ارشيف من : 2005-2008

زيارة رايس الفاشلة إلى فلسطين المحتلة : اتجاه لإلغاء مؤتمر أنابوليس أو انتظار تغيير ما في المنطقة

زيارة رايس الفاشلة إلى فلسطين المحتلة : اتجاه لإلغاء مؤتمر أنابوليس أو انتظار تغيير ما في المنطقة

حاولت وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس من خلال زيارتها الأخيرة إلى فلسطين المحتلة ولقائها قادة العدو ومسؤولي السلطة الفلسطينية، بلورة جدول أعمال ووثيقة مبادئ تطرح في مؤتمر أنابوليس في الولايات المتحدة الأميركية، المزمع عقده نظريا أواخر الشهر المقبل.
اقل ما يمكن قوله استنادا إلى الأنباء المستقاة خلال الزيارة وبعدها، ان رايس تواصل حصد الفشل المتأتي عن استعجالها وعدم تقديرها لقدرة الولايات المتحدة وقادة العدو والسلطة الفلسطينية في الوصول إلى اتفاق على صراع خرجت مركباته عن القدرة على استيعابها وتليينها.

المشكلة الأساسية التي تواجه رايس وتحركها أيضا، انها هي التي تقف وراء إقناع الرئيس الاميركي بالإعلان عن عقد المؤتمر خلال خطابه الذي ألقاه في 16 أيلول/ سبتمبر الماضي، بحيث اعتبر ذلك نجاحا ونقطة تسجل لها في إطار الصراعات القائمة في البيت الأبيض على أولويات العمل على الساحة الفلسطينية، إذ تواجه رايس تيارا أميركيا يقوده "أليوت ابرامز" من المحافظين الجدد، والمسؤول عن الشرق الأوسط في مجلس الامن القومي الاميركي، الذي يرى في فكرة المؤتمر حماقة.. بينما تترأس هي المعسكر الثاني الذي يرى ضرورة تحريك المفاوضات مع الفلسطينيين، لكنها لا تعرف كيف يمكن فعل ذلك في ظل الصعوبات القائمة.
واجهت رايس خلال زيارتها الاخيرة "مسكنة" رئيس الحكومة الإسرائيلية ايهود اولمرت الذي طالب بعدم الخوض في تفاصيل حلول مع الفلسطينيين والاكتفاء ببيان مشترك عام، ذلك انه يخشى على ائتلافه الحكومي من انفراط عقده في ظل تشدد كثير من أقطابه ورفضهم مجرد الحديث عن القدس واللاجئين، الأمر الذي أوجب على رايس لقاء رؤساء الاحزاب الرافضة في محاولة لتليين موقفهم، لكنها لم تصل إلى نتيجة مرجوّة.
في المقابل تواجه رايس "تشددا" فلسطينيا يبديه مسؤولو السلطة الفلسطينية، فهؤلاء يرغبون بالتطرق إلى الحلول وإلى إقرار جدول زمني يحدد الحدود الزمنية للمراحل المقترحة للتنفيذ من قبل كلا الجانبين، ويرون ان ذلك قادر على مساعدتهم في صراعاتهم الداخلية، وتحديدا ضد حركة حماس في قطاع غزة، وإظهار جدوى ما يسمونه أسلوبهم "النضالي السلمي".
في المقابلة التي أجرتها رايس مع القناة الأولى في التلفزيون الاسرائيلي، عرضت لتوقعاتها من المؤتمر الدولي الموعود، ومن خلالها يمكن الاستدلال على استهدافاتها من الزيارة الأخيرة، إذ إنها أعربت عن أملها بالوصول إلى "وثيقة جدية وملموسة" تطرح الأساس لإقامة الدولة الفلسطينية، لكنها شددت في المقابل على وجوب أن يلتزم الفلسطينيون بخريطة الطريق وينفذوا المرحلة الأولى منها من خلال تفكيك البنى التحتية للإرهاب، بينما تقوم "اسرائيل" بتفكيك الكرفانات المنتشرة في بعض تلال الضفة الغربية، والمسماة بالمواقع الاستيطانية "غير القانونية".
لقد وجدت رايس انها غير قادرة على ايجاد قواسم مشتركة يبنى عليها تأسيس للمؤتمر المنشود، بل غير قادرة على بلورة وثيقة أو بيان مشترك يجمع كل الاطراف المراد جمعهم على طاولة المؤتمر، برغم القدرة الكبيرة على تليين مواقف مسؤولي السلطة الفلسطينية. فأبو مازن يرغب بإعلان عام وحتى غير مباشر عن العودة إلى حدود العام 67، وهو على استعداد للموافقة على إبقاء المستوطنات في الضفة الغربية التي تقطعها إلى ثلاث اجزاء، على ان يجري استبدال للأراضي، بينما يرفض اولمرت انطلاقا من عدم قدرته على تسويق ذلك، ان يقر بحدود العام 67، أو ان يبادل أراضي المستوطنات بنسبة متساوية مع اراض أخرى، من دون تحديد مكانها وأهميتها.. بل هو غير قادر أيضا على تمرير اعتراف رمزي بحق العودة يفرغ هذا الحق من مضمونه.
إلى أين تتجه الامور؟
يصعب على رايس الاعتراف بالفشل، ليس لأن فشل المؤتمر سيستدعي توترا في فلسطين المحتلة مشابها للتوتر الذي أعقب قمة كامب دايفيد الثانية في العام 2000، إذ لا احد يولي للمؤتمر أهمية مشابهة أو يأمل ان يحرز نتائج دراماتيكية، لكنها تخشى والرئيس الاميركي إحراجا جديدا يضاف إلى السلسلة الطويلة من الإحراجات المتراكمة التي تثقل على الإدارة الأميركية مع الأنباء اليومية السيئة من أفغانستان والعراق والمنطقة عموما. وبالتالي ستعمد رايس إلى تأجيل المؤتمر قدر الاستطاعة، على امل حصول تغييرات أو أحداث "مرتقبة" في المنطقة من شأنها تسييل المواقف العربية بعد أن جرى تليينها بالمطلق.
يحيى دبوق
الانتقاد/ العدد 1237 ـ 19 تشرين الأول / اكتوبر 2007.

2007-10-19