ارشيف من : 2005-2008
لاريجاني يستعد للانتخابات النيابية وجليلي يخلفه: إيران مستمرة في المقاومة الدبلوماسية ومصرة على الحق النووي المشروع
الايرانيين في الملف النووي من منصبه كأمين عام لمجلس الأمن القومي الإيراني كحالة خلاف وصراع أجنحة ورؤى في ما يتعلق بهذا الملف الحساس، فإن الوقائع التي تلت الاستقالة أكدت حسب تعبير لاريجاني نفسه "ان سياساتنا الاستراتيجية تمر عبر خطط واضحة وتقرها القيادة ولا تتأثر بتغيير شخص هنا او هناك". ويبتسم دكتور الفلسفة الغربية بهدوء كعادته معلقا على تحليلات الصحافة الغربية: "أثبتت الأيام أنهم لم يفهموا بعد آليات صنع القرار في الجمهورية الاسلامية.. إننا بلد ديمقراطي وعندنا استفادة من الطاقات المتنوعة".
هذه الاستقالة وإن جاءت بعد الزيارة المهمة للرئيس الروسي وحاول البعض ربطها بإعلان لاريجاني عن مبادرة لبوتين في الشأن النووي، ومن ثم نفي الرئيس نجاد وجود مبادرة كهذه، وبالتالي صدور توضيح بعده للاريجاني، لكن المعلومات المؤكدة لـ"الانتقاد" تشير الى ان لاريجاني بعد 26 شهرا من المفاوضات النووية الناجحة باعتراف أغلب المراقبين وتمكنه من تجاوز الألغام والمصاعب الكبرى وإيصاله هذا الملف الشائك الى مراحل جيدة ومقبولة, قدم استقالته ثلاث مرات سابقا وكان آخرها قبل أسبوعين من زيارة بوتين, وكان الهدف الحقيقي من تنحيه عن هذه المهمة رغبته في العودة الى الميدان السياسي الداخلي والمشاركة بقوة في انتخابات مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان) بعد أقل من سنة، التي بدأت الأحزاب والقوى السياسية في ايران بالاستعداد لها منذ أشهر. لاريجاني صهر الشهيد مرتضى مطهري الذي انتقل بناءً على نصيحته من دراسة الرياضيات الى فلسفة الغرب، تميز بقدرة إدارية عالية وتنقل في مسؤوليات عديدة كان أهمها وزارة الثقافة، ومن ثم قيامه بنقلة نوعية في هيئة الإذاعة والتلفزيون عبر دورتين اداريتين مدة عشرة أعوام.
ترشح بعدها لرئاسة الجمهورية, ولم يجد حرجا في العمل تحت ادارة منافسه الانتخابي الدكتور أحمدي نجاد الذي عينه أمينا عاما للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، وفي الوقت نفسه اختاره قائد الثورة الإمام الخامنئي ممثلا له في هذا المجلس. وبالمناسبة فإن المجلس الأعلى للأمن القومي هو أعلى هيئة في إيران تضع السياسات الدفاعية والاستراتيجيات الأمنية والعسكرية، ويهدف الى الدفاع عن المصالح القومية في الداخل والخارج، ويضم اضافة الى رئيس الجمهورية (الذي يرأس المجلس) ورئيسي البرلمان والسلطة القضائية, قائد الأركان ووزراء الدفاع والأمن والداخلية وقادة الحرس الثوري والجيش، وممثلين عن قائد الثورة الذي تصبح قرارات المجلس نافذة الإجراء عند تصديقه عليها.
اذن فقد عاد لاريجاني الى الساحة الداخلية بعد سنتين ونيف من المفاوضات المكوكية المضنية "للفيلسوف الصغير" كما كان خصومه في المعسكر الإصلاحي السابق يلقبونه, واستحق التقدير والشكر كما يقول الدكتور محسن رضائي القائد السابق للحرس وأمين مجمع تشخيص مصلحة النظام. ان انجازات الدكتور لاريجاني سارت في محاور ثلاثة وكلها تكللت بالنجاح:
1 ـ إعادة الاعتبار لدور وكالة الطاقة الدولية وسحب الملف تدريجيا من مجلس الأمن, بحيث يقف البرادعي برغم الضغوط الثقيلة من أميركا ليعمل على حل المسائل الباقية تقنيا وحقوقيا. ويصف دعاة الحرب على إيران "بالمجانين الجدد"، ما أثار حنق جورج بوش ووزيرة خارجيته كوندوليزا رايس.
