ارشيف من : 2005-2008
زيارة الأسد لتركيا : علاقات ثنائية تسير نحو شراكة استراتيجية
أنقرة ـ حسن الطهراوي
إذا كانت الزيارة الأولى التي قام بها الرئيس السوري بشار الأسد إلى تركيا مطلع العام 2004، والتي وصفت حينها بالتاريخية قد أسست لمرحلة جديدة من العلاقات بين البلدين، فإن زيارته الثانية التي جاءت بدعوة من رئيس الجمهورية التركي (عبد الله غول) قد فتحت الأبواب على مصراعيها نحو علاقات وشراكة استراتيجية بين البلدين، خاصة بعد التقدم الكبير الذي حققته العلاقات بين أنقرة ودمشق في شتى المجالات خلال السنوات الأربع الأخيرة.
زيارة الأسد اكتسبت أهمية خاصة في ظل التطورات التي تشهدها المنطقة ومؤتمر السلام الذي سيعقد في الولايات المتحدة الأميركية من دون مشاركة سوريا، والأزمة التي تمرّ بها العلاقات التركية الأميركية بعد موافقة لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس الأميركي على مشروع قرار الإبادة الأرمنية التي حدثت فترة الحكم العثماني، وكذلك التوتر الحاصل على الحدود التركية العراقية وموافقة البرلمان التركي على مذكرة الحكومة التي تمنحها صلاحيات إرسال الجيش إلى شمال العراق لمحاربة حزب العمال الكردستاني.
الاهتمام التركي كان واضحاً بهذه الزيارة وذلك من خلال الحفاوة الكبيرة التي حظي بها الرئيس الأسد وعقيلته على الصعيدين الشعبي والرسمي، وكذلك من خلال المباحثات التي أجراها الرئيس السوري مع نظيره التركي عبد الله غول ورئيس الوزراء رجب طيب أردوغان وكبار المسؤولين السياسيين والعسكريين.
تطابق في وجهات النظر في الملفات الإقليمية
مباحثات الرئيسين الأسد وغول أظهرت تطابقاً في وجهات نظر البلدين حول الملفات الاقليمية خاصة تطورات الوضع العراقي والوضع في لبنان وعملية السلام في الشرق الأوسط والجهود المشتركة المبذولة لإزالة بؤر التوتر في المنطقة.

وأكد الجانبان دعمهما لوحدة العراق أرضاً وشعباً ودعم العملية السياسية الجارية وتحقيق المصالحة الوطنية بين مكونات الشعب العراقي، وأدانا أعمال الارهاب التي تستهدف العراقيين ومؤسساتهم.
وحول الوضع في لبنان عبر البلدان عن الأمل في نجاح المبادرات لتحقيق التوافق بين اللبنانيين واجراء الانتخابات الرئاسية وفق الأصول الدستورية، وتشكيل حكومة وحدة وطنية بما يحقق أمن واستقرار لبنان.
وحول الوضع الفلسطيني دعا البلدان الى ضرورة توحيد الصف لصون الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني بهدف الوصول الى السلام العادل والشامل. وخلال المؤتمر الصحفي المشترك الذي عقد بعد انتهاء المباحثات وصف الرئيس التركي عبد الله غول المباحثات بالبناءة والايجابية، وأنها أسهمت في توطيد العلاقات القائمة بين البلدين، وأنه تم الاتفاق على تنسيق الجهود الرامية لايجاد حلول لمشاكل المنطقة تساعد في تحقيق الأمن والسلام في الشرق الأوسط.
