ارشيف من : 2005-2008

حينما يحاور الإعلاميون آباءهم وأمهاتهم أو إخوتهم.. أو زوجاتهم..

حينما يحاور الإعلاميون آباءهم وأمهاتهم أو إخوتهم.. أو زوجاتهم..

إلخ؟‏

أطرح هذا السؤال التقديمي لأفضي إلى واحدة من تجاربنا الاعلامية التي نشاهدها ونتابعها في بعض الأحيان على قنواتنا التلفزيونية الفضائية، منطلقة من نموذج جميل حصل مؤخراً على قناة المحور (وهي احدى القنوات الفضائية المصرية الخاصة) حينما قام الاعلامي معتز الدمرداش ضمن برنامجه "تسعون دقيقة" ـ وهو البرنامج الذي يتقاسم تقديمه مع الاعلامية مي الشربيني مقدمة الأخبار في قناة العربية سابقاً ـ قام باستضافة ومحاورة والدته الممثلة القديرة كريمة مختار، صاحبة أدوار الأمومة الشهيرة في تاريخ السينما والشاشة المصرية.‏

وجاءت السهرة المميزة بمناسبة عيد الفطر السعيد.. وبعد ختام عرض حلقات المسلسل الرمضاني "يتربى في عزو" الذي أدت فيه كريمة مختار دور البطولة عبر شخصية "ماما نونا"، حيث شاءت إرادة الكاتب أن تموت هذه الشخصية في الحلقة الأخيرة! وهو الأمر الذي تسبب ببكاء وتفجع بعض العائلات المصرية المتابعة للعمل! كما كتبت الصحف وتناقلت وسائل الإعلام.‏

المهم.. مضت السهرة بكل تفاصيلها الحوارية غير المملّة، على اعتبار مشاركة المخرج مجدي أبو عميرة فيها، وإحدى الممثلات المشاركات أيضاً..‏

وطوال السهرة كان الإعلامي معتز يطرح الأسئلة على النجمة كريمة مختار بصيغة: ماما.. ليه يا ماما؟ إزّاي يا ماما؟ حضرتك يا ماما كذا.. إلخ، لم يجد في الأمر أي غضاضة ولم يتحرّج.. بل بدا واثقاً وطبيعياً ومقتنعاً وعادياً جداً في كل أسئلته واستفساراته.‏

لكن ما إن حلّت الدقائق الأخيرة من السهرة حتى سألته الضيفة الأخرى بالقول:‏

ـ لدي سؤال أرجو أن تجيبني عنه يا أستاذ معتز.. لماذا بقيت طوال البرنامج تخاطب والدتك "ماما" ولم تقل لها "سيدتي".. أو "ست كريمة"؟ وهنا سارعت زميلته في التقديم بالإجابة التعليقية: هوّي حيضحك على مين يعني؟‏

وبالفعل بدا الموقف طريفاً وربما عرضة للنقاش: معتز علّق على السؤال بأنه ببساطة صريح مع نفسه، ويريد أن يبقى على طبيعته، ولا داعي للف والدوران والألقاب.‏

وبدت إجابته مقنعة للمشاهد، خصوصاً أن جوّ البرنامج كان عبارة عن سهرة العيد، وعن أجواء المسلسل الفكاهي وطرافته وطرافة مواقفه وتفاصيله.‏

نماذج وأمثلة مشابهة:‏

وهنا لا بد لي من أن أستعرض بقية النماذج المماثلة.. فمنذ فترة قريبة جداً شاهدت حواراً آخر كان الإعلامي عمرو أديب يجريه مع أخيه الأكبر عماد الدين أديب! وكان المشهد مضحكاً للوهلة الأولى لمن يعرف درجة القرابة بينهما، لأن الاثنين كانا يجلسان بلا ثالث لهما.. الأخ الأول يسأل والأخ الثاني يجيب! والاثنان في غاية الجدية، كأن أحدهما لا يعرف الآخر!‏

المشهد والبرنامج نفسه ذكّرني بما يحصل عندنا على احدى القنوات اللبنانية في برنامج سياسي محلي بالتحديد، لطالما يلتقي فيه الصحافي علي حمادة بأخيه الوزير مروان حمادة! وسابقاً كان يلتقي ويحاور ابن أخته الراحل جبران تويني! وأحياناً ما زال يستضيف ويحاور صهره غسان تويني! وهكذا يصبح البرنامج "أهلية بمحلية"، لكن الكلفة غير مرفوعة! فلا المحاور يقول يا أخي ولا يا ابن أختي ولا يا صهري، بل يمضي الحوار حسب المعايير المهنية المعروفة.‏

