ارشيف من : 2005-2008
الدرع الصاروخية، كوسوفو، إيران... : أميركا عاجزة!
تأخر الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، لمدة ساعتين، ولأسباب مرتبطة بسوء الأحوال الجوية، عن موعد اجتماعه بالمستشارة الألمانية، إنغيلا ميركل، الذي عاد وانعقد في فيسبادن، في جنوب غرب ألمانيا، للتداول في مسائل تراوحت بين الملف النووي الإيراني، والدرع الصاروخية الأميركية في أوروبا، والأزمة الناشبة حول كوسوفو، مروراً بمشكلات الشرق الأوسط وأفغانستان والعراق وحقوق الإنسان في روسيا وأزمة الطاقة والعلاقات الاقتصادية والتجارية بين روسيا وألمانيا.
مشكلات تسهم كلها، منذ التصريحات اللاهبة التي أدلى بها بوتين في مؤتمر ميونيخ، في شباط/ فبراير الماضي، في تأجيج ما وصف يومها بأنه عودة إلى الحرب الباردة بين روسيا والمعسكر الغربي. لذا لم يكن مستغرباً أن تعمد ميركل، تبعاً للعادة الغربية القديمة في التعامل مع روسيا من باب التركيز على حسن سير الأمور هنا وسوء سيرها هناك، إلى استخدام سلاح الدعابة لتسجيل هدف استباقي في مرمى بوتين عبر التعليق على تأخره بقولها بأن الثلج يتساقط في موسكو في حين أن السماء صافية في الغرب. لكن الرئيس بوتين الذي سبق له أن رد بقسوة، في أيار/ مايو الماضي، على تعليقات مشابهة صدرت عن المستشارة ميركل نفسها، بخصوص الديموقراطية في روسيا، فضّل فيما يبدو أن يرد هذه المرة بطريقة غير طريقة المشاحنات الكلامية. تلك الطريقة تمثلت ببساطة في التأكيد على ثبات الموقف الروسي تجاه كل من المشروع الأميركي لإقامة درع صاروخية في أوروبا، ومسألة استقلال كوسوفو، والملف النووي الإيراني.
فبالنسبة للدرع الصاروخية التي رفعت منسوب التوتر في ظل الإصرار الأميركي على إقامة شبكة للصواريخ الدفاعية والرادارات في بولندة وتشيكيا، والإصرار الروسي على الرد باللغة المناسبة، عبر تعليق العمل بمعاهدة حظر الأسلحة التقليدية في أوروبا، وإعادة تصويب الصواريخ الروسية نحو عدد من العواصم الغربية، يبدو أن صيغة المواجهة الجديدة المتبناة من قبل ألمانيا تتجه صوب استبدال "أميركية" المشروع بـ"أطلسيته"، ما يفترض أن يحقنه بمشروعية أوروبية أكبر، في وقت بدأت فيه بالظهور أكثر من علامة استياء اوروبي، رسمي وشعبي، تجاه وجود عسكري أميركي من شأنه أن يجعل من أوروبا الغربية مسرحاً للصدام بين روسيا والولايات المتحدة.
لكن الروس يدركون بأن المقترح الألماني، المنسجم مع الإحساس الأميركي المتعاظم بالوبال الذي تجره سياسات التفرد، ينطوي على التهويل أكثر مما يعبر عن إجماع أطلسي متماسك على درء الخطر الإيراني المزعوم الذي تتذرع به واشنطن في تسويق فكرة الدرع الصاروخية. وعليه، فإن الأزمة لا تزال على حالها في هذا المجال، وهذا يعني أنها تنفتح على تفسخات أكيدة في المواقف الأوروبية بين دعم الفكرة والرغبة في التملص من ربقة الضغوطات الأميركية.
وتأخذ الأزمة بعداً أكثر خطورة في ظل تصلب المواقف المحيطة بمشكلة كوسوفو. فالمعروف أن الأميركيين والأوروبيين يدعمون التوجه نحو استقلال كوسوفو عن صربيا التي تحظى بدعم مطلق من موسكو. لكن الأوروبيين الذين تجاوبوا مع الموقف الأميركي بخصوص تصفية التركة اليوغوسلافية، في ظل تقاعس روسيا يلتسين عن اتخاذ موقف منسجم مع مصالحها الاستراتيجية، يبدون تردداً هذه المرة، في ظل إصرار روسيا بوتين على عدم السماح بالمضي في اللعبة البلقانية إلى مداها الأقصى. ولعل ألمانيا التي ظلت تعبر، حتى النهاية، عن استنكافها بخصوص الاستعداء الأوروبي للصرب، هي أكثر البلدان الأوروبية استعداداً في الوقت الراهن للتغريد خارج السرب الأوروبي الأميركي، خصوصاً بعد مظاهر الفتور في العلاقات الفرنسية الألمانية، والهروع الفرنسي غير المسبوق، في ظل ساركوزي، نحو الارتماء في أحضان السياسة الأميركية.
