ارشيف من : 2005-2008

المعرض الكاريكاتوري العالمي "احتلال" : المحتل العالق في رسوم بدون تعليق

المعرض الكاريكاتوري العالمي "احتلال" : المحتل العالق في رسوم بدون تعليق

فرصة للمهتمين بهذا العنوان في لبنان، حيث من النادر أن تشهد الساحة الثقافية اللبنانية معرضاً كاريكاتورياً بهذا الحجم العالمي، إضافة إلى المستوى الفني الراقي من الجانبين التقني والإبداعي.‏

الأعمال بمجملها تحمل خطاباً بصرياً تجديدياً خالياً من التعليق الكلامي الإيضاحي، لذلك كان من السهل التواصل مع فنانين من البرازيل وكولومبيا وأميركا والبرتغال والهند وبولندا وهنغاريا وفنزويلا والصين والبيرو وروسيا وكوبا، اضافة إلى ايران وتركيا وسوريا.‏

أميركي ضد أميركا‏

الجديد نلحظه منذ وقوع نظرنا على اللوحة الكاريكاتورية الأولى، وهي للفنان الأميركي دايفيد بالدينغر، وهو يصوّر العلم الأميركي مصوغاً بالصواريخ الزرقاء والحمراء والبيضاء.‏

برغم الوقع الجميل لتنفيذ اللوحة وفكرتها، إلا أن الوقع الأكبر كان لحضور لوحة هذا الفنان الأميركي نفسه، وتشريحه الدقيق لنمط التفكير العدواني لحكام بلده أميركا.‏

بالنسبة الى الهنغاري ميروسلاف هاجنوس فإن جنود الأمم المتحدة هم ستر وغطاء وهميان للشوائب التي ينتجها المحتل.. حيث رسم جنديا دوليا يكنس الألغام والرصاص والقنابل، ثم يخفيها تحت ظل جندي دولي آخر. والمعالجة الكاريكاتورية هنا تنحو صوب التأمل الفلسفي للمشهد، وهو نوع من الكاريكاتور المنتشر منذ سنوات، وتحديداً في المعارض العالمية.‏

مع الفنزويلي مانويل لوايزا نلاحظ القوة والخبرة التقنية في تنفيذ تمثال الحرية والتاج الذي يغرز بحمامة السلام.. لكن الملاحظة تكمن في الفكرة ذاتها، فهي كلاسيكية ومكررة.‏

مع الهندي عبد القدير دمير العكس هو الصحيح، حيث الفكرة أنضج من الخطوط، وهو قد صوّر قدمي الأميركي على طريقة الكاوبوي، أما النجمة التي يوخز بها الحصان فهي نجمة "اسرائيل".‏

من الهند أيضاً شاهدنا لوحة كاريكاتورية لأوندي سوبيريا تانا الذي صور جندي الاحتلال يحمل الكرة الأرضية ويلعق دماء الأطفال الذين ينازعون جراء صاروخ ضرب وطنهم.‏

النَفَس الكاريكاتوري الساخر يظهر بقوة في رسم المكسيكي انطونيو كارسينيتو، فهو يقدم جندي احتلال يجر الدبابة على طريقة الآباء الذين يجرون عربات أطفالهم في الشارع.‏

السخرية تزداد مع البولندي ماسيج ديرزبيكي الذي رسم جندي احتلال في صالون حلاقة، حيث يقوم الحلاق (عليه الملامح الأنثوية) بتمويه وجهه، إنما بالماكياج النسائي وفرشاة التجميل.‏

في كاريكاتور السوري رائد خليل نشاهد جنديا أميركيا يصوّب على هدفه، لكن بدلاً من أن يخرج الرصاص من فوهة البندقية تخرج عيناه من منظارها، وكأن العين التي ترصد الهدف وتحدده هي القاتل الأول، أما الرصاص فهو القاتل الثاني.‏

دون كثير تجديد نرى في لوحة السوري نضال ديب عملة نقدية عليها وجه الزعيم النازي أدولف هتلر، وإلى جانبها عملة ثانية عليها الإسرائيلي، كنوع من الإسقاط على القول الشائع "وجهان لعملة واحدة".‏

