ارشيف من : 2005-2008
ملخص التقرير الاستراتيجي الفلسطيني لسنة 2006
معلومات النشر:
العنوان: التقرير الاستراتيجي الفلسطيني لسنة 2006
تحرير: د. محسن محمد صالح
الناشر: مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات – بيروت
توزيع: الدار العربية للعلوم، ناشرون – بيروت، موقع النيل والفرات دوت كوم
عدد الصفحات: 330 صفحة
تاريخ الصدور: يونيو 2007
مقدمة:
يصدر التقرير الاستراتيجي الفلسطيني سنوياً عن مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات – بيروت. وهو مركز دراسات مستقل، يهتم بالدراسات الاستراتيجية والمستقبلية، ويولي تركيزاً خاصاً على الشأن الفلسطيني. وللمركز هيئة استشارية من كبار الباحثين والخبراء.
ويعالج التقرير الاستراتيجي، الذي قام بتحريره د. محسن محمد صالح (الأستاذ المشارك في الدراسات الفلسطينية والمدير العام للمركز) القضية الفلسطينية خلال سنة 2006 بالرصد والاستقراء والتحليل. ويدرس الأوضاع الفلسطينية الداخلية، والمؤشرات السكانية والاقتصادية الفلسطينية، والأرض والمقدسات، ويناقش العلاقات الفلسطينية العربية والإسلامية والدولية، كما يناقش الوضع الإسرائيلي وعمليات المقاومة ومسار التسوية. والتقرير موثق علمياً ومدعّم بعشرات الجداول والإحصائيات والرسوم التوضيحية. وقد جاء تقرير هذا العام في 330 صفحة.
وقد شارك في كتابة التقرير مجموعة من المتخصصين هم د.
الوضع الداخلي: سنة التغيير والحصار:
- افتتح عام 2006 على الصعيد الفلسطيني الداخلي بمفاجأة نتائج الانتخابات البرلمانية، التي أعطت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" فوزاً كبيراً في مقاعد المجلس التشريعي الفلسطيني(74مقعداً مقابل 45 مقعداً لفتح). وأعطت المقاومة من خلال ذلك، شرعية إضافية، هي شرعية صناديق الانتخاب. وقد وجّهت النتائج ضربة قاسية للسياسة الأمريكية – الإسرائيلية وحتى الأوروبية، التي تعدّ حماس خصوصاً، وفصائل المقاومة الأخرى عموماً منظمات إرهابية، وتعدّ المقاومة إرهاباً.
- ولا شك أن نزاهة الانتخابات وحياد الأجهزة، يجب أن يُسجّلا في مصلحة الرئيس الفلسطيني محمود عباس. وعلى الرغم من أن النتائج شكلت صدمة بالغة لقيادة السلطة الفلسطينية، إلا أن عباس أعلن أنه لن يتردد في تكليف حماس تشكيل الحكومة الفلسطينية. وبذلك دخل الوضع الفلسطيني السياسي مرحلة جديدة، حيث فرضت حماس نفسها شريكاً مع فتح في السلطة. وأكدت نهاية تفرد فتح في قيادة الشأن الوطني الفلسطيني.
- كان خيار حماس الأول تشكيل حكومة وحدة وطنية، تضم فتح والقوائم والتنظيمات الفلسطينية الأخرى.، لكنها لم تنجح في ذلك طوال 2006، وربما يمكن القول أن الأطراف الفلسطينية التي أسهمت في إفشال جهود تشكيل حكومة الوحدة تتحمل مسؤولية تاريخية كبيرة. ففي مرحلة تغيير انتقالية بالغة الحساسية، وفي مواجهة الأعباء الثقيلة للقضية الوطنية، لم يكن هناك مفر من حكومة وحدة.
- سعت قيادة السلطة وحركة فتح إلى اتخاذ عدد من القرارات والتعديلات التي استهدفت تعزيز سلطات الرئيس وإضعاف الحكومة والمجلس المنتخب، فقام ممثلو فتح في آخر جلسة للمجلس التشريعي السابق بأعطاء الرئيس سلطة مطلقة في تشكيل المحكمة الدستورية، وعلى ديوان الموظفين. وأصدر الرئيس مراسيم يضع فيها الأجهزة الإعلامية التابعة للسلطة تحت الإشراف المباشر للرئيس. وعلى الصعيد الأمني، أصدر مرسوماً بتأسيس هيئة خاصة لإدارة المعابر الحدودية ووضع معبر رفح تحت سيطرة أمن الرئاسة، ومرسوماً آخر بتعيين رشيد أبو شباك، مديراً للأمن الداخلي، مشرفاً على الأمن الوقائي والدفاع المدني والشرطة، وهي الأجهزة التي كانت سابقاً تتبع وزارة الداخلية؛ كما عُيِّن سليمان حلس مديراً لجهاز الأمن الوطني .وهو ما فسرته حماس بأنه محاولة إسقاط وإفشال لحكومتها حتى قبل أن تبدأ عملها. كما اشتكت الحكومة بمرارة من عدم تعاون الكثير من المسؤولين التنفيذيين الموالين للرئاسة أو لفتح.
- ليس ثمة من شك في أن الأزمة التي عاشها الوضع الفلسطيني الداخلي كانت في جذورها أزمة سياسية، أزمة الرفض الإسرائيلي – الأمريكي للتحول الديموقراطي الذي شهدته الساحة الفلسطينية، وأزمة رفض أركان السلطة الفلسطينية السابقة التخلي عن الحكم والسيطرة على القرار الفلسطيني للحكومة الجديدة التي تقودها حماس. هذا، فضلاً عن الاختلاف على الخط السياسي بين حماس وفتح. وفي ظل هذه الأزمة، تصاعد الحصار الدولي على الحكومة والشعب الفلسطيني.
- كان الانفلات الأمني، وتكرار الصدامات المسلحة بين القوى التابعة لحماس والأخرى التابعة للرئيس أو المحسوبة على أجنحة معينة في حركة فتح، هو أكثر مظاهر الأزمة استفزازاً لمشاعر الفلسطينيين. فقد قتل نتيجة الفلتان الأمني 322 فلسطينياً في الفترة 1/1 - 30/11/2006، منهم 236 في قطاع غزة و86 في الضفة الغربية، مقارنة بـ 176 فلسطينياً قتلوا طوال سنة 2005.
- أكدت تطورات أحداث 2006 أن دافع حماس من وراء المشاركة في الانتخابات، تجنباً لضربة عسكرية واسعة، وحماية لبرنامج المقاومة وإعطائه الشرعية، كان حقيقياً وواقعياً. غير أن حماس ربما لم تدرك الحجم الهائل من الضغوط والتحديات التي ستواجهها، عند مشاركتها في قيادة السلطة، أو عند محاولتها تنفيذ برنامجها في الإصلاح والتغيير.
- كانت قيادة السلطة الفلسطينية منذ تأسيس السلطة في 1994 قد عملت فعلياً وضمنياً على تهميش المنظمة وإهمالها، ربما في تحضير للرأي العام الفلسطيني للاتفاق النهائي حول القضية الفلسطينية. وكان ذلك التهميش في جوهره تخلصاً من الشتات، بلاجئيه وفصائله. ولكن ما إن أعلنت نتيجة الانتخابات التشريعية، حتى سارعت قيادة السلطة إلى اللجوء لشرعية المنظمة من جديد، حيث سعت، من ناحية، إلى توكيد عزل حكومة حماس عن ملف المفاوضات، ومن ناحية أخرى، إلى فرض البرنامج السياسي للمنظمة على الحكومة. ولكنها من حيث لم تقصد، ربما، ضاعفت من أهمية التوجه الفلسطيني المتسع إلى إعادة بناء المنظمة وإعادة الحيوية لأجهزتها .
