ارشيف من : 2005-2008

بوتين في طهران : لا حدَّ عندنا للتعاون والتنسيق مع إيران القوية والمؤثرة عالمياً

بوتين في طهران : لا حدَّ عندنا للتعاون والتنسيق مع إيران القوية والمؤثرة عالمياً

الانتقاد ـ طهران
"ان ايران هي قوة اقليمية وعالمية كبرى, نحن اصدقاء وسنطور علاقاتنا في جميع المجالات". كلمات واضحة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين يطلقها من طهران, باتجاه قادة البيت الابيض الذين سعوا بكل جهد للحيلولة دون زيارته للعاصمة العصية على الحصار. لم تنجح معه  الاساليب الاميركية: لا تهديدات "جون بولتون " المندوب الاميركي السابق في مجلس الامن ولا الاشاعات "الركيكة" التي اطلقتها وكالة الاستخبارات الاميركية عبر بعض الصحف العالمية حول خطة لاغتيال زعيم الكرملن في طهران!
بعد زيارة "جوزيف ستالين" عام 1943 و"بريجنيف" عام 1975 الى ايران، تأتي زيارة فلاديمير بوتين الرافض "لعالم القطب الواحد الذي تسعى اليه واشنطن" لتشكل نقلة نوعية في علاقات "البلدين الصديقين"، وفي الوقت نفسه "ضربة قوية اخرى للغرب"، كما وصفتها مجلة تايم الاميركية.
لم ينس بوتين في اطلالته الايرانية الاولى ان يؤكد عمق التعاون النووي الروسي ـ الايراني المشترك، الذي ستظهر اثاره قريبا في انهاء العمل في محطة بوشهر وتسليم ايران الوقود النووي بعد انهاء الاشكالات التقنية السابقة.
 لقد اثبت بوتين في الاشهر الاخيرة الماضية ان روسيا قد تجاوزت مرحلة سقوط الاتحاد السوفياتي، وانها تستعد للقيام بدور قوي ومؤثر في مواجهة السياسات الاميركية المبشرة بالحرب العالمية الثالثة، حيث سجل اعتراضه الجاد على الدرع الصاروخية الاميركية، واعلانه عن عزمه الانسحاب من معاهدة الحد من الاسلحة التقليدية، ودفاعه عن حق ايران في امتلاك الطاقة النووية السلمية، وشراكته الاقتصادية والسياسية معها في الوقت الذي تتعرض فيه لاشد الضغوط والتهديدات من اميركا وملحقاتها الغربية, وكانت آخر اشكال تأجيج مواجهته للسياسة الاميركية في الاسبوع الماضي ان جعل كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الاميركية وروبرت غيتس وزير دفاعها  ينتظرانه لمدة 45 دقيقة  قبل ان يحضر للقائهما في تصرف ديبلوماسي واضح الدلالات.
اذاً لقد جاء بوتين الى طهران "رغما عن انف أميركا" ليعلن تطوير العلاقات السياسية والاقتصادية (التي تم الاتفاق على رفع سقفها الى 200 مليار دولار خلال 10 سنوات) والنووية عبر تأكيد الالتزام بالتعاون المشترك ودعم موقف ايران في حل الملف النووي عبر المفاوضات مع الوكالة الدولية، وسحب الملف من التداول والاستغلال السياسي.
زيارة بوتين التي تجاوزت في ابعادها الاشتراك في مؤتمر دول بحر قزوين (او  بحر الخزر كما يسميه الإيرانيون ـ والتي تضم كازاخستان وأذربيجان وتركمانستان، اضافة الى ايران وروسيا) على الرغم من اهميته التجارية والامنية والبيئية في المنطقة, شكلت "تحولا كبيرا في افق المنطقة" كما يقول الدكتور محمد علي مهتدي الخبير الاستراتيجي في شؤون الشرق الاوسط الذي يضيف بأن "التجارب المتعددة اثبتت ان الروس هم شركاء جيدون لايران، فالاوروبيون كانوا يأخذون ولا يعطون، بينما روسيا وقفت بقوة ضد الضغوط وتعاملت بواقعية مع الجمهورية الاسلامية، فيما يضمن المصالح المشتركة ويواجه التهديدات المشتركة".
