ارشيف من : 2005-2008
حسابات المعارضة وحسابات الموالاة!
كتب إبراهيم الموسوي
الأجواء التفاؤلية التي سادت مؤخراً لجهة إمكانية التوصل إلى اتفاق حول موضوع انتخابات رئاسة الجمهورية في المهلة الدستورية المتبقية، والتي يأتي أقرب موعد لمحطتها الثانية بعد أقل من 20 يوماً، بدأ يتراجع زخمها بفعل المواقف الأميركية التي بدأت بالظهور غداة زيارة زعيم الأكثرية سعد الحريري إلى واشنطن.
فبعد جملة من المواقف والمساعي العربية (السعودية تحديداً) والأوروبية (الفرنسية تحديداً) والإيرانية والسورية، وبعد انطلاق عجلة الحوار الداخلي بفعل اللقاءات التي عقدت بين قطبي المعارضة والموالاة، رئيس مجلس النواب نبيه بري وسعد الحريري استناداً إلى مبادرة بعلبك، وبعد المواقف السورية التي شددت على اتفاق اللبنانيين لتمرير الاستحقاق، وما رافق ذلك من تأكيد للبطريركية المارونية على ضرورة مراعاة الدستور لجهة الانتخاب وفق قاعدة الثلثين كنصاب قانوني.
كان الكل بانتظار الموقف الأميركي الذي افترض البعض أنه سيكون ايجابياً من هذه المساعي أو على الأقل غير معرقل لها في أسوأ الأحوال، على اعتبار أن خيار اللاتوافق سيفضي حتماً نحو الفوضى والتأزم، وهو ما لا يصب في مصلحة أحد، معارضة كان أم موالاة، فجاء موقف واشنطن ليطلق النار على مجمل المساعي والأجواء الإيجابية من خلال إصرار الإدارة الأميركية على الإتيان برئيس مما تسميه جماعة "ثورة الأرز" أو فريق 14 شباط، لتؤكد بالتالي تبعية هذا الفريق لها، وخضوعه لإملاءاتها، فضلاً عن إقامتها صلة ارتباط وثيقة بين ما يجري في لبنان وتطورات المنطقة بدءاً بالعراق مروراً بسوريا وصولاً إلى فلسطين المحتلة، ومن دون نسيان إيران أيضاً.
وأمام هذا المعطى الجوهري الذي يقلب الحسابات رأساً على عقب يكون قد تبدّى وبشكل ظاهر جداً سبب التصعيد الذي دأب على إشاعة أجوائه كل من سمير جعجع ووليد جنبلاط، اللذين ظلا على مواقفهما غير المرحبة بمساعي الحريري، والرافضة للاتفاق مع المعارضة، انطلاقاً من رهاناتهما على موقف أميركي جاء ولو متأخراً ليصب في خانة سعيهما لتوفير الأجواء وعرقلة الحلول بعد فترة من الإرباك والضياع التي سادت لدى صنّاع القرار في البيت الأبيض إزاء الموقف الواجب اتخاذه إزاء التطورات في لبنان.
وأمام هذه المواقف الأميركية السلبية تكون واشنطن قد وضعت اللبنانيين أمام مسار تصادمي، ودفعت بالأمور باتجاه أقصى درجات التأزيم، ما قد يفتح الباب أمام تداعيات لا تبشر بالخير أبداً.
وإزاء توضح موقف واشنطن، يعود السؤال ليطرح نفسه حول موقف العديد من العواصم الأوروبية والعربية ولا سيما تلك التي تتمتع بتأثير ونفوذ في الساحة اللبنانية من ذلك؟
هل تتخلى هذه الدول عن مساعيها وتنحني أمام الضغط الأميركي، أم أنها ستستمر في مهامها لإيجاد حل توافقي حول انتخابات الرئاسة، وتكرس بالتالي افتراقها مع واشنطن الذي بدأت ملامح تبايناته منذ فترة حيال الملف اللبناني.
الصحيح أن هناك فرصة حقيقية لتسوية الأزمة الراهنة، والصحيح أيضاً أن الدول الأوروبية والعربية الفاعلة تملك هامشاً من الاستقلالية لممارسة تأثيرها في هذا الإطار بما يتناسب مع مصالحها ومصالح غالبية اللبنانيين، وليس تبعاً لأهواء الإدارة الأميركية التي تتخبط في وحول فشلها في العراق وأفغانستان، ولا تدري ماذا تفعل للتخلص من أزمتها هناك، والصحيح أيضاً أيضاً أن الأطراف الأساسية لمعادلة الأزمة اللبنانية في فريقي المعارضة والموالاة تستطيع الكثير للتوصل الى حل بالاستناد الى الدعم الأوروبي والعربي وحتى من دونه.
ويمكن لهذه الأطراف أن تأتي برئيس للجمهورية (صنع في لبنان)، ولكن دون ذلك أن تكون الحسابات لبنانية صرفة بما يتلاءم مع تاريخ لبنان وموقعه في دائرة الصراع مع عدوه وعدو العرب.
المعارضة من جهتها قدمت التنازلات وأبدت كل رغبة وفوّضت الرئيس بري بالتوصل الى الحل المنشود مع سعد الحريري، وبعض أطراف الموالاة الثانويين يتمسكون بالمشاغبة على المسعى، ويرفضون التوافق ويحاولون التعويض عن ضآلة أحجامهم بتضخيم أصواتهم ومواقفهم.
هؤلاء يجب أن يدركوا أن رفع النبرة الخطابية لا يصنع دوراً ولا يزيد حجماً ولا يسهم في حل، وكذلك يجب أن يدركوا أن الترياق لن يأتي من العراق هذه المرة، لأن العراق محتل ومحتله الأميركي في غاية الاعتلال.
والخلاصة، إن حسابات المعارضة، ومن خلال كشف حساب شفاف، لبنانية صرفة، أما حسابات الموالاة فهي ممنوعة من الصرف أميركياً، إلا إذا كان لسعد الحريري رأي آخر، رأي يقول فيه إن الأولوية للبنان بعيداً عن حسابات واشنطن وغير واشنطن. الجواب لن يطول، والكل ينتظر ماذا سيكون من شأن فريق 14 شباط، ومَن يَعِشْ يَرَ!.
الانتقاد/ العدد 1235 ـ 5 تشرين الاول/اكتوبر 2007
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018