- وبالرغم من أن اتفاق مكة قد وفر فرصة كبيرة لإعادة التوافق الفلسطيني الداخلي وتشكيل حكومة وحدة وطنية، فإن استحقاقات فوز حماس في الانتخابات ومشاركتها القوية في سلطة الحكم الذاتي، يفرض استحقاقات تتجاوز تشكيل حكومة الوحدة. من هذه الاستحقاقات، ضرورة إدراك خطورة اعتماد السلطة الفلسطينية على المساعدات الأمريكية - الأوروبية، مما يعني الارتهان للإرادة الإسرائيلية. فهذا الارتهان يشكل خطراً على كامل القضية الفلسطينية، ولذلك فإن تحرير الإرادة الفلسطينية من هذا الارتهان، والعودة إلى الدعم العربي والإسلامي الرسمي الشعبي، يجب أن يكون من أولوية أولويات العمل الوطني. ومن هذه الاستحقاقات، إعادة بناء هيكل سلطة الحكم الذاتي على أساس وطني، بمعنى التخلص من الطبيعة السياسية الفئوية لأجهزة الأمن وللبيروقراطية الفلسطينية، التي جعلت مؤسسات السلطة وكأنها امتداد لحركة فتح. والأهم من ذلك هو بدء العمل الفعلي لإعادة بناء منظمة التحرير وتفعيلها، وجعلها أكثر تمثيلاً لحقيقة الاتجاهات السياسية الفلسطينية وللشعب الفلسطيني ككل. وأخيراً، ضرورة التوصل إلى برنامج مقاومة وطني.
المشهد الإسرائيلي الفلسطيني: سنة الارتباك وخلط الأوراق:
- من الناحية الاستراتيجية، تميزت سنة 2006 اسرائيلياً بإعادة تشكيل الخريطة السياسية الحزبية، وبتراجع خيار الانسحاب الأحادي الجانب، وبالفشل النسبي في إدارة الملفات الأمنية والعسكرية.
- لقد كانت سنة "ارتباك" و"أوراق مختلطة" بالنسبة للإسرائيليين، فقد بدأوا سنة 2006 بآمال كبيرة في القدرة على فرض تصوراتهم الخاصة بالتسوية على الفلسطينيين، وتنفيذ مشروع الانسحاب أحادي الجانب. غير أن فوز حماس في الانتخابات، والفشل الإسرائيلي الذريع في الحرب على حزب الله ولبنان، قد أربك الإسرائيليين، وخلَط الأوراق، وأفقد القيادة الإسرائيلية القدرة على تحديد الاتجاهات، وأضعف شعبيتها؛ مما أدّى إلى تراجعها عن تنفيذ الانسحاب أحادي الجانب، وإلى إعادة النظر في خياراتها وأولوياتها.
12.شهدت الساحة السياسية الداخلية الإسرائيلية "غيبوبة" الجنرال أريل شارون، و"غيبة" الإرادة عن تنفيذ برنامج الانسحاب الأحادي الجانب، و"تغييب" أكبر وتراجع أكثر لدور الجنرالات في صناعة القرار السياسي الإسرائيلي، و"غياب" أوضح للقادة التاريخيين عن قيادة المشروع الصهيوني والدولة العبرية. وتزايد مظاهر الفساد في الأوساط السياسية، وتراجع الثقة في المؤسسات الحكومية والجيش. وهذا يعبر عن حالة من التأزم في المشروع الصهيوني.
- التقت الأحزاب الإسرائيلية الرئيسية (بما فيها كاديما والعمل والليكود) في برامجها الانتخابية على معظم القضايا الحساسة المتعلقة بالتسوية:
§ رفض عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى الأرض المحتلة سنة 1948 "إسرائيل".
§ بقاء القدس الموحدة عاصمة أبدية لـ"إسرائيل".
§ رفض الانسحاب الكامل من الأراضي المحتلة سنة 1967.
§ إبقاء الكتل الاستيطانية في الضفة الغربية تحت السيطرة الإسرائيلية.
§ إتمام بناء الجدار الفاصل.
§ رفض التفاوض مع السلطة الفلسطينية بقيادة حماس.
وعلى ذلك، فلا تنبغي المراهنة كثيراً على التغيرُّات في القيادة السياسية الاسرائيلية، خصوصاً إذا تعلق الأمر بالقضايا المفصلية.
- شهدت انتخابات الكنيست السابع عشر أقل نسبة عدد من المشاركين في الانتخابات في تاريخ "إسرائيل"، حيث بلغت 63.5%، وأعادت نتائج انتخابات تشكيل الخريطة السياسية الحزبية الإسرائيلية، فكانت صعوداًِ متوقعاً لكاديما الذي لم يتجاوز عمره ستة أشهر ، وهبوطاً مُدوِّياً لليكود الذي خسر نحو 70% من ناخبيه ومن مقاعده في الكنيست، وإعادة تموضع داخلي للعمل، واختفاءً لشينوي، وتصويتاً اجتماعياً فئوياً للمتقاعدين. وأظهرت الانتخابات في الوسط العربي شعبية كبيرة للقوائم العربية في المدن والبلدات العربية، غير أن الأحزاب الصهيونية حققت أغلبية كبيرة في الوسط الدرزي، وفي التجمعات البدوية في الشمال، وهو ما يستدعي وقفة تقييم ومراجعة.
- شكل إيهود أولمرت الحكومة الحادية والثلاثين منذ إنشاء "إسرائيل" وحصلت على الثقة في 4/5/2006، وقد تضمن برنامج الحكومة سعيها إلى بلورة الحدود الدائمة لـ"إسرائيل" كدولة يهودية ديموقراطية، وأكدت أنه في غياب المفاوضات مع الفلسطينيين فإنها ستقوم بتحديد أراضي "إسرائيل"، كما أكدت الحرص على استكمال بناء الجدار العازل. وقد لاحقت الإخفاقات السياسية والعسكرية حكومة أولمرت، وضعفت شعبيتها، في الوقت الذي تصاعدت فيه شعبية التيارات اليمينية.
- بلغ عدد سكان "إسرائيل" في نهاية سنة 2006 سبعة ملايين و114 ألفاً، بينهم خمسة ملايين و392 ألف يهودي أي نحو 75.8% من السكان. واستمرت معدلات الهجرة اليهودية إلى "إسرائيل" بالانخفاض، فهاجر 20,955 مهاجراً يهودياً جديداً فقط. كما تشير التقديرات إلى وجود 700–750 ألف إسرائيلي يعيشون خارج "إسرائيل". وتعيش "إسرائيل" هاجساً ديموغرافياً كبيراً مرتبطاً بنضوب مصادر الهجرة اليهودية، والتزايد السكاني الفلسطيني.
- تشير الإحصاءات الرسمية الإسرائيلية إلى أن الاقتصاد الإسرائيلي حقق نسبة نمو بلغت 5% سنة 2006 مقارنة بنسبة 5.2% حققها سنة 2005، وقد ارتفع الناتج المحلي الإجمالي إلى 140 ملياراً و472 مليون دولار سنة 2006، مقارنة 129 ملياراً و750 مليون دولار سنة 2005، بينما بلغ معدل دخل الفرد 19,900 دولار. ولا تزال أمريكا الداعم الأكبر والشريك التجاري الأول لإسرائيل. فقد تلقت "إسرائيل" سنة 2006 دعماً أمريكياً رسمياً بقيمة مليارين و630 مليون دولار. وخلال الفترة منذ سنة 1949 وحتى نهاية 2006 بلغ مجموع الدعم الأمريكي الرسمي لـ"إسرائيل" 96 ملياراً و766 مليون دولار.
