ارشيف من : 2005-2008
معركة بدر الكبرى: مقارعة الشرك حتى إحقاق الحق
إن وجهة المسلمين كانت السيطرة على قافلة "أبي سفيان" التجارية أثناء عودتها من الشام محملة بالمال والمتاع في محاولة للتعويض عن أموال المسلمين الذين هاجروا من مكة الى المدينة، ونهب المشركون أموالهم وأملاكهم.. وأبو سفيان رأس من رؤوس الشرك آنذاك، وكانت قافلته تتاجر بأموالهم، وكان من أهداف تلك التجارة تقوية عضد المشركين في مواجهة المسلمين في المدينة، تحسباً للمواجهة المحتملة بينهما.
ولما وصل الخبر الى أبي سفيان بعزم المسلمين على السيطرة على قافلته وأخذها عنوة، غير طريقه وفرَّ بقافلته الى مكة، وأرسل الى المشركين في مكة رسولاً ليخبرهم بذلك، ففعل وتجهز المشركون، وعلى رأسهم أبو جهل، لمواجهة المسلمين، وساروا الى المدينة. ووصلت أخبارهم الى النبي (ص) ومن معه من المسلمين الذين كانوا متوجهين لمصادرة القافلة.
في هذه الأجواء التي طرأ فيها عاملان مهمان هما هروب القافلة من طريق المسلمين وتهيؤ المشركين للقتال، حاول بعض المسلمين التفلت من المواجهة بحجة المتغيرات التي طرأت، والتي لم تكن بحسابهم، إلا أن الوحي حسم التردد ونزلت الآية الكريمة: "وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين".
إن اللطف الإلهي يتجلى في أبهى صوره في هذه الآية المباركة، فالمسلمون كما مرَّ كان هدفهم هدفاً مادياً محضاً، يبغون من خلاله التعويض عن خسائرهم المادية التي لحقت بهم، وكانوا مصرين ـ في الحد الأدنى بعضهم ـ على الاكتفاء بتحقيق هذا الهدف فحسب، ولما انتفت أسبابه عزموا على العودة الى ديارهم من دون مواجهة المشركين. أما التدبير الإلهي فكان غير ذلك، فلقد شاء الله تعالى أن ينتصر المسلمون على المشركين في مواجهة غير متكافئة لناحية العدد والعتاد، وتميل بكل المقاييس الى مصلحة المشركين، في أولى المعارك بين هذين الخصمين اللدودين، وهكذا كان، فلقد دارت رحى المعركة في أرض بدر في بدايتها بين أبطال الطرفين بالمبارزة، بين الأكفاء، فخرج ثلاثة من كبار أبطال المشركين المعروفين ببطشهم هم عتبة بن ربيعة وأخوه شيبة وابن عتبة الوليد، وخرج لمبارزتهم ثلاثة من المسلمين هم: الحمزة عم النبي (ص) وابنا أخويه: الإمام علي بن أبي طالب (ع) وعبيدة بن الحارث، فقتلوا أبطال المشركين بسيوفهم، وبانت بذلك أولى بشارات النصر على المشركين.
لما شاهد المشركون أبطالهم صرعى غلى الحقد في قلوبهم واشتد بأسهم، فهجموا على المسلمين هجمة رجل واحد بغية إبادتهم، إلا أن المسلمين حملوا سيوفهم مدافعين ومهاجمين، وفيهم بطلا المبارزة الأولى الحمزة وعلي (حامل الراية)، يحصدان رؤوس المشركين ويشقان الصفوف، لينهزم الجمع من أمامهما ويندفع خلفهما بقية المسلمين، في مشهد رائع سجل التاريخ لحظاته الخالدة، حيث هزم المسلمون المشركين هزيمة مدوية وانتصروا نصراً مبيناً، كان المدد الإلهي الواعد بالنصر حاضراً بقوة فيه، ليصدق وعد الله لرسوله بإحدى الطائفتين، القافلة أو من تهيأوا لنجدتها.
انجلى غبار المعركة عن سبعين قتيلاً للمشركين، بينهم رأس الشرك أبو جهل، وسبعين أسيراً، وعدد كبير من الجرحى.. أما الباقون فكان الفرار من المواجهة خيارهم، فولوا الأدبار منهزمين الى الصحاري والقفار.
وفي خطوة لافتة أمر النبي (ص) المسلمين بأن يدفنوا قتلى المشركين ففعلوا، فوقف على مدافنهم وخاطبهم بأسمائهم فقال: يا أهل القليب، يا عتبة بن ربيعة، يا شيبة بن ربيعة، يا أمية بن خلف، وأبا جهل بن هشام.. يا أهل القليب هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقاً؟ فإني وجدت ما وعدني ربي حقاً.
فسأله بعض المسلمين: لِمَ تنادي قوماً أصبحوا جثثاً؟
فقال: ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، ولكنهم لا يستطيعون أن يجيبوني.
لقد سار نبي الله موسى (ع) بأهله، وفي الطريق آنس ناراً فقصدها وفي نيته أن يأتي منها بقبس، فعاد نبياً قد كلمه الله تعالى تكليماً. وقصد المسلمون قافلة المشركين ليغنموها، فعادوا من بدر الى المدينة بنصر من الله تعالى عزيز.
"ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين".
عدنان حمّود
الانتقاد/ العدد 1238 ـ 26 تشرين الاول/ اكتوبر2007
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018