ارشيف من : 2005-2008

تفاصيل مثيرة عن شبكة "القاعدة" المتورّطة باغتيال الحريري : لماذا انزعج "المستقبل" من نشر اعترافاتها بعدما عُتّم عليها؟

تفاصيل مثيرة عن شبكة "القاعدة" المتورّطة باغتيال الحريري : لماذا انزعج "المستقبل" من نشر اعترافاتها بعدما عُتّم عليها؟

وجلّية عن تورّط أفرادها، وهم من جنسيات عربية مختلفة، في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري في ذلك اليوم المشؤوم من تاريخ لبنان والمنطقة برمّتها.‏

وما زاد من أهمية هذه التحقيقات وأعطاها المزيد من المصداقية والنضج، هو أنّ "فرع المعلومات" في قوى الأمن الداخلي الذي يرأسه المقدّم وسام الحسن المرتبط عضوياً برئيس تيّار المستقبل النائب سعد الدين الحريري، هو من أجرى هذه التحقيقات وتولاّها منذ توقيف العناصر في شهر كانون الأول/ ديسمبر من العام 2005، ودوّن هذه الاعترافات كما وردت على ألسن أصحابها ومن دون تحوير أو تغيير أو تخفيف من وهجها وقساوتها، وخصوصاً أنّ هناك من يوجّه أصابع الاتهام إلى سوريا، وهو ما فعله منذ وقوع الجريمة، ويرفض اتهام سواها حتّى ولو كان العدوّ الإسرائيلي أو الولايات المتحدة الأميركية، فإذا بشبّان يتصدّون لتحمّل وزر المسؤولية المباشرة وهم على يقين تام بأنّ ما يقولونه يودي بهم إلى حبل المشنقة فوراً ومن دون أدنى تردّد، وذلك عقاباً لهم على جريمتهم الفظيعة.‏

انزعاج المستقبل‏

وما أضاف على هذه التحقيقات المصداقية بحسب المتابعين، هو انزعاج تيّار المستقبل وحلفائه في قوى 14 شباط/ فبراير من نشرها، واستياؤهم من كشفها وتبيانها للحقيقة المغيّبة عن الرأي العام والجمهور المتعطّش لمعرفة الحقيقة الحقّة بغية الخروج مما جرّته هذه الجريمة من تداعيات لم تنته فصولها الخطيرة بعد، فانبرت بعض الأقلام التي تكتب بحبر هذا التيّار وتغرف من أمواله في حملة شعواء لتفنيد هذه الاعترافات ودحض مضمونها مع أنّها تشير إلى الفاعل الحقيقي وهو ما يسعى إليه الجميع.‏

فبدلاً من أن تساهم هذه الأقلام في تفصيل هذه الاعترافات وتذخيرها والإضاءة عليها كما تفعل عادة مع تحقيقات أقلّ أهمية، وفي قضايا أقلّ مستوى وانتشاراً وحساسية وإثارة لدى الرأي العام، فإذا بها تحاول جاهدة، التعتيم عليها وتكذيبها ونفيها ونسفها من جذورها والإيحاء بأنّها مختلقة ومفبركة وغير صحيحة وغير جديرة بالقراءة والاهتمام بها، وهو أمر مستغرب، ما يستدعي سؤالاً لا غنى عنه ومفاده هل الغاية من التصدّي لهذه الاعترافات إبقاء القاتل مجهولاً بغية الاستمرار في استغلال هذه الجريمة سياسياً، وما يحقّق الهدف المنشود من حصولها في 14 شباط/ فبراير من العام 2005، والمتمثّل في تعبيد الأرض أمام المشروع الأميركي الجديد للمنطقة كلّها بتحويلها إلى منطقة "شرق أوسط جديد"؟.‏

وسارع تيّار المستقبل إلى استخدام نفوذه في وزارة الداخلية والنيابة العامة التمييزية لتطويق ومحاصرة مفاعيل إذاعة هذه التحقيقات ووضعها بين أيدي القرّاء، فتفتقت الذهنية عن تقديم الوزارة المذكورة شكوى ضدّ صحيفة "الأخبار" التي جرؤت ونشرت هذه التحقيقات، تحت ذريعة أنّها ذكرت أسماء الضبّاط والعناصر المولجة بالتحقيق، وهو ما يعرّض حياتهم للخطر ويجعلهم يعيشون هاجس الملاحقة والخوف من معرفة تنظيم "القاعدة" أو شبكاته النائمة في لبنان بهم، علماً أنّ هذا الأمر مبالغ فيه، ومردود، وواقع في غير موضعه الحقيقي، ذلك أنّه بمجرّد وصول هذه التحقيقات إلى المحكمة المعنية، وهي هنا المحكمة العسكرية الدائمة، فإنّه يصبح بإمكان وكلاء الدفاع وذوي المتهمين تصوير جميع أوراق الملفّ وتداولها ونقلها إلى المتهمين في زنازينهم أيضاً لمعرفة أقوالهم ومناقشتها معهم قبل الشروع في جلسات المحاكمة العلنية.‏