لذا يمكن القول بأن تشديد أنغيلا ميركل في فيسبادن على ضرورة اتخاذ عقوبات جديدة بحق إيران قد يكون تعبيراً شكلياً عن الالتزام بالموقف الغربي الموحد، والمفتوح على الفشل، تجاه الملف النووي الإيراني، مقابل تعبيرات عملية عن مواقف ألمانية محتملة من شأنها أن تكون أقل التزاماً بالموقف الغربي الموحد تجاه الدرع الصاروخية ومشكلة كوسوفو. وبالطبع، تقف وراء ذلك اعتبارات استراتيجية من نوع الجوار الجغرافي مع روسيا، ووحدة الهموم الخاصة بوسط أوروبا، وضخامة الحاجة الألمانية للغاز الروسي الموازية لضخامة المشاريع الجاري تنفيذها في هذا المجال بين البلدين.
وسواء كان الموقف الألماني الذي عبرت عنه ميركل بخصوص العقوبات الإضافية بحق إيران تكتيكياً أم مبدئياً، فإن رد روسيا كان واضحاً جداً. وذلك الرد أسمعه بوتين خلال الأسبوعين الماضيين، في موسكو، لكل من الرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي، ووزيرة الخارجية الأميركية، كوندوليزا رايس، ووزير الحرب الأميركي روبرت غيتس: ليست هنالك وقائع موضوعية تدلل على إمكانية سعي طهران لصنع سلاح نووي. وبالتالي، لا مجال لأن توافق روسيا على المواقف الأوروبية الداعية، بالتوازي مع الموقف الأميركي، إلى فرض عقوبات جديدة على إيران.
وإلى الموقف الروسي هذا، استجد موقف صيني عبر عن نفسه من خلال تعطيل اجتماع في برلين كان سيضم، الاثنين الماضي(15/10/2007)، الخمسة الأعضاء في مجلس الأمن + ألمانيا بخصوص الملف النووي الإيراني، من قبل الصين التي احتجت على استقبال الكونغرس الأميركي للدالاي لايما، الشخصية الدينية التيبتية التي تطالب باستقلال التيبت عن الصين.
وعلى كل حال، لم يكن الموقف الصيني مفاجئاً ولكنه عجل بإظهار النوايا الصينية بهذا الخصوص، وشكل، مع الموقف الروسي، تأكيداً لما عبر عنه الرئيس الإيراني، محمود أحمدي نجاد، عندما قال مؤخراً في نيويورك، بأن الملف النووي الإيراني قد أقفل.
ثم جاءت قمة البلدان المشاطئة لبحر قزوين لتضيف تأكيدات جديدة عبر إعلان الدول المشاركة عن نيتها في عدم السماح باستخدام أراضي أي بلد من هذه البلدان في أعمال عدائية ضد أي بلد آخر، وعن تبنيها لمبدأ حق البلدان الموقعة على اتفاقية حظر الانتشار النووي في تملك الطاقة النووية السلمية.
وعندما يجري الكلام عن البلدان المشاطئة لبحر قزوين، فإن ذلك يعني استحضاراً لمعاهدة شنغهاي ولارتسام ملامح حلف دولي يمتد من شرق آسيا إلى أميركا اللاتينية فوق دعائم روسية وصينية وإيرانية تجعل من السهل فهم كلام روبرت غيتس الذي صرح، في ظل هزائم أميركا، وفي ظل ملامح التفكك التي بدأت تضرب معسكر حلفائها هنا وهناك، بأن الولايات المتحدة ليست قادرة بمفردها على إجبار إيران على التخلي عن برنامجها النووي.
تمهيد للقول بأن الولايات المتحدة لم تعد قادرة على فرض هيمنتها على العالم.
عقيل الشيخ حسين
الانتقاد/ العدد 1237 ـ 19 تشرين الأول / اكتوبر 2007
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018