- في سنة 2006 تعرضت المؤسسة العسكرية الإسرائيلية إلى الاهتزاز بسبب الفشل الذريع في الحرب ضد حزب الله ولبنان، وما تلا ذلك من انكشاف التقصير في العديد من أنظمة القيادة والعمل واستخدامات الأسلحة، وتدمير سمعة دبابات الميركافا، فضلاً عن استقالة العديد من ضباط الجيش وقياداته. وقد بلغت النفقات العسكرية الإسرائيلية لسنة 2006 ما مجموعه11 ملياراً و356 مليون دولار، غير أن إيرادات مبيعات السلاح عادة ما تذهب إلى ميزانية الجيش الإسرائيلي دون ذكرها في ميزانية الحكومة، حيث بلغت مبيعات الأسلحة الإسرائيلية لسنة 2006 أربعة مليارات و400 مليون دولار.
- الجيش الإسرائيلي العامل يبلغ مجموعه 176,500 عنصر، أما قوات الاحتياط فيبلغ عددها 445 ألفاً، وهناك أيضاً 7,650 من قوات حرس الحدود. وفي سنة 2006 كان الجيش الإسرائيلي يملك 3,890 دبابة، و845 طائرة مقاتلة، و291 طائرة هليوكبتر، ونحو 200 قنبلة نووية، ويمتلك ثلاث غواصات و15 سفينة حربية...وغيرها. كما استلم الدفعة الأولى من طائرات إف-16 أي (سوفا) (Sufa) F-16I واستلم سلاح الطيران دفعة من طائرات الهليوكبتر الأباتشي لونجبو (سراف) الهجومية. كما ستستلم البحرية غواصتين ألمانيتين من نوع دولفين Dolphin بإمكانهما التسلح بسلاح نووي.
- حاولت "إسرائيل" منع مشاركة حماس في الانتخابات التشريعية إلا بعد تطويعها ونزع أسلحتها، لكن حماس فرضت نفسها نضالياً وشعبياً بحيث لم يعد من الممكن تجاوزها. وأصيبت إسرائيل بصدمة وارتباك وبلبلة، نتيجة فوزحماس، إذ لم يكن لدى حكومتها سياسة واضحة، لا على المستوى التكتيكي ولا الاستراتيجي. ورأت "إسرائيل" في صعود حماس تحدياً استراتيجياً، ولاحظ خبراؤها بأن "العملية السلمية التي هدفت إلى تخليص السلطة الفلسطينية من الإرهاب هي نفسها التي أحضرت قادة الإرهاب إلى السلطة".
- قررت "إسرائيل" مقاطعة الحكومة الفلسطينية التي ستشكلها حماس إلا إذا اعترفت بـ"إسرائيل"، ونبذت العنف و"الإرهاب"، ونزعت أسلحة المنظمات "الإرهابية"، ووافقت على الاتفاقات التي تم التوقيع عليها بين "إسرائيل" وبين م.ت.ف. والسلطة الفلسطينية. وقد أصبحت هذه المطالب هي المطالب نفسها تقريباً التي حددتها الرباعية الدولية (الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وروسيا، والأمم المتحدة) للتعامل مع الحكومة الفلسطينية. كما قررت تنفيذ حصار اقتصادي خانق ضد الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع. واستخدمت إمكاناتها كقوة احتلال في إغلاق الحدود البرية والبحرية والجوية الفلسطينية، ومنع نقل البضائع دون إذنها ومراقبتها وإشرافها. وتضمنت الإجراءات الإسرائيلية متابعة سياسة الاغتيالات، والسعي لإسقاط حماس بالقوة. وتؤكد هذه الإجراءات مدى النفوذ العالمي الذي لا يزال يتمتع به المشروع الصهيوني، تحت الرعاية الأمريكية؛ وتجاوزه لكافة المعايير والقيم، بغطاء دولي، عندما يتعلق الأمر بتحقيق مصالحه.
- اتسمت سنة 2006 من ناحية العدوان الإسرائيلي والمقاومة الفلسطينية، بتصاعد عمليات الاغتيال والاجتياحات الإسرائيلية خصوصاً ضد قطاع غزة، ودخول إسقاط حكومة حماس وإفشال تجربتها ضمن الأجندة العسكرية الإسرائيلية. واتسام معظم الفعل الفلسطيني المقاوم بالسلوك الدفاعي وردود الفعل ضد الاجتياحات والاعتداءات الإسرائيلية. وتضاعف اعتماد المقاومة على إطلاق الصواريخ، خصوصاً من قطاع غزة، فبلغت 1,700 صاروخاً سنة 2006، مقابل 400 صاروخ تم إطلاقها سنة 2005. غير أنه تم استفراغ الكثير من طاقات وإمكانات المقاومة الفلسطينية في الصراع الداخلي وخصوصاً بين فتح وحماس، وهو ما شوّه صورة المقاومة وأضعفها.
- استشهد سنة 2006 ما مجموعه 692 فلسطينياً، منهم 556 في قطاع غزة، وتم تنفيذ 85 عملية اغتيال استشهد فيها 189 فلسطينياً، بينهم 134 مستهدفاً. وبلغ عدد القتلى الإسرائيليين سنة 2006 (من دون احتساب حرب لبنان) 32. واعترف الإسرائيليون بتعرضهم إلى 2,135 هجوماً سنة 2006 انطلق نصفها من قطاع غزة، كما نفذت المقاومة الفلسطينية أربع عمليات استشهادية فقط خلال سنة 2006. وقد اعترف جهاز الأمن الإسرائيلي "الشاباك" بأنه اعتقل سنة 2006 نحو 279 شخصاً، ادعى أنهم منفذون محتملون لعمليات استشهادية مقارنة مع 154 تم اعتقالهم للسبب نفسه سنة 2005. وادعى جهاز الأمن الإسرائيلي أنه تمكن من منع 71 عملية استشهادية، من بينها 45 حالة كان أصحابها قد وضعوا فيها الأحزمة الناسفة على أجسادهم. وهذا يؤكد أن جذوة المقاومة لا تزال راسخة في الشعب الفلسطيني، لكنها تحتاج إلى تفعيل وتوجيه.
- كان الاعتقال أحد وسائل الاحتلال الإسرائيلي في كسر إرادة الشعب الفلسطيني وتطويعه، كما استخدمها كورقة مساومة في المفاوضات، فضلاً عن كونها أسلوباً معتاداً في مواجهة المقاومة وفصائلها. وحسب الإحصاءات الفلسطينية الرسمية كان في سجون الاحتلال 9,200 سجين في مطلع سنة 2006، ومع نهاية السنة نفسها كان يوجد في سجون الاحتلال 11 ألف سجين. وخلال سنة 2006 تم اعتقال 5,671 فلسطينياً، منهم 5,425 من الضفة الغربية و246 من قطاع غزة، بقي من مجموع هؤلاء في السجون نحو 2,500. وإثر عملية أسر الجندي الإسرائيلي "جلعاد شاليط"، قام الإسرائيليون باعتقال عشرة من وزراء الحكومة الفلسطينية، بقي منهم في السجون حتى نهاية 2006 أربعة. ومع نهاية العام كان لا يزال في السجون 34 نائباً. ومن هؤلاء 24 نائباً اعتقلوا بعد أسر الجندي الإسرائيلي شاليط وجميعهم محسوبون على حماس.
- يعترف الاستراتيجيون الإسرائيليون بأن معضلة "إسرائيل" تكمن في التوفيق بين الاستمرار في عملية الاحتلال، وبين السعي لإيجاد دولة يهودية تتمتع بأغلبية مريحة، ويُنبِّهون إلى أن عامل الوقت يسير ضد تحقيق هدف وجود "إسرائيل" كدولة يهودية ديموقراطية، كما يسير ضد مشروع الدولتين، حيث تشير التقديرات إلى أنه في سنة 2010 تقريباً سيتجاوز عددُ الفلسطينيين في حدود فلسطين التاريخية عددَ اليهود. وقد ينبني على ذلك "مخاطر" أن يتوقف الفلسطينيون عن المناداة بحلِّ الدولتين، ويعودون للمطالبة بالدولة الواحدة وبحقوقهم المدنية والسياسية، وبالسعي لإزالة النظام العنصري الإسرائيلي على طريقة نضال السود في جنوب أفريقيا، مما قد يفتح المجال، ولو من الناحية النظرية، لإنهاء الطبيعة اليهودية للدولة وفق قواعد واعتبارات قد يقبلها المجتمع الدولي.