في كاريكاتور الصيني جن آن يونغ نلمس صعقة التجديد والإبداع، ففي مقابل الصورة النمطية للمساعدات التي ترمى بالمظلات من الطائرات إلى ضحايا الحروب، نراه عاكساً للآية، فهو يرسم صندوق مساعدات عليه رسم دماغ وهو ملقى عبر مظلة إلى الجنود الذين ينتظرون وصوله بفارغ الصبر. أي أن المحتل وهمجيته يحتاجان إلى العقل كمساعدة للعودة إلى الصواب.‏

أما مع الصيني الآخر وانك زن فنشاهد عملاً شبه تقليدي، هو عبارة عن خوذة عسكرية ملقية على الأرض، ويفقس منها حمامة السلام. من كولومبيا لفتنا عمل لراوول فرناندو زوتا الذي قدم الجندي كرسام يطلي خريطة العالم بالألوان المرقطة على غرار بذلته تماماً.‏

عنوان الاحتلال حضر بشكل مباشر في كاريكاتور شاهر حيدري الذي صور جندياً أطلق النار على طفل فلسطيني كان يرسم بيتاً على الجدار، ثم قام الجندي ورسم بدماء الطفل مثلثاً معاكساً لقرميد البيت، لتظهر نجمة "اسرائيل".‏

بالنسبة الى التركي موكت بالاز فالاحتلال يخلق التهجير، لذلك رسم طفلاً يذرف دمعة كبيرة انعقدت على عصا يحملها على كتفه، لتتحول الدمعة إلى صرّة.. رمزاً للهجرة.‏

أيضاً من تركيا هناك كاريكاتور لافت بفكرته وألوانه لمحيي الدين كوراغلو، الذي جسّد مقبرة للأطفال وإلى جانب كل قبر "نقيفة".. أما الأمهات اللواتي يغادرن المكان فقد علقن بالونات زهرية على كل قبر.‏

مع الكوبي آريس الذي تعرفنا إلى أعماله في صحيفة "الأخبار" اللبنانية نشاهد فكرة الاحتلال في فكرة بعيدة كل البعد عن المباشرة، فقد رسم الشاكوش وفي "كعبه" الحديدي عدة مسامير مغروزة، وكأنها تمردت على الشاكوش وأبت أن تدخل في جسم غريب.‏

في كاريكاتور آلان مكونالد، وهو فنان هندوراسي، نشاهد شعار الأمم المتحدة على شكل بزاقة وهو يتجه ببطء نحو فتيل قنبلة ضخمة تمشي عليها البزاقة.‏

من ناحيته رسم محسن جعفري عملين مميزين عكس من خلالهما متانة الكاريكاتور كفن متقدم في إيران منذ سنوات طويلة، كما عكس عمق التشخيص لعنوان المعرض وهو "احتلال".‏

في أول رسم له قدم جعفري الطائرة الإسرائيلية على شكل ألوان زاهية وعليها رسوم أطفال وبالونات، وكأنه يحاكي تواقيع الأطفال الصهاينة التي مهروها على القنابل المهيئة للإطلاق نحو لبنان.‏

أما في الرسم الثاني فقد حضرت الطرافة الى حد الفجيعة، فقد صوّر الجدار العنصري الذي يبنيه الاحتلال في فلسطين ووسع في اطاره حتى التقى بسور الصين العظيم!‏

التضليل الاعلامي أثناء الحروب عنوان عالجه الروسي جهاد أورتاني الذي أجلس المصور الصحافي على كتف الجندي ليصور في الجهة المعاكسة لجهة اطلاق النار.‏

والجنود المحتلون من وجهة نظر البرازيلي جارباس دومينكوس هم ذئاب يرتدون البذلات، أما الهدف ـ الضحية فهو "ليلى" الطفلة المعروفة في القصة العالمية "ليلى والذئب".. لكن يبدو مع الوقت أن ليلى بقيت ليلى، في حين تكاثر الذئب ليصبح ذئاباً.‏

في معرض "احتلال" نشعر كم ان قضايانا الإنسانية المحقة قد وصلت كما هي بكامل تفاصيلها إلى كاريكاتوريي العالم، الذين أحسنوا التشخيص وعرفوا كيف يفضحون المحتل وساديته الدموية.‏

عبد الحليم حمود‏

الانتقاد/ العدد 1238 ـ 26 تشرين الاول/ اكتوبر2007‏

2007-10-26