ارشيف من : 2005-2008
أسهم سليمان ترتفع مجدداً ولقاء عون الجميل حشر جعجع : الأجواء التفاؤلية متقدمة ومبادرة بري تنتظر نتائج بكركي
في الثالث والعشرين من الشهر الجاري، الباب واسعاً على آفاق جديدة لإمكانية تحقيق توافق بشأن الاستحقاق الرئاسي خلال الأيام العشرين التي تفصل اللبنانيين عن الموعد الجديد للجلسة المقبلة التي حددها الرئيس بري يوم الاثنين في الثاني عشر من تشرين الثاني المقبل، أي قبل يومين فقط من "الأيام العشرة الأواخر" التي تسبق انتهاء ولاية رئيس الجمهورية، وهي الأيام التي ينظر جميع الأطراف اليها على أنها الأيام التي سيتحدد خلالها مصير الاستحقاق الرئاسي ومعه لبنان، سواء نحو "الإنقاذ بالتوافق" أو "الخراب" اذا لجأ فريق السلطة الى انتخاب رئيس بالنصف زائد واحد.
الآفاق الجديدة التي فتحها هذا التأجيل أمام محاولات التوافق تزامنت مع العديد من المعطيات الجديدة التي دفعت نحو الاتجاه التفاؤلي للأمور دون أن تحسم باستمرار الخط البياني ايجابياً حتى النهاية، بانتظار الربع الساعة الأخير من مهلة الاستحقاق، ومن هذه المعطيات:
أولاً: زيارة وفد الترويكا الأوروبية الى لبنان ونتائج هذه الزيارة، حيث ظهر واضحاً من خلال جولات المحادثات التي أجراها وزراء خارجية كل من فرنسا برنار كوشنير وإيطاليا ماسيمو داليما وإسبانيا ميغل انخيل موراتينوس في بيروت مع قادة المعارضة وفريق السلطة، أن الدول الثلاث تعيش حالة هلع كبيرة بشأن مصير أمن جنودها العاملين ضمن قوات اليونيفيل في الجنوب فيما لو اتجه الاستحقاق الرئاسي نحو لجوء فريق السلطة الى انتخاب رئيس بالنصف زائد واحد ولجوء المعارضة بالمقابل الى إجراءات دستورية وعملية لمواجهة هذا الانقلاب.
وعليه فإن الوزراء الثلاثة كانوا واضحين جداً في حرصهم على تحقيق التوافق بشأن الاستحقاق الرئاسي بما يؤدي الى المحافظة على استقرار لبنان، لأن هذا الأمر مصلحة أوروبية أكيدة. ولهذا شجع الوزراء الثلاثة الرئيس بري على الاستمرار في مبادرته الوفاقية وعملوا على تقريب وجهات النظر على الساحة المسيحية، وهو ما ساهم في ايجاد حراك سياسي جديد على مستوى هذه الساحة.
ثانياً: انبعاث الحياة من جديد في مبادرة بكركي التي كان نعاها رئيس الهيئة التنفيذية للقوات اللبنانية سمير جعجع في أيامها الأولى، وتمثل هذا الانبعاث باللقاء "المفاجأة" الذي حصل الأحد الماضي بين رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب العماد ميشال عون والرئيس الأعلى لحزب الكتائب أمين الجميل بعد قطيعة طويلة بين الجانبين بدأت منذ اغتيال الوزير والنائب بيار الجميل في تشرين الثاني/ نوفمبر من العام الماضي. وبرغم أنه لم يكن لبكركي أي دور في حصول هذا اللقاء فإن مجرد حصوله دفع الى عملية خلط أوراق كبيرة على الساحة المسيحية بما يؤدي الى اعطاء دفع جديد لمبادرة بكركي، وهو حشر من جهة ثانية في الزاوية رئيس الهيئة التنفيذية للقوات اللبنانية سمير جعجع الذي امتعض كثيراً من هذه المصالحة بين الجميل وعون التي أفادت الاثنين على أكثر من صعيد، ووصفها النائب ميشال المر "بالمصالحة الرئاسية"، وجعلت هذه المصالحة جعجع مكشوفاً في مواقفه الرافضة للتوافق بشأن الاستحقاق الرئاسي. وفي قراءة أوساط عديدة لحصول لقاء المصالحة فإن ما أملاه من جانب الجميل هو ادراكه الفخ الذي نصبه له فريق السلطة سابقاً ودفعه الى افتعال معركة خاسرة مع عون في المتن الشمالي، وهو أخذ بعين الاعتبار موضوع ملء المقعد الشاغر في بعبدا ـ عاليه بعد اغتيال النائب انطوان غانم، خصوصاً ان للتيار الوطني الحر الثقل الانتخابي الأكبر في هذه المنطقة، وقد بلغ حزب الكتائب أن خيانة ما يعمل عليها حلفاؤه في فريق السلطة بشأن هذا المقعد.. ففيما يسعى رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط لإيصال النائب السابق صلاح حنين ليحل مكان غانم الكتائبي، يعمل رئيس الهيئة التنفيذية للقوات اللبنانية سمير جعجع على إيصال المسؤول في حزب الأحرار إلياس أبو عاصي الى هذا المقعد النيابي. فيما ظهر أن التيار الوطني الحر بات يعمل لوصول مرشح تزكية كتائبي الى هذا المقعد، وهو ما لاقى ارتياحاً لدى الرئيس أمين الجميل.
