ارشيف من : 2005-2008
العراق : اتفاق الحكيم ـ الصدر توجه جاد لإصلاح الخلل والنقص
بغداد ـ عادل الجبوري
يعد الاتفاق الذي أبرمه كل من رئيس المجلس الأعلى الإسلامي العراقي السيد عبد العزيز الحكيم وزعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر في السادس من شهر تشرين الأول/ اكتوبر الجاري، خطوة تاريخية ومهمة لتوجيه الأمور بالاتجاه الصحيح ودفعها في مسارات تفضي الى نتائج طيبة ومثمرة، لا لأتباع المجلس الاعلى والتيار الصدري فحسب، بل لعموم أبناء الشعب العراقي.
بهذه الصيغة عبر قياديون من كلا الجانبين عن رؤيتهم لأبعاد وآثار اتفاق الحكيم ـ الصدر، الذي جاء مفاجئا لمختلف الأوساط والمحافل السياسية العراقية والعربية والأجنبية.
وبعباراته المقتضبة والمعبرة فإن هذا الاتفاق يمكن ان يساهم في الحؤول دون وقوع الكثير من الاخطاء والهفوات غير المقصودة، ويقطع الطريق امام أي طرف يتصيد في الماء العكر، ويستغل هذا الظرف او ذاك لصب الزيت على النار لإذكاء الفتن والخلافات والاختلافات بين اناس يجمعهم هم واحد ومصير واحد، ويتطلعون الى اهداف مشتركة ويسعون الى الوصول بهذا البلد وكل أبنائه الى بر الامان.
وتأكيد "ضرورة حفظ واحترام الدم العراقي تحت اي ظرف كان ومن اي طيف كان" يعبر عن حرص حقيقي وتوجه جاد لاصلاح الخلل والنقص وتحديد المسارات الصائبة والصحيحة، من خلال تشخيص واضح وشفاف للثوابت التي لا يمكن بأي حال من الأحوال الاختلاف بشأنها.
والاتجاه الى حشد المؤسسات والهيئات الثقافية والإعلامية والتبليغية من كلا الطرفين لأجل تفعيل روح المودة والتقارب والابتعاد عن اي شيء يساهم في التباعد والتباغض او تبديد المبادئ المذكورة في الوثيقة، يعني في ما يعنيه ترجمة النقطة الاولى الى واقع عملي على الارض، وهذا هو الامر المهم جدا.
والاتفاق على إنشاء لجنة عليا مشتركة ذات فروع في كل المحافظات تعمل على التقارب ودرء الفتن والسيطرة على المشاكل المحتملة الوقوع وتشرف على تطبيق ما تقدم، يمثل وضع اطار او هيكل تنظيمي مؤسساتي يتحرك في الميدان ليكون قادرا على رسم وصياغة خرائط الطريق المطلوبة.
ان هذا الاتفاق من شأنه اسقاط مراهنات الكثير من الاطراف في داخل العراق وخارجه لشق الصفوف وإيجاد الخلافات والصراعات بين القوى الوطنية، وبالتالي الدفع باتجاه الاقتتال بين ابناء الوطن الواحد وأبناء البيت الواحد، كما من شأنه ان يساعد في رأب الصدع وإعادة بناء الثقة وترميم جسور التواصل والمساعدة في حل الكثير من المشكلات والازمات التي تعانيها شرائح وفئات عديدة من ابناء شعبنا العراقي.
ولعل الامر المهم هو ان الاتفاق الاخير جاء تكليلا لجهود وتحركات ومساعٍ سياسية متواصلة للحؤول دون وصول العملية السياسية الى طريق مسدود او نقاط حرجة وخطيرة من شأنها إلحاق الضرر والاذى بكل الاطراف السياسية، فضلا عن ابناء الشعب العراقي. وكذلك فإنه ـ أي الاتفاق ـ جاء في السياق والمنحى والهدف الذي تمحورت حوله مبادرات وتحركات سياسية سابقة، من قبيل الاتفاق السياسي المفتوح بين اربع قوى اساسية هي: المجلس الاعلى الاسلامي العراقي، وحزب الدعوة الاسلامية، والاتحاد الوطني الكردستاني، والحزب الديمقراطي الكردستاني، ومن ثم بيان القوى السياسية الخمس: (القوى الأربع المشار إليها زائد الحزب الإسلامي العراقي).
وبينما كانت المراهنات من وراء الكواليس ومن جهات داخلية وخارجية تتمحور على دخول المجلس الاعلى والتيار الصدري في معركة كسر عظم، ليفضي ذلك الى انهيار كامل للعملية السياسية واندلاع حرب اهلية تكون شيعية ـ شيعية هذه المرة وليست شيعية ـ سنية، ظهر اتفاق الحكيم ـ الصدر ليقطع الطريق على كل تلك المراهنات ويفرغ الاهداف المتحققة من احداث كربلاء الأخيرة من محتواها بصورة كاملة.
وهذا الاتفاق يمكن ان يمهد لعودة التيار الصدري الى كتلة الائتلاف العراقي الموحد، او في ادنى تقدير يشكل ضمانة بعدم اقدام التيار على عقد تحالفات مع اطراف اخرى هي ضد المجلس الاعلى والائتلاف، ومن شأنه ان يضع حدا للمواجهات المسلحة التي تحصل بين الفينة والاخرى بين المجلس الاعلى والتيار الصدري في هذه المحافظة او تلك. وكذلك ربما يفتح الباب لتحالفات وتعاون استراتيجي بين الطرفين قد ينعكس في انتخابات مجالس المحافظات المزمع اجراؤها منتصف العام المقبل، او الانتخابات البرلمانية العامة بعد عامين.
وربما يكون تقييم رئيس الوزراء نوري المالكي للاتفاق يمثل مجمل الرؤية الايجابية العامة حياله، اذ قال: "ان الاتفاق جاء في وقته المناسب، وهو يعبر عن الاحساس العالي بالمسؤولية الدينية والوطنية، والتقدير الصائب لحساسية الظروف التي يمر بها الشعب العراقي وهو يواجه أعتى هجمة ارهابية وتكفيرية، ويتطلع للبناء والاعمار الذي لا يمكن ان يتحقق من دون تثبيت دعائم الامن والاستقرار وأواصر الاخاء والمحبة والتماسك بين القوى الفاعلة في الساحة العراقية وجميع أطياف الشعب العراقي ومكوناته الاساسية".
في الوقت ذاته فالتحرك السياسي للمجلس الأعلى الإسلامي العراقي الذي أوجده السيد عمار الحكيم نجل رئيس المجلس باتجاه الكيانات السنية، وبالخصوص مجلس صحوة الأنبار، وعبرت عنه زيارته لتلك المحافظة في ثاني أيام عيد الفطر ولقاءاته مع كبار شيوخ ووجهاء عشائرها، بدا انه يصب في المنحى والهدف ذاته المتمثل بإصلاح الوضع السياسي والأمني، واستثمار الانجازات والمكاسب الأمنية والسياسية التي تحققت خلال الشهور القليلة الماضية وعدم التفريط بها.
وحتى الآن يتفق الكثيرون على ان الحراك السياسي الذي أوجده الاتفاق الرباعي وبيان القوى الخمس واتفاق الحكيم ـ الصدر، والانفتاح بدرجة اكبر على الوضع السني، أثمر نتائج ايجابية وطيبة، بيد انه ما زال هناك الكثير من الوقت والجهد لتتبدل صورة المشهد السياسي العراقي، وتظهر بألوان وخطوط مختلفة.
الانتقاد/ العدد 1237 ـ 19 تشرين الاول/اكتوبر2007
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018