ارشيف من : 2005-2008
تطوّرات المنطقة فرضت على إدارة بوش تغيير سلوكها تجاه الاستحقاق : أوروبا تؤيّد التوافق لانتخاب رئيس وفق الدستور وبنصاب الثلثين
الجمهورية اللبنانية، ومن دون أيّ تأخير في موعده الرسمي، بحيث تنتقل سدّة الرئاسة من الرئيس العماد إميل لحود إلى شخصية أخرى تنتخب بنصاب الثلثين وبالتوافق، وتلقى ثقة السواد الأعظم من الشعب، وتلتزم بالثوابت والخيارات الوطنية، بعيداً عن شبح الفراغ ورئيس "الكيف ما كان" وتداعياته الخطرة على الوطن برمته.
وقد رسم الحضور الثلاثي لوزراء خارجية كلّ من فرنسا وإيطاليا وإسبانيا، برنار كوشنير، وماسيمو داليما، وميغل انخل موراتينوس، وقبلهم نظيرهم التركي علي بابا جان مناخاً إيجابياً وتفاؤلياً لم توح به أيّة مبادرة في السابق، وهذا ما نقلته تصاريح وخطابات معظم الأطراف السياسية التي التقت هؤلاء الثلاثة في لقاءات على منفردة، أو في الاجتماع الموسّع في قصر الصنوبر حيث سمعت رسالة واحدة، بحسب مصادرها، مؤدّاها أنّ الاستحقاق الرئاسي لبناني محض وبامتياز، ومن المهمّ تحقيقه في موعده وبما ينصّ الدستور.
وخرجت القيادات اللبنانية مقتنعة بإذابة جليد سوء التفاهم وقلّة الثقة الكامن بينها، وضرورة توسيع رقعة الانفتاح لما فيه مصلحة البلد وأهله، مهما بالغ المتشائمون والمتضرّرون في لجوئهم إلى رفع سيف التهويل إفساحاً في المجال أمام أنفسهم وتطرّفهم، للبقاء مذكورين في المعادلة الداخلية.
وكان الوفد الأوروبي حريصاً في تنبيه القيادات السياسية إلى وجوب وضع حدّ للتدخّلات والضغوطات الخارجية عبر سماعها بالأذن الصمّاء، وعدم الاهتمام بها وتفسيرها على أنّها حبل النجاة، بينما هي في حقيقة الأمر لا تريد سوى استحضار المزيد من الشرخ بين اللبنانيين لإبقائهم تحت رحمتها إنفاذاً للنظرية السائدة "فرّق تسد".
وتكمن أهمية مجيء الوزراء الأوروبيين إلى بيروت، على الرغم من قصر المدّة الزمنية التي أمضوها مع القيادات السياسية، في أنّها أتت من خارج سياق النصّ الأميركي العام الذي كان حتّى الأمس القريب، يرفض حصول أيّ توافق داخلي على شخص رئيس الجمهورية المقبل، ويشجّع بعض المتحرّكين في كنفه ووفق تعليماته ومنهم النائب وليد جنبلاط وسمير جعجع، على المضي قدماً في سياسة التحدّي لرغبة اللبنانيين في التخلّص من أزمة اصطنعتها إدارة جورج بوش لهم رغماً عنهم، وتبتكر المعجزات لإبقائهم في قفصها حتّى القضاء عليهم، وتحقيق سلسلة من أهدافها المشبوهة.
غير أنّ التطورات الميدانية والسياسية في المنطقة فرضت على الولايات المتحدة الأميركية تغيير سلوكها ومنهجية تعاطيها مع الاستحقاق الرئاسي، فانتقلت من وراء متراس رئيس موالٍ لها من رحم قوى 14 شباط/ فبراير كما ذكر أكثر من مسؤول وسفير فيها، إلى واجهة رئيس منتخب وفق الدستور اللبناني، كما قال نائب رئيسها ديك تشيني، في انقلاب مفاجئ في مواقفها الرسمية.
وإنْ كانت "الترويكا" الأوروبية قد صحّحت البوصلة وحدّدت مسارها وهدفها بإجراء الانتخابات في أقصى سرعة وضمن المهلة الدستورية المعروفة وقبل فوات الأوان، فهي انطلقت من خلفية حرصها الشديد على قوّاتها المنضوية في صفوف قوّات الطوارئ الدولية "اليونيفيل" العاملة في الجنوب، بعدما باتت على يقين تام بأنّ التوافق هو الحلّ المناسب والأجدى، لأنّه يجنّب البلاد التشرذم ويبعد عن قوّاتها الكأس المرّة لأبعاد وتداعيات هذا الانفصام والتشرذم، وخصوصاً أنّ وجود هذه القوّات محصور في منطقة نفوذ المعارضة، أيّ في البقعة الجغرافية التابعة لحكومة المعارضة في حال عدم التوصّل إلى توافق يخرج الجميع منه راضين.
وما كلام" الترويكا" الأوروبية سوى ترجمة عملانية وواضحة لمبادرة رئيس مجلس النوّاب نبيه بري الذي كان أوّل الداعين، باسم المعارضة التي فوّضته التحدّث بلسانها، إلى التوافق، وهو ما عمل عليه طوال المرحلة السابقة وتوّجه بإطلاق مبادرته الشهيرة في مدينة بعلبك في 31 آب/ أغسطس 2007، وذلك من باب حرص المعارضة على البلد وأهله، فنجحت في خطوتها على الرغم من العراقيل الكثيرة التي زرعت في طريقها من غير شخصية سياسية وفي مقدّمتها صاحب الانقلابات المسيّر وفق الهوائيات والأهواء الأميركية والدولية، وليد جنبلاط.
ثمّ جاءت مبادرة بكركي بتشجيع من الفاتيكان وتلاقت مع مبادرة بري، ليكتمل المشهد التفاؤلي بأنّ التوافق حاصل حتماً حتماً، وبدأت طلائعه بالظهور من خلال المصالحة بين النائب العماد ميشال عون والرئيس أمين الجميل بعدما كان النائب أنطوان غانم ومسؤولون في التيّار الوطني الحرّ قد مهّدوا الطريق أمام حصول المزيد من التقارب والانفتاح بينهما، ولكنّهما تأخّرا بعض الشيء بسبب الاغتيال المفاجئ لغانم في شهر أيلول/ سبتمبر 2007.
علي الموسوي
الانتقاد/ العدد 1238 ـ 26 تشرين الاول/ اكتوبر2007
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018