ارشيف من : 2005-2008
التهديدات : آخر حلقات المشروع الأميركي الفاشل
النووي الإيراني هو ذو طبيعة سلمية، متفقاً في ذلك مع ما يقوله الإيرانيون. وأضاف البرادعي، في مقابلة أجرتها معه مؤخراً صحيفة لومند الفرنسية، أن جميع أجهزة الاستخبارات في العالم متفقة على أن إيران، فيما لو كانت تنوي صنع سلاح نووي، فإنها لن تتمكن من ذلك قبل مضي فترة تتراوح بين ثلاث وثماني سنوات. وشدد البرادعي على أن طرح المشكلة من خلال المنطق القائل بوجوب الاختيار بين قصف إيران أو تركها لتصنع القنبلة النووية ينفتح، كما في حالة العراق، على مفاقمة المشكلة بدلاً من أن ينفتح على حلها. والواضح أن كلام البرادعي قد جاء كرد مباشر، وإن كان لم يذكر أحداً بالاسم، على التهديدات التي أطلقها الرئيس بوش، وعاد إلى تكرارها نائبه ديك تشيني، عن الحرب العالمية الثالثة وتصميم الولايات المتحدة على عدم السماح لإيران بامتلاك السلاح النووي. والواضح أيضاً أن إشارة البرادعي إلى الحالة العراقية تسمح بالقول بأن التركيز الأميركي على الجانب العسكري في البرنامج النووي الإيراني هو من نوع الدعوى الأميركية الملفقة حول أسلحة الدمار الشامل العراقية، التي تم غزو العراق تحت شعار تدميرها. أي أن بيت القصيد الأميركي هو إيران، سواء كانت او لم تكن بصدد امتلاك القنبلة النووية. وأن استهداف إيران ليس مبعثه الخوف من خطرها الراهن أو المستقبلي بقدر ما هو الخوف على مشاريع الهيمنة الأميركية والإسرائيلية في المنطقة التي تقوم إيران بالتصدي لها بشكل لم يسبق لأية قوة إقليمية أو دولية أن اضطلعت به بمثل الناجعية التي تتميز بها الإدارة الإيرانية للمواجهة المفتوحة منذ انتصار الثورة الإسلامية في العام 1979.
فالواقع أن سلوك الولايات المتحدة العدائي تجاه إيران قد بدأ لحظة قيام الثورة، واستمر من خلال العديد من محاولات الزعزعة التي بلغت أوجها خلال الحرب العراقية الإيرانية. والأكيد أن فشل هذه الحرب في تحقيق غايتها هو الذي دفع واشنطن، في ظل تأجج حلمها الإمبراطوري، بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، إلى اختلاق الأحداث التي سمحت لها باحتلال أفغانستان والعراق، لا بصفتهما بؤرتين للإرهاب وخطرين على الأمن الدولي بل، تحديداً، بصفتهما خاصرتي إيران الجغرافيتين من الشرق والغرب. والأكيد أيضاً أن الهدف الأميركي واضح من حشد الأساطيل في مياه الخليج وبحر عمان والمحيط الهندي، ومن إقامة القواعد العسكرية حول إيران في طوق يمتد من القفقاس وآسيا الوسطى وباكستان إلى بلدان الخليج. وكل ذلك حصل في وقت لم تكن إيران تمتلك فيه برنامجاً نووياً. وكل ذلك كان سيستخدم ضد إيران مباشرة، فيما لو استقبل الجيش الأميركي من قبل العراقيين بباقات الزهر، على ما كان يدور في توهمات بوش ومعاونيه وأضرابهم هنا وهناك.