- وتواجه "إسرائيل" تحدياً استراتيجياً معقداً بسبب فشلها في فرض الحلول التي تريدها على الطرف الفلسطيني، وتصاعد قوة حماس وحزب الله والحركات الإسلامية في المنطقة، وتنامي مخاطر التهديد النووي الإيراني، وتصاعد قوة المقاومة في العراق وأفغانستان، وانتشار ما يسمى "الإرهاب" المعادي بشكل مطلق لـ"إسرائيل" وأمريكا.
- مع بدء سنة 2006 كانت القناعات الإسرائيلية تتزايد بضرورة تجاوز مشروع "خريطة الطريق"، والاتجاه بشكل أكثر وضوحاً وحسماً نحو فرض الحل الأحادي الجانب، الذي أخذ يجد له أشكال دعم متفاوتة لدى مختلف التيارات الصهيونية المحسوبة على اليسار والوسط واليمين، وإن كان ذلك بديباجات مختلفة. وقد تسربت أنباء (أكدتها شواهد عدّة) أن "اسرائيل" تسعى إلى تنفيذ خطة سياسية بديلة عن خريطة الطريق، تستند على أساس أن تشرع "إسرائيل" والولايات المتحدة في مباحثات سرية للاتفاق على الحدود الشرقية لـ"إسرائيل"، حيث تتولى أمريكا دور الوصي أو الوكيل عن الفلسطينيين. على أن يتم الإعلان عن الاتفاق باعتباره إنجازاً أمريكياً تاريخياً، وباعتبار أمريكا الوحيدة التي نجحت في دفع "إسرائيل" للانسحاب من أكثر مناطق الضفة، أو السماح بإقامة دولة فلسطينية ذات امتداد جغرافي في الضفة. وبعد ذلك يتم السعي لتوفير دعم وغطاء دولي للاتفاق.
- أصرَّ محمود عباس، على الرغم من فوز حماس في الانتخابات وتشكيلها الحكومة الفلسطينية، على إمكانية متابعة المفاوضات، لكن الإسرائيليين اتهموا عباس بالضعف وعدم القدرة على تنفيذ التزاماته. وحافظت "إسرائيل" على خيط اتصالها بعباس، ومنحته حرية الحركة، وراوحت بين محاولات تشجيعه أو الضغط عليه لإسقاط حكومة حماس، وإجراء انتخابات جديدة. كما عملت في الوقت نفسه على إثارة الفوضى والفلتان الأمني والصراع الفلسطيني، في الوقت الذي رفضت فيه الدخول في أية مفاوضات حقيقية.
- في النصف الثاني من سنة 2006 بدأ الإحباط يَدبُّ بشكل سريع تجاه تنفيذ خطة الانطواء أو التجميع إثر فشل الهجوم على حزب الله ولبنان، وإثر تراجع شعبية أولمرت وحزب كاديما، والفشل في إسقاط حكومة حماس، وظهور قناعات بضرورة دعم محمود عباس ورئاسة السلطة، وظهور صعوبات عملية أمنية واقتصادية وقانونية عند دراسة تطبيقات الخطة على الأرض. وعلى الرغم من أن انتصار حماس في الانتخابات التشريعية وتشكيلها للحكومة قد عزز من فكرة عدم وجود شريك فلسطيني، في مشروع التسوية، وبالتالي زاد من مبررات الحل أحادي الجانب؛ إلا أن الانسحاب من مساحات واسعة من الضفة كان سيعدّ انتصاراً لحماس، وسيكون من الصعب جداً تسويقه.
- لا يزال الإسرائيليون قادرين فقط على الحوار أو التفاوض مع أنفسهم، ولكنهم لا يملكون الإرادة ولا الجدية اللازمة للتفاوض مع الفلسطينيين أو العرب، حتى وفق قرارات "الشرعية الدولية". ويرتبط جوهر مشروع التسوية بالنسبة إليهم بحل مشكلة الإسرائيليين وليس الفلسطينيين، حيث لم يستوعب الوعي الإسرائيلي حتى هذه اللحظة أن الفلسطيني إنسان يستحق أن يمارس إنسانيته في العودة إلى أرضه والعيش فيها بحرية وكرامة، ويستحق أن يقرر مصيره في دولة كاملة السيادة.
- اليمين والوسط واليسار الإسرائيلي يحاولون الهرب من الواقع بتقديم حلول غير واقعية، وهي فلسفة تميل إلى التحايل على الأزمة وليس إلى علاجها، وهو ما يؤدي في نهاية المطاف إلى اتساعها وتزايدها، لتحمل في طياتها المستقبلية مخاطر حقيقية على المشروع الصهيوني. وبالتالي فإن سنة 2007 لا تحمل ما يبعث على التفاؤل بحدوث اختراقات أو إنجازات حقيقية في مسار الأحداث، طالما أن العقلية الإسرائيلية السائدة هي نفسها، وتلجأ تقريباً إلى استخدام الأدوات والوسائل نفسها.
الحرب الإسرائيلية على لبنان وحزب الله:
- اختلفت هذه الحرب عن كل حروب "إسرائيل" السابقة من زوايا عديدة: الأهداف التي سعت إليها، وطبيعة الخصم الذي واجهته، والفترة الزمنية التي استغرقتها الحرب، وكذلك النتائج والتداعيات التي ترتبت عليها محلياً وإقليمياً ودولياً.
- كان من الواضح أن الإعداد لهذه الحرب كان يجري منذ شهورٍ طويلةٍ سبقت عملية حزب الله، وأن تنسيقاً أمريكياً إسرائيلياً بدأ قبل وقت طويل ، واستهدف وضع خطط مشتركة لتدمير البنية العسكرية لحزب الله، كمقدمة لتغيير قواعد اللعبة السياسية في منطقة الشرق الأوسط برمتها، وليس فقط على الساحة اللبنانية. وقد أقامت الولايات المتحدة حساباتها على أساس أن تحطيم حزب الله سيضعف النفوذ السوري في لبنان إلى الدرجة التي تدفعها لفك تحالفها مع إيران، وربما تقليص دعمها للمقاومة الفلسطينية أيضاً، والقبول في النهاية بشروط أكثر مرونة للتسوية مع "إسرائيل". فإذا ما نجحت الولايات المتحدة في تدمير برنامج إيران النووي، بالتوازي، فسيصبح الشرق الأوسط حينئذٍ مُهيأً برمَّتهِ لميلادٍ جديدٍ.
- وحين بدأت "إسرائيل" عملياتها العسكرية أعلنت أنها تبغي تحقيق الأهداف التالية:
§ تدمير البنية العسكرية لحزب الله ودفع ما تبقى من مقاتليه إلى ما وراء نهر الليطاني.
§ مساعدة الدولة اللبنانية على فرض سيطرتها على كامل التراب اللبناني، بما يسمح للجيش اللبناني بنشر قواته في الجنوب، وإخلاء المنطقة من أي عناصر مسلحة أخرى أياً كانت.
§ تمكين الحكومة اللبنانية من تنفيذ القرار 1559 الذي يتضمن نزع سلاح حزب الله وسلاح أي جماعات أو فصائل خارج نطاق سلطة الدولة، بما في ذلك سلاح الفصائل الفلسطينية.
