ارشيف من : 2005-2008

عيد آخر للحرية

عيد آخر للحرية

كتب ابراهيم الموسوي
يفترض في حدث تحرير أسير أو جثمان شهيد إلى بلدٍ ما أن يكون مناسبة وطنية جامعة، تتوحد خلفه القوى المختلفة معارضة وموالاة، وتتلاقى حوله كإحدى علامات القوة ودواعي اللحمة لتشييد مدماك آخر في بنيان المناعة الوطنية والسيادة الذاتية.
لا يفترض أبداً أن يكون هذا الحدث مدعاة لأي خلاف أو اختلاف، ولا سيما في بلدٍ عانى وما زال يعاني من الاحتلال، ورزح، وما زال ابناؤه يرزحون تحت نير الأسر، وفي ظل التهديد الدائم، وانتهاك السيادة، واختراق حرمة البلد أرضاً وجواً ومياهاً. ولكن، وفي بلدٍ كلبنان، يبدو أن هذه القاعدة لا تنطبق بالضرورة، وعليه يمكن توقع أن تخرج بعض الأصوات التي تعتبر التبادل بين المقاومة والعدو الاسرائيلي فعل خيانة للقرارات الدولية (سمير جعجع) فيما تعبّر جهة أخرى (وليد جنبلاط) عن الأسى والانزعاج الشديدين لإتمام هذه العملية، لأنها تصب ربما في خانة تعزيز وضع الخصوم الداخليين على حساب رهانات موهومة لديهم تستند الى تطورات دراماتيكية ستحصل وتجلب معها تغييراً كاملاً للمعادلات بما يصب في مصلحة هؤلاء.
ولكن وبعيداً عن الأصوات النشاز  للهاذين بأمانيّهم، الذين يوردونها مورد الواقع فيما هي لا تعدو أن تكون أضغاث أحلام، فإن لفعل المقاومة الإسلامية الأخير دلالات بليغة ورسائل واضحة للداخل والخارج.
من هذه الدلالات أن المقاومة أعادت توجيه البوصلة باتجاه الصراع الحقيقي مع العدو، فبعيداً عن الخلافات السياسية والانقسامات الداخلية، أظهر حدث التبادل بشكل جلي أن هناك عدواً ما زال يحتجز لنا أسرى أحياء وجثث شهداء، ويحتل أرضاً لبنانية، وأن هؤلاء الأسرى وهذه الجثث، هم في أسر العدو بسبب حرب عدوانية واسعة ومدمرة ضد لبنان جرت في تموز العام 2006 فيما احتلاله وأطماعه توغل بعيداً الى ما يزيد على النصف قرن من الزمان.
التبادل أظهر أيضاً أن المقاومة الصادقة، لا تنسى وعودها للأمة وللشعب اللبناني وللأسرى وأهاليهم بأنها لن تتركهم في سجون الأعداء، بل ستبذل كل جهد ممكن لاستنقاذهم وتحريرهم من قبضة المحتل.
كذلك فإن عملية التبادل أعادت الى الصورة قدرة المقاومة على صيانة دورها في لبنان ولدى المحافل الدولية في خوض مفاوضات شاقة ودقيقة توجت انجازات هامة جداً، ستظهر كامل نتائجها خلال الفترة المقبلة. وهو ما يشكل شهادة اضافية وتجسيداً عملياً للاعتراف الدولي بهذه المقاومة واحترام دورها.
اذاً، هي حسابات الواقع التي تعطي النتائج والثمار المرجوة، وليس الاتكال على الأحلام والتمنيات والوعود الكاذبة.
كذلك فإن محاولات الإلهاء القسرية واغتصاب السلطة والانقلابات السياسية الحادة لقوى فريق 14 آذار لم تحجب عن المقاومة أولوية متابعة عملها في تحرير الأسرى بكل السبل الممكنة، ما يعطي فرصة جديدة على المستوى الداخلي للتوحد حول قاسم مشترك جامع وخطاب واحد، ولكن يبدو أن دعاة الشرذمة والتقسيم لم يرقهم الأمر فبدأوا بإطلاق سهامهم على الإنجاز التحريري باعتباره يشكل خسارة لهم، وإضافة مفترضة الى رصيد خصومهم السياسيين.
ولكن ومهما يكن فإن المقاومة التي عانت الكثير وقدمت التضحيات الجسيمة على طريق تحرير الوطن والإنسان، لن يفت في عضدها تقوّلات المتقولين وتخرصاتهم، وهي التي لم يضعفها رصاص المحتلين واعتداءاتهم، وهي ستستمر في جهودها المباركة لتتوجها بنصر آخر وعيد آخر لتحرير الأسرى وجثث الشهداء في أمد قد لا يكون بعيداً أبداً.
للمقاومة العزة والنصر، لناسها الحرية والتحرير، والمجد كل المجد للوطن!
الانتقاد/ العدد 1237 ـ 19 تشرين الاول/اكتوبر2007

2007-10-19