ارشيف من : 2005-2008

القيم الروحية كأساس لحوار الأديان

القيم الروحية كأساس لحوار الأديان

وكذلك بين الأديان، وكذا التقريب بين المذاهب الإسلامية بصيغها العلمية والموضوعية، تمثل نقلة أساسية في أساليب التفكير البشري الرامي إلى تحقيق التوازن في العلاقة بين التيارات الدينية والطائفية المختلفة التي تتقاسم البشرية.‏

وقد تناول الكثير من مفكرين وباحثين وعلماء دين من منطلقات مختلفة، القاسم المشترك الذي كان يجمع هذه الرؤى بشتى مضامين الحوار الإنساني، للعمل على تحقيق الطموح الذي طالما حلم به الإنسان منذ بزوغ فجره، وهو حلم تحقيق الأمن والسلام في الأرض.‏

ومن هذا المنطلق الإنساني أود الإشارة هنا إلى دعوة المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية الى ضرورة التعامل مع مبدأ الحوار بين الأديان، كدعوته بين المذاهب الإسلامية التي تنطلق من المساحات الواسعة المشتركة، تعاملاً علمياً وعقلانياً.‏

ومن خلال نصوص القرآن الكريم والصحيح من السنة النبوية الشريفة نجد أن الإسلام دعا بصيغ مختلفة إلى الحوار، كما دعا إلى التعاون مع الآخر المختلف دينياً كمقدمة ضرورية للحوار، فكانت دعوته للتعارف هي المدخل للحوار. قال الله تعالى: "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير". ويتمثل التعارف بدراسة كل طرف متبنيات وأفكار الطرف الآخر من مصادره الأساسية الصحيحة لتكون حجة عليه، فضلاً عن تبادل المعلومات ولقاءات المجاملة لتكون مقدمة للحوار.‏

والقرآن الكريم مليء بمختلف ألوان ومظاهر الحوار، ولا سيما الحوارات التي يقف الأنبياء والصالحون سلام الله عليهم أجمعين طرفاً فيها، كما رسم الخطوط العامة لمناهج وأساليب الحوار التي تعود بالفائدة على الدين الحنيف والإنسانية أجمع.‏

وقد اتسم الحوار القرآني بالتجرد والموضوعية والعلمية، وهو ما أشار اليه في سورة آل عمران في قوله تعالى: "قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم"، مشيراً بذلك إلى كون الاتفاق على حدّ معين هو من أُسس الحوار، وما حكاه في سورة سبأ من قول الرسول الأعظم (ص) لبعض محاوريه: ".. وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين".. ويقصد به التجرد في الحوار للوصول إلى الحقيقة، على الرغم من أنه واثق كل الوثوق بصحة معتقداته، لكن هذه الثقة لا تمنعه من الإيحاء إلى الطرف الآخر بأنه سيدخل الحوار دون أن يحمل مواقف مبيّتة أو أحكاماً معدّة سلفاً.‏

وكما تتنوع مجالات الحوار القرآني الإسلامي بتنوع أطرافها ووسائلها وموضوعاتها تتنوع آدابها وقواعدها ومناهجها، وبالتالي فإن القيم العلمية والأسلوبية تختلف إلى حد ما بينها، ولكن القيم الأخلاقية والروحية تبقى قاعدة مشتركة لها جميعاً. وقد ركّزت المرجعية الإسلامية من خلال النصوص على هذه القيم.‏

الالتزام بالقيم الروحية والأخلاقية:‏

قال الإمام زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام): "وحق أهل ملتك إضمار السلامة والرحمة لهم، والرفق بمسيئهم وتألفهم واستصلاحهم، وشكر محسنهم، وكفّ الأذى عنهم، وتحب لهم ما تحب لنفسك، وتكره لهم ما تكره لنفسك، وأن يكون شيوخهم بمنزلة أبيك، وشبانهم بمنزلة إخوتك، وعجائزهم بمنزلة أمك والصغار بمنزلة أولادك، ومن أتاك تعاهدته بلطف ورحمة، وصل أخاك بما يجب للأخ على أخيه".‏

هذا النص يعرض الطريقة التي تدعو إلى الأفق السامي الوضاء من الآداب النفسية والاجتماعية حول كرامة الإنسان وحريته وحرماته، لكي يرتفع فيهم لواء واحد يتسابق الجميع ليقفوا تحته، لواء الألفة والتكافل ونشر أجنحة الرفق والرحمة. هذا هو اللواء الذي رفعه الإسلام لينقذ البشرية من العصبية للجنس والعصبية للأرض والعصبية للقبيلة والعصبية للبيت، وكلّها من الجاهلية وإليها، تتزيا بشتى الأزياء وتسمى بشتى الأسماء، وكلها جاهلية عارية من الإسلام.‏

وقد حارب الإسلام هذه العصبية الجاهلية في كل صورها وأشكالها، ليقيم نظامه الإنساني العالمي في ظل راية واحدة: راية لا إله إلا الله.‏

أجل تلك هي مبادئ وقيم عاطفية واجتماعية كافلة لإصلاح حال البشر، من غير أن يستأثر بها فرد دون فرد، أو تتلاءم مع روح شخص دون شخص، أو يضيق نطاقها عن الإحاطة إذا تكاثرت الأفراد، أو يقلّ تأثيرها ويضعف سلطانها إذا تشعبت دائرة الآحاد.‏

مبادئ تعتبر المجتمع الإنساني وحدة موحدة لا تجزئة فيها، فيدعو الفكر المنير والقلب الصالح إلى الإحسان والتعاون، كما يدعوه الى دفع الأذى والمكروه عن أخيه الإنسان.‏

مبادئ وقيم أراد بها الإمام زين العابدين (ع) أن نعتبر الكبير أباً لنا فنحترمه ونكبره، ونقدم المعروف والخير بين يديه، ونعتبر الصغير ابناً لنا فنعطف عليه ونرأف به ونرق له، ونعتبر المتوسط أخاً لنا فنحبه ونميل اليه وندفع ضرّه ونشاركه في خسارته، ونكون له كما نكون لأنفسنا، ونحب له ما نحب لأنفسنا، ونكره له ما نكره لأنفسنا، وهذا مبدأ تؤكده الكتب السماوية بقوة.‏

هذه مبادئ الإخاء والتعاون وتبادل المعروف والتكافل، وبها تتحقق وحدة الاجتماع التي هي مركز الوجود ونقطة السعادة المطلقة.‏

(*) المستشار الثقافي للجمهورية الإسلامية في لبنان‏

الانتقاد/ العدد 1238 ـ 26 تشرين الاول/ اكتوبر2007‏

2007-10-26