- قام سلاح الطيران بحوالي 15,500 طلعة جوية وقام الأسطول بتحركات قتالية نفذ خلالها 2,500 عملية قصف على أهداف ثابتة، وأحكم حصاره على ساحل لبنان طوال فترة الحرب. غير أن حزب الله كان ما يزال قادراً على ضرب العمق الإسرائيلي بمئات الصواريخ يومياً، حتى اللحظة الأخيرة للحرب، مما مثل أكبر دليل على أن "إسرائيل" لم تتمكن من تحقيق أهم أهدافها وهو تدمير بنيته العسكرية.
- أدت الحرب إلى نزوح أكثر من 973 ألف شخص في لبنان، واستشهاد نحو 1100 لبناني، بينهم 400 طفل، وقدرت الخسائر المادية بثلاثة مليارات و612 مليون دولار. وبلغت الخسائر الاقتصادية الإسرائيلية نحو خمسة مليارات و227 مليون دولار، غير أن التداعيات الأمنية والاستراتيجية البعيدة المدى أهم بكثير من هذه الخسائر. فلأول مرة تجد "إسرائيل" نفسها، مضطرة للاستمرار في حرب طويلة على هذا النحو (33 يوماً)، ومع استمرارها كانت تتقلص وتتآكل الأهداف التي حددتها لنفسها في البداية، ولأول مرة ينجح الخصم في نقل المعركة إلى أراضيها هي، ويجبر أكثر من مليون إسرائيلي من العيش في رعب داخل الملاجئ أياماً طويلة.
- سعت الولايات المتحدة إلى عرقلة أي محاولة لطلب انعقاد مجلس الأمن، ومنح "إسرائيل" كل ما تحتاجه من وقت لإنجاز أهدافها، كما حرصت على التأكد من أن أي قرار يتخذه مجلس الأمن، حين تصبح الظروف مهيأة لانعقاده، سيلبي كل الشروط الإسرائيلية والأمريكية. وقد جاء قرار مجلس الأمن رقم 1701 محصلةً لتفاعل موازين القوى العسكرية والسياسية للأطراف المشتبكة في الصراع على نحو مباشر أو غير مباشر. وكان إلقاء الولايات المتحدة بكل ثقلها السياسي وراء "إسرائيل"، قد مَكَّنَها من الحصول على مكاسب سياسية أكبر مما سمحت به موازين القوى على ساحة القتال. حيث يظهر من القراءة القانونية للقرار أنه منحاز بشكل واضح للموقف الإسرائيلي. غير أن قراءة سياسية مبنية على موازين القوى الفعلية على الأرض، تظهر أن أي تسوية وفق موازين القوى الراهنة، سوف تؤدي حتماً إلى مبادلة الأسرى الإسرائيليين بالأسرى اللبنانيين، وإلى عودة مزارع شبعا إلى السيادة اللبنانية، وهما المطلبان الرئيسيان لحزب الله.
- وعلى الأرجح، سوف تصُبّ نتائج الحرب لصالح اليمين الإسرائيلي ، وهو ما من شأنه تعقيد فرص التوصل إلى تسوية شاملة للصراع العربي الإسرائيلي، وما قد يؤسس لحرب جديدة ليس ضد حزب الله أو لبنان هذه المرة، وإنما ربما ضد سوريا وإيران أيضاً.
القضية الفلسطينية والعالم العربي:
- أوجد فوز حماس في الانتخابات الفلسطينية لاعباً جديداً في الساحة الفلسطينية، يحمل رؤية نضالية وخطاباً سياسياً جديداً، لم تتعود الدول العربية التعامل معه من قبل. وقد قام وفد حماس بزيارات تفاوتت في مستويات نجاحها إلى مصر والسعودية واليمن والسودان وليبيا ودولة الإمارات العربية والبحرين والكويت وقطر وعُمان.
- أشادت جامعة الدول العربية بالانتخابات التشريعية الفلسطينية، وبالنتائج التي أفرزتها، واعتبرتها نزيهة وشفافة. وطالبت بضرورة قبول واحترام نتائجها لأنها تعكس خيارات الشعب الفلسطيني وإرادته. غير أن الأمانة العامة لجامعة الدول العربية لم توجه الدعوة الرسمية للحكومة الفلسطينية أو وزير خارجيتها للمشاركة في القمة العربية، بينما وجهت الدعوة لرئاسة السلطة الفلسطينية، والتي لم تشرك أحداً من حماس في وفدها المشارك في القمة.
- أكدت القمة العربية على تمسكها بالمبادرة العربية للسلام، وأشاد الملوك والرؤساء العرب، بالممارسة الديموقراطية في فلسطين ونزاهة الانتخابات التشريعية وشفافيتها. وأعربوا عن تأييدهم التام للسلطة الوطنية الفلسطينية وقياداتها ومؤسساتها في سعيها للحفاظ على الوحدة الوطنية، وطالبوا المجتمع الدولي باحترام إرادة الشعب الفلسطيني في اختيار قيادته، وعدم التدخل في شؤونه الداخلية، ورفض الإجراءات الإسرائيلية أحادية الجانب.
- تعاملت مصر بنوع من البرود مع الحكومة الفلسطينية، آخذة في الاعتبار الخلفيات الإخوانية لحماس، والتزاماتها في السلام مع "اسرائيل". غير أنها لعبت دوراً نشطاً في التوفيق بين فتح وحماس، ومنع الاقتتال الداخلي، وضبط الفلتان الأمني.
- قدمت سورية دعماً قوياً لحماس ولحكومتها، وعدّت انتصار حماس دعماً لخطِّها السياسي، ولدورها في الصراع العربي الإسرائيلي، كما قوى موقفها في مواجهة الضغوط الأمريكية.
- شاب العلاقات الأردنية مع حماس وحكومتها الكثير من الحساسية، التي تصاعدت في ربيع 2006 إلى درجة العداء واتهام الحكومة الأردنية لحماس بتهريب السلاح واستهداف أمن الأردن، وهو ما نفته حماس؛ غير أن العلاقة اتجهت إلى التهدئة، والسعي للوصول إلى تفاهمات مشتركة مع نهاية العام. وفي الوقت نفسه حافظت الأردن على علاقاتها المتينة مع رئاسة السلطة.
- استمرت السعودية في دورها الكبير الداعم للشعب الفلسطيني وفي التخفيف عن معاناته، وحرصت على لعب دور متوازن بين رئاسة السلطة وبين حكومتها. وتزايد دورها مع نهاية السنة في التوفيق بين فتح وحماس، والسعي لتشكيل حكومة وحدة وطنية؛ وهو ما تكلل في النهاية باتفاق مكة في فبراير 2007.
- لم تنجح الدول العربية في فك الحصار المضروب على الشعب الفلسطيني، ولم تبذل جهوداً جادة لكسره، وتعامل بعضها بحذر وعداء أحياناً مع حماس. ولا زال الضعف والتفكك العربي يعكس نفسه بشكل سلبي على الوضع الفلسطيني، ويوفر هوامش أوسع للجانب الإسرائيلي لفرض برامجه وتصوراته. وإذا كان الجرح النازف في العراق قد أسهم في تراجع الحالة العربية وتشتيتها، لكن المقاومة العراقية القوية، والمستنقع الذي وجد الأمريكان أنفسهم فيه، قد زاد من آمال الفلسطينيين في إضعاف الهيمنة الأمريكية في المنطقة وإفشال مخططاتها التي تخدم المشروع الصهيوني في المنطقة.
- وعلى الرغم من أن بعض الدول العربية استمرت في علاقاتها السياسية والاقتصادية مع "إسرائيل"، إلا أن الأغلبية العربية الشعبية لا تزال ترفض التطبيع وتقاطعه. ولذلك ظل التبادل التجاري والثقافي أدنى بكثيرمما يخطط له ويأمله الإسرائيليون.
