ارشيف من : 2005-2008

غريب

غريب

وإشهار العداء لها والتآمر عليها وصولاً للمطالبة بإسقاط نظامها، ها هو وبالحماسة المنقطعة النظير نفسها، يدافع عن العدو الإسرائيلي ويبرئه سلفاً من كل تورط في الاعتداء على لبنان لناحية الاغتيالات والتفجيرات، ويكيل المديح لواشنطن لأنها وقفت إلى جانب لبنان خلال عدوان تموز 2006.‏

عن أي لبنان يتحدث هؤلاء، وأي لبنان وقفت إلى جانبه واشنطن في عدوان تموز.‏

"أفلا يتذكر هؤلاء ما قالته وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس في عدوان تموز "إن ما نشهده اليوم هو صرخات ومخاض ولادة الشرق الأوسط الجديد".‏

هل نسي هذا الفريق أن جون بولتون المكرّم حصرياً من جوقة "ثورة الأرز" قد أعلن مراراً وتكراراً خلال العدوان، وبرغم المجازر العديدة التي حصدت أرواح اللبنانيين، رفضه لوقف اطلاق النار.‏

هل يمكن اعتبار الفيتو الأميركي المانع لإدانة اسرائيل بسبب مجازرها خلال عدوان تموز بأنه دعم اميركي للبنان.‏

ـ هل يمكن اعتبار الجسر الجوي الأميركي الذي بنته واشنطن إبّان العدوان لتزويد ترسانة العدو بالصواريخ والقذائف وقوفاً إلى جانب لبنان، وللذين يتناسون من أصحاب الذاكرة القصيرة ننقل ما ذكرته صحيفة "نيويورك تايمز ـ 23/7/2006 بعد أيام على بدء العدوان من أن ادارة الرئيس بوش عجّلت بإرسال صواريخ موجهة بالليزر إلى اسرائيل قادرة على اختراق أهداف عميقة تحت الأرض". ونقلت الصحيفة عن مسؤولين اميركيين قولهم "إن قرار شحن الأسلحة بسرعة جاء بعد مناقشات بسيطة داخل الادارة الأميركية". وأضافت الصحيفة نفسها "أن ضباطا عسكريين اعتبروا طلب التسليم الحاصل أمراً غير معتاد، يشير إلى أن اسرائيل تعتزم قصف أهداف عديدة في لبنان".‏

واذا لم يكن كلام "نيويورك تايمز" كافياً فإليكم كلام صحيفة الاندبندت البريطانية، فقد قسمت الصحيفة (عدد 21/7/2006) صفحتها الأولى إلى مربعين يعلوهما عنوان لـ"الشرق الأوسط": من الذي يدعم وقفاً فورياً لإطلاق النار؟ وجاءت الإجابة في شكل أعلام جميع دول العالم ما عدا اسرائيل والولايات المتحدة وبريطانيا، وقد وضعت في أحد المربعين الذي حمل كلمة "نعم" في اجابة عن السؤال، اما المربع الثاني فقد بدا فارغاً الا من اعلام اسرائيل وبريطانيا والولايات المتحدة وحمل كلمة "لا".‏

بجوار "نعم" في المربع الأول نشر تصريح لأمين عام الأمم المتحدة السابق كوفي عنان يقول "يتحتم وقف العقوبات الجماعية على الشعب اللبناني، ما نحتاجه هو وقف فوري للأعمال العدائية"، وتابعت "الاندبندت" أنه فيما تلوح كارثة انسانية تنكشف بريطانيا والولايات المتحدة لرفضهما الموافقة على طلب للأمم المتحدة بوقف القتال. وأضافت أنهما بتحديهما طلب الأمم المتحدة وغموض موقفهما من قتل المدنيين اللبنانيين، فإن واشنطن ولندن تعطيان اسرائيل اشارة قوية بأنه بإمكانها الاستمرار في هجماتها من دون خشية من المساءلة.‏

هل نسي هؤلاء أن كل البنى التحتية التي دمرت والشهداء المدنيين الذين قضوا، والمعاناة المستمرة مع الاحتلال، كله تم ويتم بدعم اميركي، الأميركيون أنفسهم عبّروا عن خجلهم من أدارتهم وسخطهم عليها لأنها تستعمل أموالهم كدافعي ضرائب لدعم اسرائيل التي تقوم بدورها بقتل اللبنانيين والفلسطينيين.‏

هل يمكن لهؤلاء أن يعتبروا مثلاً أن الـ233 شهيداً، الذين سقطوا حتى الآن بفعل القنابل العنقودية المحرمة دولياً، والتي زوّدت بها الولايات المتحدة اسرائيل، دعم للبنان، أم أن كل هذه أرقام لا يحسب لها حساب ولا تعلق في ذاكرة السياديين الجدد.‏

فليدلنا هؤلاء على موقف اميركي واحد أخذت فيه الولايات المتحدة جانب لبنان إزاء العدوان الإسرائيلي المستمر عليه، هل في تاريخ الصراع وذاكرتهم أثر لشيء من هذا القبيل.‏

مشكلة هؤلاء ليست في أنهم لا يرون الحقيقة أو أنهم لا يريدونها، مشكلتهم أنهم لا يرون إلا الحقيقة التي تناسب أهواءهم ومصالحهم السياسية حتى ولو التقت مع الشيطان، مشكلتهم أنهم يريدون تزوير الحقيقة والواقع والتاريخ، مشكلة هؤلاء أنهم لا يتذكرون الأرقام ولو كانت أرقام الضحايا والخسائر من أبناء شعبهم وجلدتهم، إنهم يرون الأرقام فقط ويتذكرونها عندما تتعلق بحساباتهم المنتفخة في بنوك العالم واستثماراته، همومهم في البورصة أضاعت عليهم البوصلة.‏

عفواً أيها السادة فإسرائيل لن تصبح الجارة، وستبقى العدو، والجار الشقيق الذي تريدونه عدواً لن يكون عدواً، والولايات المتحدة التي تدعم اسرائيل لذبح اللبنانيين لا يمكن أن تكون داعمة للبنان في الوقت نفسه، عفواً أيها السادة، فالتاريخ لن تزوره تصريحاتكم كما لن تغيره تمنياتكم! غريب!‏

الانتقاد/ العدد 1236 ـ 12 تشرين الاول/ اكتوبر 2007‏

2007-10-12