زوجة الزرقاوي‏

وبحسب مصادر مطلعة، فإنّه عند توقيف أفراد هذه الشبكة، تلقّى "فرع المعلومات" إشارات مؤكّدة بوجود نساء معهم بينهن زوجة أبو مصعب الزرقاوي التي كانت حاملاً ولم يجر توقيفها أو توقيف أيّ واحدة من أولئك النسوة خشية افتضاح أمر هذه الشبكة وتعكيرها مزاج المخطّط الرامي إلى تجهيل قتلة الحريري، وإبقائهم بمنأى عن المطاردة والمحاكمة. ولمّا سئل أحد المسؤولين الأمنيين عن هؤلاء النسوة زعم بأنّهن نساء عاديات ولا علاقة لهن بعمل الشبكة، متخطّياً السؤال الأهم ماذا كانت تفعل زوجة الزرقاوي في لبنان، ومختبئة في أحد الفنادق في منطقة طرابلس والشمال، ولماذا لم يقم بما يمليه عليه واجبه لجهة توقيف النسوة أيضاً والتحقّق من هوياتهن وعملهن؟ وينقل العارفون بأنّ الخوف اعترى هذا المسؤول والجهة التي يتبع لها سياسياً من حصول التوقيف وردّ الفعل عليه من قبل الزرقاوي قبل مقتله في العراق، وخصوصاً أنّ زوجته ستكون بين الموقوفين!.‏

وتضيف هذه المصادر وباستغراب شديد، أنّ الملفّ الأصلي للتحقيقات الأوّلية مع أعضاء هذه الشبكة، وما فيه من معلومات مهمّة واعترافات ناصعة الوضوح، ظلّ في أدراج أحد المسؤولين فترة من الزمن، ولم يُحل على القاضي المعني بالتحقيق الاستنطاقي وهو قاضي التحقيق العسكري الأوّل رشيد مزهر الذي تسلّم ملفاً آخر أقلّ حجماً وأوراقاً ويتعلّق بحصر الادعاء بتأليف هؤلاء مجموعة إرهابية وحمل السلاح، وغيّبت بشكل لافت للنظر، مسألة ضلوعهم في اغتيال الحريري، مع أنّها الأهمّ والجديرة بالتوقّف عندها وتسليط الأنوار عليها لأنّها تشير إلى الجناة وتنزع الاتهام السياسي المسبق والجاهز عن جسد سوريا وحدها دون سائر خلق الله ودول العالم القريب منها والبعيد.‏

وتتابع هذه المصادر أنّ القرار الاتهامي الذي صدر بحقّ العناصر الثلاثة عشر لم يأت على ذكر قضية اغتيال الحريري، ولم يتطرّق إليها لعدم ورودها أساساً في التحقيقات الأوّلية التي وصلت إلى مكتب القاضي مزهر، والتي يُستند إليها، عادة، في رحلة التحقيق الاستنطاقي لتوضيحها وتبيان ما فيها والإضافة عليها، وهذا ما يفسّر خلوّ القرار الاتهامي من أيّة إشارة أو تلميح إلى تورّط هذه الشبكة في اغتيال الحريري المدوّي.‏

برامرتز يسأل عن الملفّ‏

والغريب أنّ هذه التحقيقات نفسها غُيّبت أيضاً، عن لجنة التحقيق الدولية في جريمة اغتيال الحريري برئاسة القاضي البلجيكي سيرج برامرتز قبل أن تصله معلومات محسومة فرضت عليه مطالبة المسؤولين في القضاء اللبناني عن التحقيقات المجراة مع هذه الشبكة وسط ذهول هؤلاء الذين لم يكونوا يتوقّعون مفاتحتهم بمثل هذا الموضوع الحسّاس والمطلوب إغفاله والتعتيم عليه حتّى نسيانه.‏

وتربط المصادر نفسها هذه الواقعة بما ألمح إليه برامرتز في أحد تقاريره الفصلية الرسمية المرفوعة لمجلس الأمن من توسّع باب الاحتمالات لديه لجهة وجود علاقة ما بين اغتيال الحريري وشبكة "القاعدة" التي وسمها بالجماعات المتطرّفة والمتشدّدة والإرهابية، وهو ما نزل كالمياه الساخنة على قوى 14 شباط/ فبراير وجوقة "المضلّلين" المعروفين، وكلّ من يسعى إلى تسييس التحقيق، للوصول إلى مآرب شخصية وسياسية منه، وقفزوا في كلّ مناقشاتهم لفحوى تقرير برامرتز المذكور فوق هذه الفرضية، وهذا الاحتمال الوارد جدّاً والمطلوب التحقيق فيه وحوله وعدم استبعاده إن كان الهدف معرفة الجناة وتوقيفهم ووقف الاستغلال السياسي والمتاجرة بالدماء صبحاً ومساء.‏

الاستخبارات الأجنبية تحقّق!‏

وتسأل هذه المصادر كيف يُسمح لاستخبارات دول عربية وغربية بالتحقيق مع أفراد هذه الشبكة بعدما حضر مسؤولون منها على دفعات ومراحل إلى لبنان، ومنها بشكل واضح مخابرات المملكة العربية السعودية باعتبار أنّ محرّكاً رئيسياً في هذه الشبكة سعودي الجنسية، وهو يدعى فيصل أكبر الذي تخفّى تحت أسماء وهمية ومستعارة، ولم يسمح للقضاء المعني بالاطلاع على الاعترافات الخطيرة؟.‏

لا أحد يملك الجواب عن هذا السؤال إلاّ من يفكّر بقلب الصورة وجعل القضاء بإمرة الأجهزة الأمنية وليس العكس كما يفرضه المنطق والعقل والقانون، وهذا "المفكر" ذائب في السياسة حتّى العظم وحتّى النخاع الشوكي كما يقول المحيطون به والمقرّبون منه!.‏

علي الموسوي‏

الانتقاد/ العدد 1238 ـ 26 تشرين الاول/ اكتوبر2007‏

2007-10-26