- لا يبدو أن سجل منظمة المؤتمر الإسلامي الحافل بالبيانات والتصريحات، والمفتقر إلى العمل والإنجازات قد اختلف في سنة 2006 عنه في السنوات السابقة. غير أن الأمين العام الجديد للمنظمة أكمل الدين إحسان أوغلو، قد حاول أن يكون أكثر فاعلية ونشاطاً ضمن صلاحياته المحدودة، وضمن منظمة يتقاذف أعضاءها الـ 57 الكثير من الخلافات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بحيث تصبح القواسم المشتركة التي يمكن أن تحركها قليلة، وفارغة المحتوى في كثير من الأحيان.
- أما تركيا فقد استمرت في علاقاتها السياسية والاقتصادية والعسكرية المميزة مع "إسرائيل". ولم تفلح حكومة حزب العدالة والتنمية، على الرغم مما تتمتع به من شعبية واسعة وأغلبية برلمانية كبيرة، من إحداث تغييرات ملموسة في العلاقة مع "إسرائيل"، في ظل النفوذ الراسخ للجيش والقوى العلمانية المؤيدة لاستمرار العلاقات معها. وكان استقبال العدالة والتنمية لوفد حماس، وبعض الدعم المادي للفلسطينيين، تعبيراً خجولاً عن مشاعر المساندة، ومحاولة للعب دور أكثر توازناً تجاه القضية الفلسطينية. ولا يتوقع أن تتغير هذه السياسة، على الأقل في بعدها الحذر تجاه حكومة حماس، قبل اكتمال استحقاقي الانتخابات الرئاسية التركية والانتخابات النيابية2007.
- حافظت إيران طوال السنوات الماضية على موقفها الثابت الداعم للشعب الفلسطيني وحركات المقاومة والرافض للاعتراف بإسرائيل. وقد لعبت التهديدات المحتملة التي تتعرض لها إيران إسرائيلياً وأمريكياً، بسبب سياساتها ومواقفها أو بسبب ملفه النووي، دورها في تعميق الموقف الإيراني وتقويته؛ فاعتبرعلي خامنئي أن "انتصار حماس هو تحقيق للوعد الإلهي بالانتصار للمجاهدين". كما أن مواقف الرئيس الإيراني أحمدي نجاد من لا شرعية وجود "إسرائيل" وحتمية زوالها فاقم من الهجوم السياسي والإعلامي الغربي على إيران. وكان لإيران دور بارز في تقديم دعم مادي لحماس وحكومتها وللشعب الفلسطيني يزيد عن 250 مليون دولار. وعلى الرغم من العلاقة الحميمة مع إيران إلا أن حماس حافظت على استقلالها، كما احتفظت بعلاقات متوازنة مع عدد من الدول العربية والإسلامية.
- وفي باكستان يرى نظام الحكم بزعامة برويز مُشرّف أن علاقته بـ"إسرائيل" تفيده في تطوير علاقاته بالولايات المتحدة والحصول على دعمها، كما تفيد في تحقيق منافع اقتصادية وعسكرية، خصوصاً في ضوء تنافسه مع الهند، وفي ضوء تنامي العلاقات الهندية - الإسرائيلية. لكن الحكومة الباكستانية تتعامل مع الموضوع بالكثير من الحذر ، إذ إن قوة المشاعر الإسلامية في باكستان وعداءها المستحكم لـ"إسرائيل" وللتطبيع معها، فضلاً عن المعارضة الداخلية القوية التي يواجهها نظام حكم برويز مشرّف، يجعلان من الصعب على الحكومة الباكستانية القيام بأية خطوات جدّيّة في بناء علاقات مع "إسرائيل" في هذه المرحلة. ولذلك فإن العلاقات مع "إسرائيل"، اتسمت بمزيد من الحذر خلال سنة 2006، وخفّت اندفاعتها إثر الاحتجاجات الشعبية المحلية الواسعة. وهو ما دفع باكستان لتأكيد موقفها الرافض للتطبيع قبل قيام دولة فلسطينية .
- لم تستطع "إسرائيل" خلال سنة 2006 تحقيق اختراقات حقيقة جديدة، في مجال العلاقات أو التطبيع مع بلدان العالم الإسلامي. كما أن حصارها الخانق للشعب الفلسطيني، ومحاولتها إسقاط حكومته التي انتخبها ديموقراطياً، وحربها ضد لبنان وحزب الله، قد أثارت مشاعر الغضب والاستياء ضدها في العالم الإسلامي. لكن بلدان العالم الإسلامي ومنظمة المؤتمرالتي تنضوي تحتها ظلت على المستوى نفسه تقريباً من العجز واللافاعلية وعدم القدرة على التأثير في الأحداث، وكانت، كالعادة، دون المستوى في التعامل مع فك الحصار عن الشعب الفلسطيني، أو في استخدام إمكاناتها المادية والدبلوماسية في دعم قضيته العادلة.
- وإذا كان العالم الإسلامي أظهر تعاطفاً قوياً مع شعب فلسطين الذي يعاني من الاحتلال والقهر والحصار، فإن الاقتتال الداخلي الفلسطيني قد عكس صورة سلبية خففت من التفاعل الإيجابي الإسلامي مع القضية. وهذا يؤكد مدى المسؤولية التي تتحملها القيادة الفلسطينية في تكريس الوحدة الوطنية، وفي التواصل الفاعل مع العالم الإسلامي، الذي يشكل ذخراً استراتيجياً حقيقياً لا يجوز إهماله.
القضية الفلسطينية والوضع الدولي:
- تشكل السلوك الدولي في معظمه تجاه القضية الفلسطينية خلال سنة 2006 كرد فعل على وقائع ثلاث، الأولى فوز حركة حماس في الانتخابات الفلسطينية وتشكيلها الحكومة الفلسطينية، وثانيها انعكاسات الحرب الإسرائيلية اللبنانية على القضية الفلسطينية، وثالثها التحولات البنيوية في السلطة الأمريكية والمتمثلة في الفوز الذي حققه الديموقراطيون في انتخابات الكونجرس الأمريكي.
- يمكن وصف عام 2006 بأنه من بعض أوجهه عام الحصار الدولي للديموقراطية الفلسطينية، حيث شكلت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي الرافعة المركزية لهذا الحصار. وتمثل الهدف المحوري من هذا الحصار في انتزاع تنازلات سياسية أبرزها الاعتراف بـ"إسرائيل"، والقبول بكافة الاتفاقات التي عقدتها منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية مع "إسرائيل". وفي الوقت نفسه، فإن المحور الإسرائيلي – الأمريكي واجه خلال سنة 2006 العديد من الاختلالات التي أضعفت هيبته وقبضته، وخصوصاً فشل العدوان على لبنان، والفشل في إسقاط حكومة حماس، وكذلك تَعمُّق المأزق الأمريكي في العراق.
- ومع أن الولايات المتحدة أبدت تأييدها لمشاركة حركة حماس في الانتخابات، إلا أنها لم تقبل التعامل مع القوى التي اختارها الفلسطينيون لتشكيل حكومتهم المنتخبة. وذلك يعني أن الولايات المتحدة تعطي الأولوية في تعاملها السياسي مع النظم السياسية لا على أساس ديموقراطية وصول النظام إلى السلطة، بل على أساس مدى اتساق سياسة النظام مع السياسة الأمريكية،
- يتباين الموقف الأوروبي في اتجاهه العام عن الموقف الأمريكي في مدى حدّته، أكثر من التباين في مضمونه الأساسي، فقد أوقف الاتحاد اتصالاته السياسية، وعلق مؤقتاً مساعداته المباشرة للحكومة الفلسطينية الجديدة. كان الموقف الأوروبي خلال سنة 2006 مشاركاً في الحصار المالي والدبلوماسي على الحكومة الفلسطينية مع هامش اختلاف عن الموقف الأمريكي، غير أنه من الناحية السياسية كان يميل إلى أولوية الموضوع الفلسطيني على غيره من قضايا الشرق الأوسط، كما اتسم ببعض النقد للمواقف الإسرائيلية.