وإذا شئنا عدّ النماذج والأسئلة فلربما لن نستطيع لها حصراً.. عندنا من لبنان أيضاً جيزيل خوري كانت تستضيف وتحاور زوجها الراحل سمير قصير..‏

انطباعات:‏

في مصر أكثر من مقدّم حاور زوجته أو أخته أو إحدى قريباته، وكذلك على بقية الفضائيات العربية المتعددة، وهذه النقطة تجعلنا نلاحظ شبكة العلاقات المهنية وتقاطعاتها العائلية.. لكن الأمثلة والنماذج توصلنا إلى أكثر من انطباع منها:‏

ـ إن المشاهد إذا كان لا يعرف روابط القربى بين المحاوِر والمحاوَر، فليس هناك أي سبب للتعليق أو حتى للدهشة. ولكن إذا كان الأمر معروفاً للجميع ولا مهرب منه، فما العمل؟ لو شئنا أن ننظر الى الأمر من منظور مهني وموضوعي فليس فيه أي مشكلة ولا أي مانع (ولعل الموانع هنا نفسية بحتة)، ومهمّة المقدّم أن يطرح أسئلته وموضوعه، سواء كان على الرئيس أو الزعيم أو على أمّه أو أبيه!‏

فالسؤال سؤال في النهاية..‏

وهنا لا بد من الانتباه أو الإشارة إلى حراجة موقف السائل المقدم الذي مهما كانت خبرته وتجاربه، إلا أنه سيحتاج إلى جرعات اضافية من الجهد، على الأقل حتى يبدو عادياً وطبيعياً.‏

ربما كان جزء من المشكلة يكمن في تعليقات الناس وتعاملهم مع الحوار بمزيد من النقد وحتى الترقّب! بحيث يصبح المشاهد مشدوداً ومتابعاً أكثر ليرى وليرصد ما الذي سيحصل بين اثنين قريبين ومقرّبين، جالسين يتحاوران بكل رسمية وجديّة. وهنا يصبح المشاهد كالمنتظر المترقب شيئا ما!‏

وربما أيضاً كان الموضوع يطرح نقاطاً أخرى، منها على سبيل المثال: هل سيكون باستطاعة المحاوِر أن يكون شفّافاً إلى درجة طرح كل ما لديه من أسئلة ـ بما فيها المحرج والخاص والحميم ـ على الطرف الآخر؟ أم أن المداراة هنا ستكون هي الغالبة، ولن نأتي على سيرة المجاملات.‏

لنتخيّل مثلاً اعلامياً بارعاً والده أحد الزعماء أو السياسيين الكبار، هل سيطرح عليه كل الأسئلة التي يطلقها الناس ويتحدثون بها؟ السلبية قبل الايجابية؟ أم ماذا؟‏

ثمة التفاتة هنا إلى أن بعض الاعلاميين يرفضون إجراء حوارات "حساسة" كهذه، ويفضلون تبديلها مع سواهم، وغالباً ما تحبّذ بعض المحطات هذا التبديل، لكنه ليس معمماً وليس حالة عامة.‏

هذه المناخات الاعلامية وسواها تُحيلنا إلى المنظومة الاعلامية السائدة ليس عربياً فحسب، بل حتى عالمياً.. فهذا العالم الواسع والرحب يتّسع لكل الاجتهادات، ولكل ما يودّ أن يُطرح فيه.. وليس فيه قواعد عامة وضوابط محددة ونقاط ملزمة!‏

انه عالم الاعلام المفتوح على كل الرغبات والأمزجة وما يخطر على البال. ولعل هذه هي الميزة الأهم، عالم بلا حدود ولا ثوابت!‏

فإذا كنا اليوم اعتدنا أن نشاهد حوارات الاعلاميين مع آبائهم وأمهاتهم وإخوتهم وأزواجهم وما سوى ذلك، فما الذي سيتحفنا به جديد الحوارات الاعلامية وعالم الاعلام المفتوح في المستقبل؟‏

فاطمة بري بدير‏

الانتقاد/ العدد 1238 ـ 26 تشرين الاول/ اكتوبر2007‏

2007-10-26