ثالثاً: زيارة وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط الى بيروت أمس الخميس التي شكلت حراكاً عربياً جديداً وإن كان متأخراً على خط المساعي الهادفة الى حل الأزمة السياسية في البلاد، وهي جاءت بالتزامن مع قرب حصول تحرك اضافي من قبل الجامعة العربية باتجاه لبنان عبر زيارة مرتقبة للموفد الرئاسي مصطفى عثمان اسماعيل.
زيارة الوزير المصري وإن كانت بدت كأنها تملأ الفراغ السعودي على الساحة اللبنانية بعدما بدت الرياض بمثابة طرف من خلال دعمها مرشح فريق الرابع عشر من شباط النائب السابق نسيب لحود، فإن أهميتها ودلالتها جاءت من كونها حصلت في أعقاب زيارة لافتة قام بها قائد الجيش العماد ميشال سليمان الى القاهرة بناءً على دعوة رسمية من قبل رئيس الأركان المصري، واستقبال العماد سليمان من قبل الرئيس المصري حسني مبارك، وقد أعطيت هذه الحفاوة بقائد الجيش في القاهرة تفسيرات عديدة من قبل الأوساط السياسية، وفي مقدمتها عودة سليمان ليحتل رأس لائحة المرشحين التوافقيين المحتملين لتولي رئاسة الجمهورية نتيجة توافق دولي وإقليمي عليه.
وفي هذا السياق تقول مصادر مقربة من مرجع رسمي لـ"الانتقاد" ان العماد سليمان هو "مرشح توافقي جدي" يتقدم على غيره من المرشحين التوافقيين المحتملين، وذلك مرده الى الدور الكبير الذي قام به الجيش في المرحلة السابقة، والدور الذي يمكن أن يقوم به في المرحلة القادمة.
"مبادرة بري بانتظار بكركي"
في هذه الأثناء وفيما كان "غربان" فريق الرابع عشر من شباط يصعدون من حملاتهم ضد التوافق ويعملون على منع حصوله، وهو ما يظهر في موجة المواقف المتواصلة لرئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط ورئيس الهيئة التنفيذية للقوات اللبنانية سمير جعجع، يصرّ رئيس مجلس النواب نبيه بري على إشاعة أجواء التفاؤل وأن التوافق آتٍ حتماً.. ويستند الرئيس بري في هذا التفاؤل الى معطيات عدة، منها أنه يلمس رغبة لدى تيار المستقبل في حصول هذا التوافق، وحرص بكركي على وضع المسيحيين في لبنان، وخوف الأوروبيين من انعكاس الفوضى على جنودهم في الجنوب. كما أن الرئيس بري لمس "خروجاً أميركياً طفيفاً عن حالة إخفاء الموقف باتجاه إعطاء اشارات ايجابية، وهو ما لمسه من البيان المكتوب للسفير الاميركي جيفري فيلتمان الذي تلاه الأسبوع الماضي في عين التينة. لكن مصادر عين التينة لا تعول على هذا التبدل الطفيف وتدعو الى الانتظار حتى ينكشف الموقف الأميركي في الربع الساعة الأخير من موعد الاستحقاق.
بالمحصلة فإن الأجواء التفاؤلية لا تزال قوية ومبادرة الرئيس بري تنتظر ما ستسفر عنه مبادرة بكركي لتبني على نتائج هذه المبادرة خطواتها الاضافية في مسيرة تحقيق التوافق الرئاسي.
هلال السلمان
الانتقاد/ العدد 1238 ـ 26 تشرين الاول/ اكتوبر2007
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018