- و لم يكن الموقف الأوروبي إجماعياً، حيث عبَّرت بعض الدول الأوروبية مثل السويد وفنلندا والنرويج وخبراء في المفوضية الأوروبية والمجلس الوزاري للاتحاد الأوروبي عن ضرورة اتخاذ موقف أكثر مرونة مع الحكومة الفلسطينية. بينما يشير الموقف الفرنسي إلى تراجعٍ نسبيٍ عن الموقف التقليدي الذي ينتهجه الديجوليون تجاه الشرق الأوسط، فإلى جانب تأييد الحصار على الحكومة الفلسطينية، فإن فرنسا أصبحت أكثر ميلاً لتسويغ الهجمات العسكرية الإسرائيلية، حتى إن وزير خارجيتها أشار إلى تفَّهم بناء "إسرائيل" الجدار العازل لأسباب أمنية على أراضي الضفة الغربية.
- وتشكل المسافة السياسية بين الموقف الروسي والموقف العربي بشكل عام المسافة الأقصر، قياساً للمسافات السياسية بين القوى الأخرى والموقف العربي في الموضوع الفلسطيني. وقد شكلت دعوة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لوفد من قيادة حركة حماس عقب فوز الحركة في الانتخابات اختراقاً مُهماً لمواقف الدول الكبرى، لكن روسيا بقيت حريصة على الانسجام مع بقية أعضاء اللجنة الرباعية، وذلك يعني أن روسيا حاولت اتخاذ موقف وسط في كافة الأبعاد، فهي لم تقاطع الحكومة الفلسطينية دبلوماسياً من ناحية، ولكنها التزمت بشروط اللجنة الرباعية من ناحية ثانية. وباعتبار النتيجة فإن روسيا حاولت أن تُميّز نفسها في تكتيك سلوكها تجاه الحكومة الفلسطينية، لكنها أكدت انسجامها مع توجهات القوى الدولية الأخرى فيما يتعلق بشروط التعامل مع هذه الحكومة.
- اتسمت السياسة الخارجية الصينية بصبغة براجماتية إلى حدٍ كبير منذ الإعلان عن برنامج التحديثات الأربعة عام 1978. ولذلك، عملت على انتهاج سياسة محسوبة وضعت في اعتبارها علاقاتها التجارية والعسكرية المتطورة مع اسرائيل، ومصالحها الاقتصادية الهائلة مع أمريكا، إلى جانب مواقفها التاريخية والأيديولوجية ومصالحها في العالم العربي والإسلامي. ولذلك، فقد رحبت بنتائج الانتخابات الفلسطينية، ودعت إلى "عدم اتخاذ إجراءات قد تزيد أوضاع الشعب الفلسطيني سوءاً بعد فوز حماس"، إلا أن موقفها لم يتعارض مع موقف القوى الكبرى من حيث الجوهر، ولكنه أبقى على هامش من التمايز، مع تجنّب الدخول في معارك مع أمريكا. و لم تُوجّه الحكومة الصينية دعوة صريحة للحكومة الفلسطينية أو لأي من أعضائها بشكل مباشر، واكتفت بالتعامل معها في الحدود الدنيا.
- تتسم السياسة اليابانية في الشرق الأوسط بشكل عام بتغليب البعد الاقتصادي في علاقاتها الدولية، والاستمرار في دبلوماسية "جميع الاتجاهات" التي انتهجتها اليابان منذ 1973، والتي تعني التعامل مع جميع الدول والاتجاهات السياسية بغض النظر عن تباينات هذه القوى أو الدول فيما بينها، مع عدم إغضاب أو استفزاز الولايات المتحدة. ولذلك التزمت اليابان بالتوجه السياسي للقوى الكبرى، ولكنها حاولت أن تخفف من وقع هذه السياسة على الشارع العربي بالتذكير المستمر بحجم مساعداتها للفلسطينيين ، حيث تحتل المرتبة الثانية في المساعدات المقدمة للشعب الفلسطيني. ويجدر رصد الاهتمام المتزايد لليابان بالمنطقة، وعدم التقليل من أهمية مدِّ خطوط التواصل معها بطرق مباشرة وغير مباشرة، وتشجيعها على تبني سياسات أكثر استقلالاً عن السياسة الأمريكية.
- واتساقاَ مع الموقف الدولي، فرضت الأمم المتحدة قيوداً على الاتصالات بالحكومة الفلسطينية، ونصحت موظفيها بتجنب الاتصال بقيادات سياسية من حماس أو وزراء من الحكومة الفلسطينية والاقتصار على الاتصال بالتكنوقراط ولأغراض إجرائية. أما في مجال الصراع الميداني في فلسطين، فقد واصلت الجمعية العامة للأمم المتحدة اتخاذ القرارات التي تدين "إسرائيل"، لكن مجلس الأمن فشل مرتين في إدانتها بسبب الفيتو الأمريكي.
- تدخل الاعتبارات الاقتصادية في علاقات دول العالم مع "إسرائيل"، غير أن حجم تجارة الكثير من هذه الدول مع البدان العربية هو أكبر بكثير ؛ لكنها عادة ما تسعى لإرضاء أو عدم إغضاب "إسرائيل" باعتبارها بوابة لعلاقاتها السياسية والاقتصادية مع الولايات المتحدة، كما أن بعضها يسعى للحصول على السلاح والتكنولوجيا الأمريكية المتقدمة من البوابة الاسرائيلية، فضلاً عن أن بلدان العالم العربي والإسلامي لا تقوم بأي دور جاد في استخدام نفوذها الاقتصادي لخدمة القضية الفلسطينية.
- واصل الاحتلال الإسرائيلي اعتداءه على الأرض والمقدسات طوال سنة 2006، فصادر 7,313 دونماً من الضفة الغربية. وزاد عدد المستوطنين اليهود في الضفة الغربية بنسبة 5.8% ، حيث وصل مع نهاية السنة إلى نحو460 ألف مستوطن، وهم موزعون على 155 مستوطنة، فضلاً عن 116 بؤرة استيطانية.
- ويمتد جدار العزل العنصري مسافة 703 كم ، وسيعزل خلفه 555 كم2 (أي 9.8% من مساحة الضفة الغربية)، وقد زاد عدد التجمعات الفلسطينية المتأثرة به من 76 تجمعاً في سنة 2003، إلى 159 تجمعاً في سنة 2006. و سيضم الجدار 99 مستوطنة إسرائيلية يقطنها 408 آلاف مستوطن، أي ما نسبته 85% من عدد المستوطنين المقيمين في الضفة الغربية. وقد تم استكمال بناء 408 كم، أي ما نسبته 58% من الطول الكلي للجدار. وشكل جدار الفصل ما لا يقل عن 21 جيباً مغلقاً تتحكم "إسرائيل" في الدخول والخروج بها، ويحاصر الجدار في هذه الجيوب نحو 248 ألف فلسطيني، فضلاً عن محاصرة نحو 250 ألف فلسطيني آخرين في القدس.
- وببناء الجدار الفاصل تكون "إسرائيل" قد قطعت شوطاً طويلاً في مصادرة المخزون الجوفي من مياه الشعب الفلسطيني، حيث ستحرم الشعب الفلسطيني من 12 مليون م3 من مياه الحوض الغربي، من أصل 22 مليون م3، وتقوم "إسرائيل" بانتزاع أكثر من 85% من المياه الفلسطينية من الطبقات الجوفية.
