ارشيف من : 2005-2008
الاستحقاق الرئاسي يسابق الوقت والخيارات مفتوحة بتفاوت بما فيها على الأسوأ
كتب مصطفى الحاج علي
حركة ناشطة ديبلوماسياً وسياسياً على خط الاستحقاق الرئاسي، إلا أنه لا طحين بعد، في الوقت الذي بدأت فيه المهلة الدستورية المتبقية لإنجاز الاستحقاق تأخذ بالنفاد ضاغطة على الجميع، لجهة الخيارات المتاحة، أو المتبقية حتى اللحظة الأخيرة، في هذا الإطار، تطرح علامات استفهام قوية حول حقيقة ما تضمره واشنطن وأدواتها في لبنان، والذي كما يبدو لن يبين بوضوح إلا في الوقت الأحمر والأخير من الاستحقاق.
وفي مطلق الأحوال، إن مسار الأمور حتى الآن لا يشي بتفاؤل كبير، وإن كان الأمل بإمكان إنجاز تسوية في اللحظة الأخيرة يبقى وارداً، وذلك في ضوء الملاحظات التالية:
أولاً: إن الموقف الأميركي يبدو حتى الآن غامضاً ومربكاً، ربما لأن الخطة الاميركية في المنطقة لم تنضج بعد، ولم تجهز عدتها ولوازمها، ولم تحسم خياراتها. ولبنان بات في نظر واشنطن ورقة لها أهميتها الاستراتيجية، حيث تعتبره بوابة الصراع ضد سوريا وإيران والمقاومة، وإذا صحت المعلومات التي تحدثت عن نية واشنطن إقامة قواعد عسكرية في لبنان، يمكننا عندها تصور الوظيفة الاستراتيجية التي يريدها الأميركيون للبنان في المنطقة.
كما أن واشنطن تنظر إلى لبنان بصفته أحد أوراقها الرابحة ولو نسبياً في مقابل أوراقها الأخرى الخاسرة في المنطقة.
وواشنطن تدرك أن أي تسوية مهما كانت ستشكل تثبيتاً للتوازنات القائمة، وكبحاً لمشروعها في لبنان المعبر عنه بالقرارات الدولية خصوصاً القرار 1559، وبالتالي إقراراً ولو ضمنياً ببقاء المقاومة على سلاحها، كما لا بد من أن تؤدي التسوية إلى اعتراف واشنطن مجدداً بدور لسوريا وإيران في لبنان، ومنحهما الثمن المطلوب، وهذا ما لا ترغب به.
ثانياً: إن أي خطوة تصعيدية من قبل واشنطن وعبر أدواتها في لبنان، من شأنها أن تحمل مخاطر تهدد جدياً بفقدانها للنظام السياسي والأمن الذي تعمل على بنائه منذ سنتين، والذي من شأنه أن ينعكس سلباً على دور ووجود القوات الدولية العاملة في الجنوب، ما قد يؤدي إلى انسحابها.
مجمل هذه المخاوف، هي التي تقف فعلياً وراء المساعي الأوروبية والدولية لإيجاد مخرج توافقي ما، وإن بدت هذه المساعي فاقدة لتصور واضح تعمل من خلاله، وغير واثقة من إمكان تحقيق نتائج نهائية، ما جعلها في الكثير من الأحيان تحاول الحصول على تطمينات معينة من المعارضة تخص "اليونيفيل" ومرحلة ما بعد عدم التوافق.
ثالثاً: ظهر واضحاً مؤخراً ارتفاع حدة الضغوط الأوروبية والأميركية على سوريا وإيران والمعارضة، وكذلك توجيه رسائل تهديد إليها تحذرها، من مغبة الإقدام على أي خطوة تصعيدية تقابل خطوة فريق السلطة، أو أي خطوة أخرى يمكن أن تقوم بها المعارضة في حال بقاء الأمور على ما هي عليه.
