ارشيف من : 2005-2008
لماذا اعتبر فريق السلطة التبادل ضربة له؟
كتب مصطفى الحاج علي
كان لعملية تبادل رفات شهيدين للمقاومة ومعتقل، بجثة مستوطن يهودي وقع المفاجأة الكاملة على الوسطين السياسي والاعلامي. كما بدت العملية في صورة مفارقة للسياق السياسي للأزمة اللبنانية في طوره الخاص بالاستحقاق الرئاسي، وبالتالي بدت وكأنها مقطوعة الصلة في نتائجها ودلالاتها عن كل ما يحيط بها، أو يحف بها من مناخات سياسية داخلية.
لكن هل هذا الأمر دقيق؟ يمكن الاجابة وبدون تردد بكلمة نعم، إذا ما وقفنا عند ظاهر حدث التبادل، ولم نسبر خطوط التقاطع الجوهرية بين الاثنين، وهذا ما يتطلب ملاحظة التالي:
أولاً: إن التبادل ـ على جزئيته ـ فكونه يأتي بعد عدوان تموز، يمكن القول، انه أحدث نقلة دائرية كاملة، بمعنى أنه أعاد الأمور إلى مرحلة ما قبل هذا العدوان، ما يعني بدوره الغاءً عملياً لكل مفاعيله، وجعله كأنه لم يحدث.
ثانياً: ان التبادل أكد مجدداً جدوائية منطق المقاومة في استرجاع الحقوق، من دون الاضطرار للدخول في مفاوضات مذلة.
ثالثاً: كرّس التبادل محورية موقع المقاومة كطرف مركزي، وباعتراف العدو، والمجتمع الدولي، في مواجهة الكيان الاسرائيلي. بناء عليه، كان طبيعياً أن يكون رد فعل فريق السلطة على عملية التبادل سلبياً، وكان طبيعياً أن يفاجأ هؤلاء إلى حدود الصدمة، وأن يصفها أحدهم بالخيانة. بكلمة واحدة لقد تعامل هذا الفريق مع التبادل كضربة وجهت اليه، وأنه المستهدف بتداعياتها ودلالاتها ونتائجها.
ولأن كلامنا هنا في السياسة، فلن نخرج في قراءتنا لهذا الموقف عن حدود منطقه السياسي، طارحين الاستفهام التالي: لماذا شعر فريق السلطة بما شعر به؟
الجواب بات بسيطاً بعد أن توضحت كل الخطوط العامة والتفصيلية لتوجهات هذا الفريق وأهدافه. ومن نافل القول، إن هذا الفريق منخرط بالكامل في المشروع الأميركي ـ الصهيوني للمنطقة، وهو مشروع معني بالدرجة الأولى في التصدي لحركات المقاومة والممانعة في المنطقة، وفي طليعتها المقاومة في لبنان. ومن المعروف، أن عدوان تموز شكل الخيار الأقصى للقيام بعملية استئصالية لخيار المقاومة في لبنان، إلا أنه باء بالفشل.
بعدها عمد الأميركي وعبر أدواته الداخلية لخوض مواجهة سياسية وضع لها عنواناً واحداً، وهدفاً واحداً، هو منع المقاومة من استثمار الانتصار سياسياً وفي الإطار الوطني العام، ومن ثم العمل على تحقيق أهداف عدوان تموز سياسياً، في هذا السياق، وإذا وضعنا جانباً الاعتبارات التكتيكية لفريق السلطة، يمكن إدراج حرص هذا الفريق على التأكيد المستمر بأن صراعه هو مع حزب الله وسوريا وإيران، بمعنى آخر، أن صراعه هو مع خط المقاومة، ما يعني أيضاً، وفق منطق هذا الفريق أن المطلوب إسقاط هذا الخط لبنانياً، في سياق مخطط إلحاق لبنان بعملية التطبيع الشاملة مع الكيان الاسرائيلي، والتي تهيئ لها واشنطن اليوم من خلال غواية المؤتمر الدولي للتسوية، وفي سياق مخطط توطين اللاجئين الفلسطينيين في لبنان.
ان هذا المخطط يقتضي أن يمسك هذا الفريق بالاستحقاق الرئاسي، وبالتالي برقبة الرئيس، أي يريد ويعمل هذا الفريق وبدعم اميركي كامل على الاتيان برئيس يلتزم المطالب الاميركية المحددة بدقة: تطبيق القرار 1559، أي التعهد بنزع سلاح المقاومة، أو على الأقل السعي في هذا الاتجاه، ومن خلال إحداث عملية فصل بين القرارين 1559، و1701، حتى لا يحاجج من يحاجج بأن القرار 1701 قد جبّ القرار 1559.
وأما المطلب الثاني، فيتمثل بتحويل لبنان إلى منصة لاطلاق الضغوط باتجاه دمشق لدفعها إلى تغيير جلدها السياسي، بل هويتها العروبية، تمهيداً لإلحاقها بركب عربان الاستسلام من الأنظمة العربية.
من هنا، لا نغالي اذا قلنا إن الاشتباك السياسي الدائر حول الاستحقاق الرئاسي، هو، في عمقه، اشتباك حول الخيارات الوطنية الأساسية للبنان، وتحديداً خيار المقاومة. فواشنطن وفريقها العامل في لبنان تريد تحويل موقع الرئاسة إلى متراس أساسي لاطلاق النار على خيار المقاومة، وعلى موقع ودور لبنان العروبي والمقاوم في المنطقة.
إذا أخذنا الدلالات الأساسية لحدث التبادل والمعاني التي أطلقها، وإذا أخذنا بعين الاعتبار ما تقدم، ندرك خلفيات الانزعاج الكبير لفريق السلطة من عملية التبادل، واعتبارها فعل خيانة، لأنها، في الحقيقة، تأتي في الاتجاه المعاكس تماماً للمخطط السياسي لهذا الفريق، وما تقدم أيضاً، يوضح لنا الصلات العميقة بين حدث التبادل والإطار السياسي العام الذي يتحرك فيه الاستحقاق الرئاسي، الذي عاد مصيره للتقلب بين التشاؤم والتفاؤل، وإن كانت نسبة التشاؤم هذه المرة أكبر، لا سيما اذا ما تأملنا في مواقف صقور فريق السلطة التي تتسم بالانفعال التام، والتصعيد، ومحاولة ترتيب كل ما يساعد للذهاب إلى الخيارات القصوى متمثلة بانتخاب رئيسٍ بنصاب النصف زائد واحد، حتى ولو أدى ذلك إلى الفوضى الشاملة، حيث يظن هذا الفريق بأن الدعم الأميركي سيحميه من نتائج أفعاله كما فعل حتى الآن.
وفي مطلق الأحوال، فإن لعبة الخيارات ما زالت مفتوحة عند الجميع في الوقت الذي تتسارع فيه دقات ساعة الاستحقاق الدستورية ضاغطة على الجميع.
الانتقاد/ العدد 1237 ـ 19 تشرين الأول / اكتوبر 2007
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018