ارشيف من : 2005-2008
كوسوفو: لحظة حاسمة في معادلة المواجهات الدولية
فشلت المفاوضات التي جرت الأحد الماضي في بروكسيل، والتي استمرت لأربع ساعات متواصلة بين ممثلين عن الصرب وعن كوسوفو، والتي جرت بإشراف ترويكا أميركية، أوروبية، روسية. جولة أخرى من المفاوضات ستجري في الثاني والعشرين من تشرين الأول/ أكتوبر الجاري في فيينا، بإشراف الترويكا نفسها، لتسفر وفق جميع المعطيات عن الإخفاق نفسه. والفشلان هما استمرار للفشل الذي بدأ بالظهور في المفاوضات التي بدأت في آب/ أغسطس من العام الماضي. هنالك أمل في أن يطرأ تغير على سير المفاوضات بعد الانتخابات التشريعية التي ستجري في كوسوفو في 17 تشرين الثاني/ نوفمبر القادم. لكنه ضعيف جداً. والأمل ضعيف جداً في أن يتم التوصل إلى اتفاق بين الطرفين قبل العاشر من كانون الأول/ ديسمبر القادم، وهو الموعد الذي سترفع فيه الترويكا تقريرها إلى الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون.
ما هي المشكلة؟
كوسوفو تريد شأن سلوفينيا وكرواتيا والبوسنة ومكدونيا والجبل الأسود (اقاليم الاتحاد اليوغوسلافي السابق) أن تحقق استقلالها عن صربيا. صربيا من جهتها لا تريد أن تمنح كوسوفو أكثر من حكم ذاتي ضمن إطار اتحادي. جرت في سبيل ذلك حروب دامية، بين الفريقين، منذ أوائل تسعينيات القرن الماضي، وانتهت بتدخل الحلف الأطلسي الذي قصفت طائراته القوات الصربية قبل أن يتم، عام 1999، وضع كوسوفو في ظل إدارة الأمم المتحدة، تمهيداً لإيجاد وضع يأمل الغربيون بأن يفضي إلى استقلال الإقليم. لكن الإدارة الدولية للإقليم تصطدم بصعوبات متزايدة في ظل العجز عن اتخاذ قرار في مجلس الأمن حول استقلال الإقليم ووضعه، خلال فترة انتقالية، تحت الإدارة الدولية، بسبب الفيتو الروسي الذي يمليه دعم موسكو المطلق لبلغراد. ممثلو كوسوفو يهددون، بإيعاز من الغربيين، والأميركيين بوجه خاص، بإعلان الاستقلال من جانب واحد فيما لو لم يتم التوصل إلى اتفاق قبل موعد العاشر من كانون الأول/ ديسمبر، وهو الأمر الذي سيعني لجوء الصرب إلى استخدام القوة مجدداً. استخدامهم السابق للقوة لم يفلح بسبب التدخل الأطلسي, لكن تدخل الأطلسي لا يبدو سهلاً في الظروف الحالية، لأن روسيا بوتين تبدو مختلفة عن روسيا يلتسين التي وقفت مكتوفة الأيدي إزاء تفكيك يوغوسلافيا. بكلام آخر، مشكلة كوسوفو تهدد الآن، إضافة إلى الحرب الأهلية، بحرب ممكنة بين روسيا والحلف الأطلسي، بكل ما يعنيه ذلك من خطورة.
وضع لم يشهد له تاريخ الصراع بين المعسكرين السابقين خلال فترة الحرب الباردة شبيهاً غير أزمة الصواريخ الكوبية قبل خمسة وأربعين عاماً. ربما يصار إلى تلافي المواجهة المباشرة عبر تجميد الوضع في كوسوفو بطريقة أو بأخرى. وربما، لأن التجميد لا يمكن أن يستمر إلى الأبد، تأخذ المواجهة أشكالاً غير مباشرة في دعم المعسكرين الدوليين لحلفائهما المحليين. وفي الحالتين يكون العالم قد عاد فعلاً إلى الحرب الباردة التي بدأت أجراسها تقرع منذ بداية العام الحالي تحديداً.
لكن الأكيد، أياً كانت الاحتمالات، أن الوضع لم يعد على حاله كما كان غداة انهيار الإمبراطورية السوفياتية، وتصور الأميركيين بأن السبل قد انفتحت أمامهم لبسط سيطرتهم على العالم. وسواء تعلق الأمر بالدرع الصاروخية أم بكوسوفو أم بالاستياء الروسي من التقدم الأميركي ـ الأوروبي في القفقاس والبلقان وأوكرانيا، أي في الفضاء الاستراتيجي الروسي، فإن روسيا باتت مصرة الآن على استعادة كامل موقعها كلاعب أساسي على المسرح الدولي.
وضع لم يكن ممكناً قبل دخول المشروع الأميركي في مرحلة العد العكسي نتيجة للهزائم التي مني بها هذا المشروع في العراق وأفغانستان، ومع إخفاق العدوان الأميركي ـ الإسرائيلي على لبنان، وبالطبع مع الفشل في المواجهة مع إيران. وإذا كانت المواجهات مع أميركا في الشرق الأوسط قد سمحت لروسيا بأن تعود مجدداً إلى المسرح الدولي، فإن تصلب الموقف الروسي في أوروبا وبلدان الفلك السوفياتي السابق سيفتح، في الشرق الأوسط، آفاقاً أكثر اتساعاً بكثير لتوجيه المزيد من الضربات المؤلمة إلى المشروع الأميركي ـ الإسرائيلي.
ع.ح.
الانتقاد/ العدد 1237 ـ 19 تشرين الأول / اكتوبر 2007
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018