رابعاً: إن الآليات التي تجري وفقها التسوية حتى الآن لا توحي بالجدية المطلوبة، لا من خلال الطريقة التي تقوم بها الأطراف الدولية والإقليمية بمساعيها، والتي تبدو جزء منها ـ كما فعل المصري ـ أقرب إلى حملة في العلاقات العامة منه إلى مسعى جدي، ولا من خلال إحالة ملف اسم الرئيس إلى الرباعية المارونية التي أنيطت بها مهمة لا تملك خيوطها التي هي في أماكن أخرى معروفة.
خامساً: كل تصريحات ركني فريق 14 شباط جنبلاط وجعجع تكشف أنهما لا يرغبان في التسوية ولا يفضلانها، سواء لرغبة لديهما بالمزيد من الاستئثار أو التسلط، أو لقناعتهما بأن التسوية ستضعف حجمهما المتضخم. أضف الى ذلك، أن إعلان جنبلاط مؤخراً مبايعته للسنيورة وعدّه أحد رجالات الاستقلال لا يخلو من إشارة سلبية واضحة تتصل بمصير الاستحقاق الرئاسي.
سادساً: إن من ينظر في مواقف وسلوكيات النائب سعد الحريري قبل زيارته لواشنطن وبعد عودته منها يلحظ فارقاً أساسياً يقف وراءه إبلاغ رايس الحريري ببقاء السنيورة رئيساً للحكومة، وقولها له إن وقته لم يحن بعد.
سابعاً: ان طبيعة التوازنات الداخلية والتحالفات المبنية على تجمعات طائفية حساسة، واستناد قوى متضخمة على بعضها، كما هو حال فريق السلطة، فإن أي توافق يمكن أن يحصل، ولا يعطي هذه الأطراف الحجم الذي هي عليه، سيؤدي الى فرط ائتلافها. ولا شك، أن اللاصق القوي لأطراف فريق 14 شباط هو وجودها في السلطة، واستثمارها لمصلحتها، ما يعني، أن أي إعادة نظر في توازنات هذه السلطة، سيؤدي الى فرط عناصرها.
ثامناً: لا شك، أن حسابات كل الأطراف دقيقة للغاية في ما يخص الرئيس المقبل: فالمعارضة لا يمكن أن تسلم باسم رئيس غير مضمون من قبلها مئة في المئة، وغير قابل بالتالي للانقلاب عليها لمصلحة فريق 14 شباط، سواء بفعل الضغوط التي يمكن أن تمارس عليه، أو بفعل المغريات التي يمكن أن تقدم له. والعكس صحيح أيضاً، فإن فريق السلطة لن يقبل برئيس من خارج صفوفه لأنه أحد مداخل إمساكها القوي بالسلطة التي تشكل ضمان بقاء تماسك هذا الفريق، الأمر الذي يكشف مدى صعوبة الوصول الى توافق.
تاسعاً: تقاطع جملة من المعلومات والمواقف الأميركية خصوصاً، على أن واشنطن ترغب ببقاء حكومة السنيورة، وأنها لا تحبذ الذهاب الى خيار النصف زائد واحد، الذي ـ بالمناسبة ـ لم يعد بإمكان فريق السلطة التلويح بورقته لفقدانه إياه.
كل ما تقدم يشير الى التالي:
أ ـ إن احتمالات التسوية صعبة إلا أنها ليست مقفلة نهائياً، نظراً للمفاعيل الخطرة التي يمكن أن تحملها أية خيارات أخرى.
ب ـ أن واشنطن تعمل على توفير شروط نجاح اعتماد خيار الانتخاب بنصاب النصف زائد واحد أو بمن حضر، الا ان هذه المهمة لا تبدو سهلة، وغير مضمونة، وخصوصاً أن المعارضة تؤكد يومياً أنها لن تقف مكتوفة الأيدي.
ج ـ قد تعمد واشنطن وفق بعض المؤشرات الى تعطيل أي تسوية، ومنع إجراء الاستحقاق، لضمان بقاء السنيورة في الحكومة لمدة أشهر، وذلك بانتظار أن تنضج أكثر وجهة خياراتها المربكة في المنطقة.
أي من هذه الاحتمالات سيصدق، الأيام القليلة المقبلة هي التي ستحمل الخبر اليقين.
الانتقاد / العدد 1239 ـ 2 تشرين الثاني/ نوفمبر2007
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018