فالرئيس بوش ومعاونوه سبق لهم أن أعلنوا، بعد أيام قليلة على تفجيرات أيلول/ سبتمبر 2001، أن الحرب العالمية الثالثة قد بدأت فعلاً، وأنها لن تنتهي، في إطار المهمة التي شعر الرئيس بوش بأنه مكلف بها من السماء، إلا بعد تطهير العالم من الشر، وسط إشارات كثيرة إلى الوعود التوراتية ووقفات كثيرة عند المفاهيم الصليبية. وترافقت هذه النوازع مع نوع من الإحساس بكلية القدرة، حيث سادت في أوساط المحافظين الجدد قناعة بأن أميركا قد أصبحت إمبراطورية عالمية وبأن من حقها أن تصنع التاريخ وأن توجه دفته حيث تشاء. أما عن الوسيلة في ذلك فهي بكل وضوح القوة ولا شيء غير القوة عملاً بتعاليم برنار لويس الذي أصبح مرجعية كبرى لتفكير البيت الأبيض وخصوصاً من خلال مقولته الشهيرة بأن العرب (والوعي البدائي الغربي يشمل جميع المسلمين، من عرب وأعاجم، تحت اسم العرب) لا يفهمون غير لغة القوة.
ويؤكد بعض المراقبين أن بوش، وهو معروف بتدني مستوى ثقافته بوجه عام، قد تلقى أول درس في الإستراتيجيا العسكرية خلال زيارة قام بها إلى "إسرائيل" حيث التقى شارون وتعلم منه مقولته الشهيرة القائلة بأن "السلام بالقوة" أفضل من "الأرض مقابل السلام". وكل ذلك يقدم الدليل على أن ما يجري ليس مجرد سعي إلى الدفاع عن النفس في وجه إرهاب يهدد الأمن الأميركي والدولي، أو قنبلة نووية تنوي إيران التزود بها لأغراض مشابهة. وإذا ما عدنا إلى الفترة التي أطلقت فيها أميركا حربها العالمية نجد أن إيران تكاد تكون البلد الوحيد المعارض للسياسات الأميركية، على المستوى الدولي، والذي كان قد راكم خلال العقدين الأخيرين مواقف من النوع المثير لحفيظة الأميركيين، والذي يستدعي عندهم الشعور بالحاجة إلى الانتقام، من خلال حرب تبدأ في أفغانستان والعراق وتنتهي سريعاً، من دون أن يسقط فيها جندي أميركي واحد، ببسط الهيمنة الأميركية المتصهينة على العالم. لكن الإمساك بزمام التاريخ لم يكن بهذه السهولة. فالحرب على الإرهاب ومحور الشر تحولت، وفق ما يقوله جنرال أميركي متقاعد، إلى أكبر كارثة استراتيجية في تاريخ الولايات المتحدة. وإيران التي كانت المستهدف الحقيقي لتلك الحرب قدمت الدليل تلو الدليل على أنها قادرة، في آن معاً، على مساعدة أميركا في الخروج بحل يحفظ لها ماء الوجه، أو على تعميق مأزقها في العراق وغير العراق، إضافة إلى كونها قد تمكنت من أن تطرح نفسها بصفتها الوريث الشرعي لحركات التحرر الوطني على المستوى العالمي، وحتى بصفتها الجهة الأساسية القادرة حتى على إعادة رفع لواء القومية العربية الذي سقط في كامب دافيد ومعاهدات السلام المنفردة. ناهيكم عن أنها قد لعبت دوراً أساسياً في إعادة الثقة إلى العديد من القوى الدولية التي كانت، بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، قد سلمت بالأمر الواقع الأميركي، حتى بات من الممكن اليوم لشعار تعددية الأقطاب أن يأخذ شكلاً ملموساً كان يفتقده طيلة الفترة اللاحقة للحرب العالمية الثانية. ولا ننسى الأهمية التاريخية لسقوط أسطورة الجيش الإسرائيلي على يد المقاومة في أصغر بلد عربي. وإذا كانت أميركا قد أظهرت ميلاً حقيقياً للمراجعة من خلال توصيات بيكر ـ هاميلتون والعديد من المواقف في الكونغرس والجيش والشارع الأميركي، وإذا كان معاونو بوش قد سقطوا الواحد تلو الآخر، فإن الرئيس بوش لا يزال مصراً على عدم استيعاب الدرس، وعلى المضي قدماً على طريق القفز في المجهول حتى ولو لم يبق معه غير زوجته لورا وكلبه بارني، على ما قال في أحد تصريحاته الأخيرة.
عقيل الشيخ حسين
الانتقاد/ العدد 1238 ـ 26 تشرين الاول/ اكتوبر2007
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018