وبحسب مصادر سورية شاركت في الاجتماعات فإن الصراع العربي الإسرائيلي والدور الذي يمكن أن تلعبه تركيا والاجتماع الدولي الذي سيعقد في الولايات المتحدة الأميركية قد حظيت بحيز واسع من المباحثات، وأن تركيا مدعوة لهذا الاجتماع وهي ترى فيه منبراً دولياً يمكن من خلاله طرح كل القضايا الخلافية وموضوع الجولان، وأن تركيا تدرك أن السلام لن يتحقق بدون الحل الشامل للصراع، وبحسب المصادر فإن الرئيس الأسد عبّر عن الموقف السوري الذي يدعم مفاوضات جدية وحقيقية تؤدي الى السلام العادل والشامل، وأنه بعد سنوات طويلة من التفاوض مع الاسرائيليين لا ترغب سوريا دخول تجربة جديدة من المفاوضات الشكلية، ولا بد أن نعرف أولاً مرجعية واطار هذا المؤتمر وجدوله الزمني، وأن يكون موضوع الجولان مطروحاً على جدول أعماله، وإذا كان هدف الاجتماع أنه يشكل منبراً دولياً فقط للحديث عن المشاكل والقضايا العالقة مع الاسرائيليين فلا داعٍ للمشاركة لأن المشاكل تطرح في كل الاجتماعات وبشكل دائم، أما إذا كان الهدف من الاجتماع يتعلق بالمسار الفلسطيني فأولمرت وعباس يجتمعان بشكل دائم ولا يحتاجان لهذا المحفل.. ومع ذلك أكد السوريون أنهم سيؤيدون أي تقدم حقيقي اذا حدث على المسار الفلسطيني.
من جهتها أكدت تركيا مجدداً رغبتها بمواصلة الدور الذي تقوم به لتحريك عملية التسوية بين سوريا و"اسرائيل". ورحب السوريون بهذا الدور، ونفوا حدوث أي تقدم حقيقي على هذا الصعيد أو تسلم رسائل من الاسرائيليين عبر أنقرة.
الأسد: من حق تركيا الدفاع عن نفسها في مواجهة حزب العمال الكردستاني
وفيما كان الرئيس السوري يجري مباحثاته مع المسؤولين الأتراك من أنقرة أقرّ البرلمان التركي بأغلبية نوابه مذكرة الحكومة لإرسال الجيش الى شمال العراق، وكان لافتاً الموقف الداعم الذي عبّر عنه الرئيس بشّار الأسد لحق تركيا في الدفاع عن نفسها في مواجهة حزب العمال الكردستاني. وقال خلال المؤتمر الصحفي المشترك مع عبد الله غول "من وجهة نظرنا أي حل سلمي لأي مشكلة أو خلاف يبقى هو الأفضل، وأعتقد أيضاً أنها وجهة نظر الحكومة التركية، وهي لا تريد أو تسعى من أجل الحرب، وحزب العمال الكردستاني "PKK" هو منظمة ارهابية، ونحن ندين أي عمل تقوم به هذه المنظمة ضد المدنيين الأتراك وأفراد الجيش، وما سمعته من المسؤولين الأتراك بأنهم ليس لديهم أي أطماع في العراق. تركيا تريد أن تدافع عن نفسها وهذا حقها".
وأضاف الرئيس الأسد أن المطلوب والمهم هو تحديد الجهات المعنية بشكل واضح وصريح لهذه العمليات الارهابية. وقال ان المسؤول الأول هو قوات الاحتلال الاميركي في العراق. وتمنى الأسد أن يتم حل المشكلة القائمة بالطرق السياسية والدبلوماسية، وكشف أنه تم الاتفاق لقيام سوريا بدور الوساطة بين تركيا والعراق ونقل الرسائل من أجل ايجاد حل سياسي لمشكلة الارهاب الذي يهدد تركيا، وأن سوريا ستدعو الحكومة العراقية الى ان تقوم بجهود من أجل ضبط الحدود مع تركيا".
زيارة الأسد ونتائج مباحثاته الموسعة مع المسؤولين الأتراك أظهرت بدون شك عمق العلاقات القائمة بين البلدين، والرغبة المشتركة لمزيد من التنسيق والتفاهم حول قضايا المنطقة. وخلال الزيارة وقّع وزيرا خارجية البلدين وليد المعلم وعلي باباجان مذكّرة للتفاهم عكست الرؤية المشتركة للبلدين في المسائل السياسية والأمنية، كما تم الاتفاق على زيادة حجم التبادل التجاري ومشاريع اقتصادية جديدة في المناطق الحرة وتعاون في مجالات الطاقة والمياه.
الانتقاد/ العدد 1237 ـ 19 تشرين الأول / اكتوبر 2007
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018