- أما شرقي القدس فبلغ عدد سكانها سنة 2006 ما مجموعه 413 ألفاً منهم 231 ألف فلسطيني، و182 ألف مستوطن يهودي. وإذا ما تم احتساب أعداد سكان القدس بشطريهاالشرقي والغربي، فإن مجموع سكان القدس يصل إلى 720 ألفاً، بينهم 475 ألف يهودي، بنسبة 66%، و245 ألف عربي بنسبة 34%. وتسعى المخططات الإسرائيلية إلى أن تحصر نسبة الفلسطينيين في القدس بشقّيها الشرقي والغربي فيما لا يزيد عن الخمس أو الربع. وتقوم بوضع المقدسيين في ظروف في غاية الصعوبة فيمنعون من الاستمرار في الإقامة في القدس إذا أقاموا خارج الوطن للدراسة أو العمل، وفي سنة 2006 سحبت إسرائيل حق المواطنة من 1,363 مقدسياً.
- تشكل مساحة الأراضي التي سيعزلها جدار الفصل العنصري في نهاية المشروع الإسرائيلي في منطقة القدس ما مساحته 151,974 دونماً أي نحو 43% من محافظة القدس، حيث سيتأثر 230 ألف فلسطيني أي نحو 56.5% من سكان محافظة القدس سلباً من إقامة الجدار. وفي سنة 2006، أكمل الاحتلال بناء نحو 89 كم، من أصل طول الجدار المقرر بناؤه والبالغ 162كم.
- وتابع الاحتلال الإسرائيلي اعتداءه على والمقدسات، إذ كُشف في 3/1/2006 عن وجود كنيسٍ يهوديٍ أسفل المسجد الأقصى مكوّنٍ من طابقين. وفي 13/3/2006 افتتح رئيس كيان الاحتلال غرفةً جديدة للصلاة في ساحة البراق. وقد قامت سلطات الاحتلال في 13/8/2006 بطرح مناقصة لهدم طرق باب المغاربة، وقد طال الاعتداء الصهيوني في القدس مقبرة "مأمن الله"؛ حيث شرعت بلدية القدس في إقامة متحف على أرض المقبرة.
الوضع السكاني:
- تشير التقديرات المنقحة للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني إلى أن عدد الفلسطينيين في العالم في نهاية عام 2006 قد بلغ حوالي 10.1 مليون نسمة، يقيم أكثر من نصفهم 50.4% في فلسطين التاريخية، ويشكلون حوالي خمسة ملايين و90 ألف نسمة، والباقي حوالي خمسة ملايين وعشرة آلاف نسمة يقيمون في الشتات. ويتوزع السكان الفلسطينيون المقيمون في فلسطين التاريخية إلى حوالي مليون و134 ألف نسمة يقيمون في الأراضي الفلسطينية التي احتلت عام 1948، أو ما أصبح يُسمى "إسرائيل"، وحوالي مليونين و480 ألف نسمة في الضفة الغربية ، وحوالي مليون و470 ألف نسمة في قطاع غزة. ويقيم في الأردن نحو مليونين و800 ألف، وفي سوريا 450ألفاً ، وفي لبنان نحو 400 ألف. أما عدد اللاجئين فيصل إلى حوالي ستة ملايين و740 ألف نسمة (في الخارج خمسة ملايين وسبعة آلاف و918، وفي الداخل مليون و732 ألفاً و801) بمعنى أن حوالي 66.7% من الفلسطينيين في العالم هم لاجئون.
- يمتاز المجتمع الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة بأنه مجتمع فتي، إذ يشكل السكان الذين تقل أعمارهم عن 15 سنة حوالي 45.7% في نهاية عام 2006. غير أن معدلات الخصوبة في الضفة الغربية وقطاع غزة قد انخفضت في العقد الأخير من القرن الماضي، حيث بلغ معدل الخصوبة الكلية 6.04 مولوداً بالاستناد إلى بيانات التعداد السكاني 1997 ثم أصبح 4.6 مولوداً عام 2003. أما معدلات الزيادة الطبيعية السنوية للسكان الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة فقد انخفضت من 3.8% إلى 3.3% خلال الفترة 1997ـ2006. ويُتوقع أن تصل نسبة الزيادة إلى 2.8% عام 2015.
- إن الضغوط الهائلة التي نتجت عن الاحتلال إدت إلى أن يتطلع نحو 30% من الفلسطينيين في الضفة والقطاع إلى الهجرة، وغالبيتهم من الشباب؛كما أن هناك 50 ألف طلب هجرة فلسطيني قدمت إلى مختلف القنصليات الأجنبية، وتضم هذه الحالات مختلف المناطق الفلسطينية وجميع الطوائف، ولكنها تتعاظم نسبياً بين المسيحيين إلى حد كبير وخطير.
الاقتصاد في الضفة الغربية وقطاع غزة:
- الاقتصاد الفلسطيني في الضفة والقطاع هو اقتصاد تحت الاحتلال. إنه أقرب إلى إدارة مجموعة من السجناء جانباً من شؤونهم الاقتصادية في سجن كبير. و"السجّان" الاسرائيلي يتحكم بالحدود والمعابر وفي حركة البضائع والأشخاص، ويستطيع قتل الناس وتدمير الممتلكات ومصادرتها، وإقامة الحواجز وتقطيع أوصال الأرض، ومنع الصادرات والواردات، فضلاً عن التحكم بمصادر المياه والكهرباء والنقل والطاقة. ولذلك فإن الوضع الاقتصادي لا يعكس إطلاقاً إمكانات الشعب الفلسطيني وطاقاته، بقدر ما يعكس الأوضاع الشاذة لشعبٍ يعاني مرارة الظلم والقهر.
- لقد نجح الاحتلال الصهيوني في ربط الاقتصاد الفلسطيني بالاقتصاد الاسرائيلي، فأصبح أكثر من ثلثي الواردات الفلسطينية تأتي من مصادر اسرائيلية، كما أن تسعة أعشار الصادرات الفلسطينية تذهب إلى السوق والمؤسسات الاسرائيلية.
- الحصار كان هو عنوان سنة 2006، وتشير التقديرات الأولية إلى إلى تراجع الناتج المحلي الإجمالي من 4,442.7 مليون دولار في العام 2005 إلى 4,150.6 مليون دولار في العام 2006، أي بما نسبته 6.6% تقريباً.
- وحسب التقديرات الأولية لعام 2006 فإن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي خلال عام 2006 تراجع عما كان عليه في العام 2005 بما نسبته 9.7%، حيث تراجع من حوالي 1,264 دولاراً إلى 1,141 دولاراً تقريباً.
- وأظهرت الميزانية عام 2006 عجزاً قبل التمويل قدره 1,376 مليون دولار، مقابل عجز مقداره 716 مليون دولار في العام 2005. و يعود السبب الرئيسي لهذا التراجع إلى توقف السلطات الإسرائيلية عن تحويل أموال السلطة الفلسطينية التي تقوم بجبايتها من إيرادات المقاصة الشهرية إلى وزارة المالية الفلسطينية، والتي تراجعت من 814.3 مليون دولار سنة 2005 إلى 68.7 مليون دولار سنة 2006، حيث كان قد تم تسليمها قبل تشكيل حكومة حماس ، أي بنسبة تراجع قدرها 91.6%.
- واصلت النفقات العامة تراجعها خلال عام 2006 عما كان عليه الوضع في العام 2005، فقد تراجعت النفقات تبعاً لتراجع الإيرادات من 1,650 مليون دولار في العام 2005 إلى 1,574 مليون دولار وبنسبة تراجع قدرها 4.6%. وقد مثّلت الرواتب والأجور ما نسبته 75% من إجمالي النفقات (1,181 مليون دولار)، وهذا يشير إلى أن السلطة هي الموظف الرئيسي للقوى العاملة.
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018