ارشيف من : 2005-2008

صيادون على خط النار يبحثون عن رزقهم

صيادون على خط النار يبحثون عن رزقهم
غزة ـ فادي عبيد
كثيرة هي مشاهد الشقاء والمعاناة التي يعيشها الفلسطينيون لا سيما في قطاع غزة بسبب الحصار والتضييق الذي تفرضه عليهم سلطات الاحتلال منذ أكثر من عام ونصف؛ الأمر الذي انعكس بصورة جلية على كل جوانب الحياة وفي مقدمتها الاقتصادية.
هذا الواقع المرير بكل ما تحمل الكلمة من معنى دفعهم إلى البحث عن لقمة العيش وسط قلة الموارد وندرة فرص العمل، فكان منهم من جعل هواية صيد العصافير مهنةً يعتاش منها وأسرته، وهو ما حاولنا تسليط الضوء عليه من خلال رحلة برية إلى الحدود الشرقية لبلدة بيت حانون شمال قطاع غزة حيث المكان المفضل لصيادي العصافير.
المشهد لدى وصولك يبدو مخيفاً إلى حد كبير؛ نظراً لطبيعة المكان وقربه من الحدود الفاصلة بين غزة والأراضي المحتلة عام 48، فطائرات الاستطلاع الصهيونية لا تفارق سماء المنطقة، وضجيج حركة الآليات العسكرية يبدد حالة الهدوء التي تعتبر عامل الجذب الرئيسي للعصافير، أضف إلى ذلك أن مساحات واسعة من الأراضي الزراعية قد جرفت، والكثير من الأشجار قد اقتلعت.
 اقتربت قليلاً فإذا بمجموعة من الفتية والشبان تحضر للصيد، حالتهم كانت أشبه بخلية النحل، فهذا مهمته توزيع الأقفاص لجذب العصافير، وذاك نصب الشباك، وآخر إحضار الشوك، وهكذا حتى انتهوا من تجهيزاتهم، وأخذوا مواقعهم بانتظار "رزقهم"، ما أتاح الفرصة لنا للحديث معهم.
لا خيار
يقول خالد الكفارنة (23 عاماً) وهو متزوج وله أربعة أبناء: "إنه وغيره العشرات من الغزيين اتخذوا صيد العصافير مصدراً للحصول على قوتهم في ظل ما يعيشونه من ظروف صعبة بفعل الحصار".    
وعن تجربته الشخصية حدثنا الكفارنة: "أنا هوايتي الصيد من زمان؛ لكن السنين اللي فاتت لما الواحد كان بيشتغل، ما كنت أهتم كثير لأنه في عندي مصاريف ومسؤوليات، أما الآن فما لاقيت وسيلة أمامي غيرها حتى أقدر أجيب خضرة للبيت وأكل للأولاد".
وحول حجم المخاطر التي يتعرض لها الصيادون على أيدي قوات الاحتلال، قال الكفارنة: "يعني الخطر كبير وفي كل مرة بنروح نتصيّد نتعرض لإطلاق قذائف أو نار من الدبابات القريبة من السلك، لدرجة إنه صرت لما أطلع من البيت أودع زوجتي والأولاد؛ لكن مش بخاطرنا يعني الحياة بدها متطلبات وفلوس وما في حل غير هيك".
وعن العائد المادي الذي قد يحصلون عليه من الصيد، أوضح الكفارنة أنه ليس بالكثير؛ وفي الغالب لا يكفي لشراء طعام العصافير التي يقومون بتربيتها لاستخدامها في الصيد، لكنه أشار إلى أن ذلك مرهون بالطقس والظروف حيث أنه في بعض الأحيان يصطادون أكثر من عصفور ثمن الواحد منها يتراوح من 50 – 80 شيكلا.
مخاطر وتحديات
محمد المصري (18 عاماً) صياد آخر، وواحد ممن يلقبون بالمحترفين يقول إن مهنتهم تراجعت كثيراً بسبب استمرار عمليات التوغل الصهيونية وتجريف الأراضي الحدودية التي تعد ملاذاً للكثير من أسراب العصافير المهاجرة.
وحول الاستهداف المتواصل الذي يتعرضون له، وخاصة الفتية بينهم قال المصري: "إن الاحتلال باستمرار يحاول إصابتنا وقتلنا مع أنه يعلم أننا لا نحمل أي سلاح، وفي كثير من المرات تعرضت شخصياً لسقوط قذائف مدفعية بالقرب مني".
تعمد الاحتلال في استهداف الفتية كان مثار اهتمام بالغ لدى مؤسسات حقوق الإنسان العاملة في قطاع غزة حيث طالبت في أكثر من مرة بضرورة وقف هذه الانتهاكات والاعتداءات، وتقول آخر إحصائيات أعدتها مؤسسة الضمير الناشطة في هذا المجال: "إن قوات الاحتلال تمارس سياسة عقاب جماعي تستهدف كل الفلسطينيين بما فيهم الأطفال، وذلك تحت مبررات أمنية واهية".
ووفقاً لتلك الإحصائيات فقد استشهد 18 فتى في المناطق الحدودية سواء في شمال أو شرق القطاع في الفترة ما بين تموز/ يوليو 2006  إلى تموز/ يوليو 2007، كان آخرهم الفتى رمزي رجب حلس (17عاماً) جراء إطلاق قوات الاحتلال النار عليه بالقرب من معبر المنطار بينما كان يصطاد العصافير.
ارتباط لقمة العيش لدى الفلسطينيين باعتداءات الاحتلال المتفاقمة يوماً بعد يوم يجعل الحالة المأساوية التي يعيشونها فوق حد الوصف، بانتظار أن تتغير الصورة القاتمة أو تنكشف دون أن يعلموا متى وكيف؟
الانتقاد/ العدد 1239 ـ 26 تشرين الاول/اكتوبر 2007
2007-10-30