ارشيف من : 2005-2008
سراب
فالفائض الكبير في السعي المحموم للتوصل إلى تسوية، معطوفاً على الاهتمام الاقليمي والدولي، يوحي بأن قطار الحل قد وضع على السكة، في حين أن أقصى ما يمكن أن تنتجه المبادرات والمساعي القائمة لن يتجاوز في أحسن حالاته التسوية الموقّتة، أو الاتفاق على ادارة الأزمة وترحيل ملفاتها الشائكة إلى موعد آخر.
الأزمة اللبنانية اليوم، ليست أزمة الاتفاق على رئيس للجمهورية.. وإن كان هذا الموضوع عنوانها الأبرز، الأزمة اللبنانية اليوم هي نتائج خلطة عجيبة من تداخل أزمات وتعقيدات محلية وإقليمية ودولية، وجدت متنفساً لها على الساحة اللبنانية في شكل اشتباك سياسي حاد، وقد لا يكون مستبعداً أن يتحول إلى اشتباك عسكري إذا استمرت واشنطن بالمضي قدماً في أجندتها اللبنانية.
أبرز حلفاء واشنطن اللبنانيين (جعجع ـ جنبلاط) يبشرون بالاغتيالات والكوارث، ويشيعون أجواء تشاؤمية، في حين أن قوى المعارضة تؤكد ولو بحذر على تفاؤلها بفعل المبادرة الأوروبية واستمرار الاتصالات بين الرئيس نبيه بري وزعيم تيار المستقبل سعد الحريري، الذي يظهر تمايزاً نسبياً في أدائه وخطابه عن حليفيه الآخرين.
الولايات المتحدة الأميركية تريد أن تجعل من لبنان خطاً أمامياً للدفاع عن مصالحها ومصالح حلفائها، وعلى رأسهم "اسرائيل"، ومصالح اميركا واسرائيل تكمن أولاً وأخيراً في إخضاع المنطقة دولاً وشعوباً، وإلحاقها في منظومة هيمنتها العالمية عبر الاحتلال والحصار والضغوط من كل حجم ونوع، وهناك بين أفرقاء 14 شباط من يتبنى سياسة واشنطن بحذافيرها، بل ويقف إلى يمينها ويزايد في تحريضها على تبني سياسات أكثر تطرفاً وحسماً في عدوانيتها تجاه قوى لبنانية وعربية أخرى تقف ضد المشروع الأميركي في لبنان والمنطقة.
الساحة اللبنانية اليوم تكاد تختصر قوس الأزمات العالمية والإقليمية، وواشنطن تعمل على تعزيز نفوذها ونفوذ حلفائها فيها، وصولاً إلى محاولة الحضور فيها عبر مخططاتها لإقامة قواعد عسكرية ثابتة في مناطق لبنانية عدة، تحت مسميات مراكز تدريب لتأهيل ومساعدة الجيش اللبناني، وواشنطن المفرطة في حساسيتها تجاه أي تدخل خارجي بالشؤون اللبنانية تشترط لمساعدة الجيش اللبناني تغييراً جذرياً في عقيدته القتالية، وإعادة صياغتها بما يتلاءم مع سياسات الإدارة الاميركية، هي تملك رؤيتها وتعريفاتها التي تريد فرضها على قاموس السياسة والتحالفات وتركيبة البلد برمته.
ليس من المبالغة في شيء القول إن بعض الأطراف في فريق 14 شباط يتعاطون بيأس مع ما آلت اليه الأمور، وهم يراهنون بعد تطرفهم في المغالاة بمواقفهم العدائية ضد سوريا وأطراف لبنانية داخلية، على حرب جديدة يشنها العدو بدعم اميركي، تعيد تصحيح المعادلة وتمحو أخطاء عدوان تموز 2006 الذي جاءت نتائجه معاكسة لكل توقعاتهم، وسيكون مفهوماً أيضاً أن يتضاعف يأسهم مع حدوث تبدلات سياسية اضافية تقربهم أيضاً من الانتحار السياسي، أما إذا حدث العدوان الذي يحرضون عليه ليل نهار فقد يكون على العدو المحتل أن يأخذهم معه في حال هزيمته المؤكدة لأنهم من عدة الشغل التي واكبته قبل العدوان وبعده!..
الانتقاد/ العدد 1238 ـ 26 تشرين الاول/اكتوبر2007
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018