ارشيف من : 2005-2008

اتحاد أوروبي أم مشروع تفسخ جديد؟

اتحاد أوروبي أم مشروع تفسخ جديد؟

لم يتمكن من رؤية النور بسبب الـ"لا" الفرنسية والهولندية. وجاء التوقيع ليختم عشر سنوات من المفاوضات المضنية التي هدفت إلى تزويد الاتحاد الأوروبي بمؤسسات فعالة ضمن توجه نحو المحافظة على موقع أوروبا على المسرح الدولي وتعزيز هذا الموقع. وليس من قبيل الصدفة أن يتوجه الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بعد أيام على التوقيع، وقبل أيام على انعقاد القمة الأوروبية الروسية، أن يتوجه إلى الأوروبيين بما يمكن اعتباره نصائح مخلصة حقيقية، من اجل ارتقاء فعلي بأوروبا. جملة هذه النصائح أن يتكلم الأوروبيون بصوت واحد، وأن يعملوا باتجاه احترام القانون الدولي، وأن يسعوا من أجل عالم متعدد الأقطاب.‏

أي باختصار من أجل أن تكون هنالك هوية أوروبية منفتحة على قضايا العالم وغير منقادة للإملاءات الأميركية. وإذا كان بوتين قد قال هذا الكلام، فلأن أجواء المفاوضات التي أدت إلى التوقيع كانت مفعمة بالسلبيات ومفتوحة على ما هو أسوأ من العجز عن الاتفاق على دستور موحد. تم استبعاد النشيد والعلم والشعار الموحد، بما هي تجسيد رمزي لأوروبا ما فوق الكيانات الخاصة والمنغلقة على ذاتها. بريطانيا أحرزت مزيداً من الشرعية لموقفها نصف الأوروبي. فهي عضو في الاتحاد لكنها لا تعتمد اليورو، وتتمتع بحق اختيار ما يناسبها من أشكال التعاون في المجالات القضائية، ومواطنوها لن تسري عليهم وثيقة الحقوق الأساسية التي يستفيد منها سائر مواطني الاتحاد. "سلف سرفيس" على ما قاله أحد نواب البرلمان الأوروبي البريطانيين. ومع كل هذه المكاسب "الاستقلالية" التي أحرزها رئيس الوزراء غوردون براون اتهمته الصحافة البريطانية بأنه خائن، وبأنه "يهوذا" الذي باع السيادة البريطانية على مذبح "الولايات المتحدة الأوروبية"! وقد كان المسكين قد شعر بما ينتظره، ولم ينفعه، في مؤتمره الصحافي الذي سبق التوقيع ترديده لعبارة "المصلحة القومية البريطانية" تسع عشرة مرة. بولندا وقعت على الاتفاقية لكنها فرضت لنفسها حق عدم العمل بها حتى بعد العام 2017، موعد بدء وضع الاتفاقية موضع التنفيذ. ايطاليا هددت بإفشال المفاوضات إذا لم تحصل على مقعد إضافي في البرلمان.. وهلمّ جرّاً.‏

ولكن المفاوضات أسفرت عن اتفاقات إيجابية. منها الاتفاق على رئيس للمجلس بدلاً من تداول الرئاسة من قبل البلدان الأعضاء مرة كل ستة أشهر. والاتفاق على رئيس للمفوضية وعلى مفوض للخارجية وعلى رئيس لمجموعة اليورو. لكن هذه الاتفاقات تنطوي على تفجيرات كامنة: من هو الشخص الذي سيتم اختياره لهذا المنصب أو ذاك. وما هي الصلاحيات التي سيتمتع بها هذا الرئيس أو ذاك. هل سيسمح كل رئيس وكل وزير في البلدان السبعة والعشرين للرئيس أو الوزير المشترك بمنافستهم على صلاحياتهم؟ ألم تبذل بريطانيا مثلاً كل جهدها لتقلص صلاحيات وزير الخارجية الاتحادي لحساب وزير خارجيته الخاص؟ وقد لفت بعض المراقبين إلى السرعة القياسية التي عمد من خلالها الرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي، إلى اقتراح أسماء لمنصب الرئاسة. لكنهم لفتوا إلى أنه قد فعل ذلك للمن عليهم، فيما بعد، وللاستيلاء على صلاحياتهم. وهل سيتمكن المسؤولون الجدد من إثبات وجودهم في وقت يلاحظ فيه الجميع مدى المشقة التي يعاني منها رئيس مجموعة اليورو عندما يريد، في اجتماعات مجموعة البلدان الصناعية السبعة، أن يتحدث باسم المجموعة، وسط التزاحم على التحدث باسمها بين ممثلي بلدان المجموعة الأوروبيين؟ وإلى ذلك أصبح الحديث عن الانقسامات داخل الاتحاد أمراً عادياً بين دول الشمال ودول الجنوب، بين دول الشرق ودول الغرب، وبين الدول الفقيرة والدول الغنية، والدول الكثيرة السكان والدول القليلة السكان. وهلمّ جرّاً. وكل ذلك، وغيره كثير، يشكل وقائع لا تنبئ بالخير لحاضر الاتحاد الأوروبي ومستقبله.‏

ع.ح.‏

الانتقاد/ العدد 1238 ـ 26 تشرين الاول/ اكتوبر2007‏

2007-10-26