2 ـ فتح الأبواب مجددا على الحوار مع الأوروبيين بعد قطيعة سابقة بسبب عدم وفائهم بالتزاماتهم بعد تعليق ايران تخصيب اليورانيوم ما يقارب سنتين زمان رئاسة السيد خاتمي. وانسجمت ادارة لاريجاني للملف النووي مع سياسة المقاومة الدبلوماسية لأحمدي نجاد ورفضه العودة الى الوراء وتعليق التخصيب مجددا، وإصراره على الحق النووي لإيران في سياسة "فعالة" وغير منفعلة امتدحها قائد الثورة كإنجاز كبير لحكومة نجاد.
3 ـ الحوار الثلاثي (بين ايران وأميركا والعراق) حول الامن والسلام في العراق, الامر الذي مثل اختراقا عاليا للسياسة العدوانية للإدارة الاميركية واعترافا مذلا بنظام الجمهورية الاسلامية بعد سنوات من الدعوة الى إسقاطه.
لاريجاني كان صاحب نظرية "النظر الى الشرق"، وهي الدعوة الى اشراك الشرقيين (روسيا والصين ودول آسيا وعدم الانحياز) في المفاوضات النووية وعدم تفرد أميركا والغرب فيها.. هذه السياسة التي أثبتت نجاحها وأقامت توازنا قويا استفادت منه السياسة الخارجية الإيرانية ولا تزال.
الدكتور سعيد جليلي المساعد الشاب (في العقد الرابع) لوزير الخارجية الايراني لشؤون أميركا وأوروبا, الذي عينه الرئيس أحمدي نجاد أمينا عامّا جديدا لمجلس الأمن القومي ورئيسا للوفد المفاوض, قال في اول اطلالة له بعد جولة مفاوضات مع خافيير سولانا ممثل الاتحاد الأوروبي في العاصمة الايطالية روما: إننا سنتابع السياسة التي قادها الدكتور لاريجاني في المرونة في الحوار واعتماد أسلوب الحوار طريقا وحيدا لحل المسائل الباقية في الملف النووي، مع إصرارنا على حقنا المشروع والتعاون الكامل مع الوكالة الدولية.
وقد تنقل الدكتور جليلي منذ 20 عاما في مسؤوليات متعددة في وزارة الخارجية كملحق سياسي ومعاون للوزير، وعمل فترة في مكتب قائد الثورة. دكتور في العلوم السياسية، وكانت رسالته حول السياسة الخارجية للنبي محمد (ص)، التي ترجمت الى العربية ونشرت في بيروت. تربطه صداقة قديمة بالدكتور أحمدي نجاد ورافقه في أسفاره الأوروبية والأميركية. وقد شارك سابقا في "الحرب المفروضة" او "الدفاع المقدس" (كما يطلق الإيرانيون على حرب نظام صدام على ايران التي استمرت 8 سنوات)، وجُرح وبُترت قدمه اليمنى. وهو كصديقه أحمدي نجاد يدرّس في الجامعة. ويشير المتابعون هنا في طهران الى قدرات ادارية وسياسية عالية لجليلي، بحيث "انه سيتمكن من متابعة الدور الحساس لكبير المفاوضين الايرانيين بالمرونة والليونة والعزم المطلوب".
وقد شارك لاريجاني خلفه جليلي في المفاوضات مع سولانا بصفته ممثلا لقائد الثورة في مجلس الأمن القومي بعد تأكيد القائد وكذلك الرئيس نجاد ضرورة حضوره وأهمية دوره.
مرت هذه الاستقالة بهدوء لافت، والأوروبيون برغم ضوضائهم اعلاميا رضخوا للأمر الواقع الايراني وتابعوا المفاوضات من حيث انتهت، وهم يعرفون ان المفاوض الإيراني مهما كان اسمه يمثل ارادة شعب وقيادة يرفضان التنازل عن حق أضحى من المسلمات في السياسة الخارجية لإيران.
الانتقاد/ العدد 1238 ـ 26 تشرين الاول/ اكتوبر2007
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018