في المقابل رافقت الزيارة اجواء حفاوة ايرانية بالضيف المميز الذي اظهر "اهتمامه بإيران كثقافة وتاريخ وآداب، وان قسما من بلدان الاتحاد السوفياتي كان جزءا من ايران في السابق وكيف ان تاريخ البلدين مشترك وعميق وعلاقاتهما وتعاونهما كذلك".
الإمام الخامنئي ولدى استقباله الرئيس الروسي صرح بـ"ان ايران المستقلة هي سند لروسيا، وان روسيا المقتدرة هي سند لايران"، مؤكدا "ان الصورة التي لدينا عن الشعب الروسي هي صورة جيدة ومنيرة بسبب روح المقاومة التي اظهرها الروس في مراحلهم المختلفة".
قائد الثورة الاسلامية اعلن عدم رضاه عن حجم العلاقات الاقتصادية الحالية بين البلدين، وايد تصريحات بوتين حول ضرورة مضاعفة التبادلات كماً ونوعاً "لان كل الظروف الحالية مؤاتية لتطوير العلاقات لما فيه مصلحة الشعبين الروسي والايراني".
وفي اشارة الى التهديدات الاميركية قال سماحته "ان السنوات الماضية قد اثبتت ان المغامرات الاميركية المستمرة ضد ايران قد اتت بنتائج عكسية، وان هذا الفشل ماثل امام اعين الادارة الاميركية".
وقد لوحظ بوضوح الاجواء الودية والايجابية التي سادت اللقاء وما اشاعته قسمات القائد المبتسمة من ارتياح لهذه الزيارة، وتأكيد بوتين انه "لا حدّ عندنا للتعاون والتنسيق مع ايران القوية والمؤثرة عالمياً، ونرفض سياسة الفرض والابتزاز النووي ضد ايران التي نحترم حقها النووي وموقفها المتعاون مع الوكالة الدولية".
الرئيس الايراني بدوره احتفى بضيفه الروسي ولم ينس "ان يبارك له عيد ميلاده"، ووقع معه اتفاقية تعاون مشترك من 24 بندا, تشمل النفط والغاز والطاقة النووية والكهربائية, وتحدثت معلومات صحفية روسية عن صفقة كبرى في مجال تزويد ايران بمحركات طائرات نفاثة مدنية وحربية. وكذلك تم التباحث في الاقتراح الروسي بتشكيل منظمة الدول المصدرة للغاز. وأعلن الامام الخامنئي "اننا ندرس اقتراحاتكم وتصريحاتكم بشكل جدي".
التهديدات والاشاعات الاميركية لبوتين بالاغتيال لم تمنعه من زيارة العاصمة "الاكثر امناً من واشنطن ولندن ونيويورك" (كما اكد  مساعد وزير الخارجية الايرانية بالارقام والاحصائيات) ويبدو ان الايام القادمة لن تحمل اخبارا سارة للاميركي: الصين تقاطع جلسة 5+1 حول ملف ايران النووي بسبب استقبال بوش للدالاي لاما، والاتحاد الأوروبي يرفض البحث في عقوبات جديدة، وبوتين مرتاح في طهران "الصديقة"، بينما ترتفع الصيحات المعارضة للتدخل الاميركي في العراق وافغانستان، ويتم نعي مؤتمر الخريف قبل ولادته. انه الزمن الرديء للبيت الابيض لأنه زمن الاستقلال والاقتدار والتعاون بين شعوب ودول كثيرة اخرى في العالم غير الاميركي.
محمد محسن
الانتقاد/ العدد 1237 ـ 19 تشرين الأول / اكتوبر 2007

2007-10-19