل إلحاق العرب (المعتدلين) بأجندة المرحلة القادمة، في مواجهة الخطر الإيراني المزعوم. وهذا يتطلب تحديد المهام والأهم في سلم أولويات الصراع في هذه المرحلة.
وضمن هذا السياق يأتي اجتماع وزيرة الخارجية الأميركية كونداليزا رايس مع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن، الذي كان محوره الخطر الإيراني على المنطقة وطريقة مواجهته، ما يشكل أولوية وعنواناً للمرحلة القادمة. وأكدت رايس لنظرائها أن بإمكانهم الاعتماد على "الدعم الأميركي القوي لهم في مواجهة هذا الخطر"، وقال مسؤول أميركي رفيع في وزارة الخارجية، إن رايس استمعت خلال لقائها بالوزراء العرب الثمانية إلى "مخاوف عميقة من محاولات إيران للسيطرة على المنطقة"، وأوضح أن جميع الوزراء أبلغوا رايس أنهم "لن يستسلموا للهيمنة الإيرانية"، وأكد "أنهم (الوزراء العرب) يلاحظون ذاك الضغط في العراق لكنهم يعربون عن القلق من النفوذ الإيراني في سوريا"، واعتبر أن كافة الذين تحدثوا في الاجتماع أعربوا عن ذلك القلق، ونددوا بتأثير طهران السلبي على لبنان والأراضي الفلسطينية.
وهكذا تتحول إيران إلى مصدر خطر رئيسي على المنطقة وثرواتها، لذلك يسعى العرب للحصول على دعم أميركي لاحتواء هذا الخطر، وهذا يؤكد التوافق على تحديد مصدر الخطر، وبالتالي الالتزام بسلم الأولويات الجديد، وما قاله سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي يصب في هذا الاتجاه، حيث أدان "التصريحات الخطيرة" التي أطلقتها إيران حول ملء الفراغ في العراق بعد انسحاب القوات الأميركية منه، وقال "أعتقد أن الإيرانيين يعرفون موقف جميع الدول العربية حيال تدخلهم في العراق أو لبنان، إنها مسألة لا تلقى استحسانا في العالم العربي، والدول العربية ستحمي مصالحها". ومن هنا يأتي الالتزام العربي المعتدل بالأجندة الأميركية الجديدة التي يتحدد فيها المهم والأهم في ترتيب أولويات الصراع، حيث تكون إيران الخطر الأهم على المنطقة واستقرارها، وتلقائيا تتحول "إسرائيل" إلى خطر مهم يتلاشى في القادم من تطورات.
واللقاءات التي عقدتها وزيرة خارجية الكيان الصهيوني تسيبي ليفني مع وزراء خارجية ومسؤولين في دول عربية، ومنها لقاءات سرية، كما ذكرت صحيفة "هآرتس"، تأتي في سياق التأكيد على الالتزام بالأولويات التي رتبتها الإدارة الأميركية.
وفي سياق هذا الالتزام تنطلق شجاعة الوزيرة "الإسرائيلية" للقول لمراسل صحيفة "هآرتس": "على الدول العربية الاندماج في عملية سياسية مع الفلسطينيين في إطار تطبيع تدريجي في العلاقات مع "إسرائيل". ولم يعترض سعود الفيصل من حيث المبدأ على "التطبيع"، لكنه ذكر بأن "الاعتراف" بـ"إسرائيل" محدد بالمبادرة العربية، وهي مسألة تأتي بعد تحقيق السلام ليس قبله، أي بكلام آخر أن "الاعتراف" يأتي بعد انتهاء المؤتمر الدولي المزمع عقده في واشنطن، والذي تتحول فيه المسألة الفلسطينية، من قضية عربية إسلامية، نشأت بفعل اغتصاب فلسطين عبر المجازر والتطهير العرقي، إلى موضوع نزاع تتم تسويته داخل المؤتمر، بعد التمهيد لهذه الصفقة عبر "الإعلان المشترك" الذي سينتهي منه الطرفان في وضع اللمسات الأخيرة لهذه "الصفقة" وتأمين الغطاء العربي لها من خلال مشاركة الوزراء العرب في المؤتمر.
وضمن هذا السياق يأتي لقاء الرئيس الأميركي بوش بعباس، حيث أشاد به "إني أقدر حقيقة إنك تكافح الإرهابيين الذين لا يشاركونك نفس الرؤية (في إشارة إلى حركة حماس)". لكن بعد المدح كان العتب على عباس بسبب الطريقة التي تعامل بها مع محمد الدحلان (رجل الإستخبارات الأميركية و"الإسرائيلية")، وأكد على ضرورة أن يجعل السلطة وحلفاءها لا يغفلون عما قدمه الرجل الوفي من أجل حماية السلطة ومشروع السلام الفلسطيني ـ "الإسرائيلي"، وأوضح المسؤول الفلسطيني (الذي نقل الحديث) أن بوش وعد عباس بأن "دحلان ورجاله يعيدون غزة إلى عهدته، ولن يتركوا حماس تفعل ما تريد هناك، وإنه (دحلان) سيفيق من صدمته ولن يرحم من تواطأ مع حماس لتنفيذ انقلابها في غزة".
إن خطورة هذا الكلام ليس فقط بالتدخل السافر بالشؤون الداخلية الفلسطينية، وتوزيع المهام داخل السلطة، بل انه مؤشر على ما ينتظر قطاع غزة بعد مؤتمر الخريف، وخاصة أن الدحلان كما كان دائما عند حسن ظن الأميركيين و"الإسرائيليين"، سيتفرغ للقطاع من خلال عمليات التخريب والاغتيالات، وتحريك الاضطرابات في مواجهة مفتوحة مع "حماس" ساحتها شوارع وأزقة غزة، ويدفع أهلها الثمن من جديد، تحت لافتة تحرير غزة من الإرهابيين والمتمردين، وإعادتها إلى حضن عباس، كما وعد بوش. وأما الساحات الأخرى، والمنطقة بشكل عام، فستشهد تصعيدا خطيرا، تغذيه الإدارة الأميركية عبر تحريك أدواتها، في مواجهة دول الممانعة وقوى المقاومة...
محمد دبورة
الانتقاد/ العدد1235 ـ 5 تشرين الاول / اكتوبر 2007
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018