ارشيف من : 2005-2008

فخامة الفوضى

فخامة الفوضى

1 ـ دستور بلا جمهورية
لا تزال الجمهورية اللبنانية حاضرة على الورق، النصوص الدستورية والقانونية تحافظ على الجمهورية صورياً، لم يسقط حرف بعد من اتفاق الطائف، ولا تعدّل نص من نصوص الدستور (باستثناء ما جرى لقوانين الانتخابات والتمديد المزدوج). ومع ذلك فالجمهورية اللبنانية تعتبر طالقة مع "الكتاب" الذي يشكل مرجعاً للبنانيين.
غريبة هذه الجمهورية، إنها عاصية على الانتظام وفق نصوصها، ومع ذلك فهي مستمرة ودائمة وقائمة، ولو على عكازات الطوائفيات، أو في مهب الرياح الداخلية ـ الاقليمية ـ الدولية.
لا تزال الجمهورية قائمة، علماً بأنها تعرضت لتجربة قاسية عام 1958 ولمحاولة تقسيم أو زوال أو استتباع في الحروب ما بين 1975 ـ 1990.. كانت الجمهورية تستعيد حضورها، ولو هشاً، برغبة خارجية وقبول داخلي خالٍ وفاضه من حلول.
حدث ذلك عندما كان العالم متمسكاً باتفاقية سايكس ـ بيكو في كل ما خص غير "اسرائيل"، أما وقد دخلت أميركا إلى مطحنة الدماء في العراق وطواحين التهديدات في كل مكان، فقد باتت الجمهورية اللبنانية على حافة الهاوية.
إنهم يقسمون العراق، يستطيبون فلسطينين: واحدة تحت الاحتلال وأخرى داخل الحصار.. فلماذا ينجو لبنان؟
إذا استمر الخلاف على رئاسة الجمهورية، فقد تضيع الجمهورية، والذي يتكل على الولايات المتحدة لاستعادتها ستسلمه كياناً من ركام.. سيكون لبنان المستقبل بصيغة الماضي، بالأحرى لن يكون.
إن تدمير النصوص الحافظة للجمهورية تدمير لفرص الجمهورية بالبقاء.. وهذا ليس تهديداً، بل توقع مرجح.

2 ـ جمهورية بلا جمهور
عندما عُطلت فعالية اللبنانيين وسيقوا في حملات الشحن الطائفي ليقفوا على حافة الهاوية، بات لبنان عارياً من قواه.. القوى التي تعادلت في الشارع، جمّدت لبنان على الحافة، لا هو يقع ولا هو ينجو، معلّق فوق خشبة تهتز بفوضى فوق هوّة سحيقة.
وعندما عُطلت آليات النظام المتهالكة في أساسها، بات لبنان على وشك استعادة ماضيه، الكل يحذر من الفوضى، الكل يحذر من الشر المستطير، الكل يرى النفق أسود، وليس من قدرة حتى اللحظة تدفع لبنان باتجاه التوازن، ولو فوق الهاوية.
انتخابات الرئاسة إذا حصلت كيفما كان، سيصير لبنان في خبر كان، وإذا حصلت انتخابات بالنصف زائد واحد فسينتصف لبنان، ويصبح كل نصف نافياً للنصف. فينتفي لبنان ونصير جمهوريتين في جمهورية، وهذا لا وجود له في علم السياسة. أما إذا حصلت المعجزة واستعان اللبنانيون بالحكمة والتعقل، فإنهم قد يوفرون للبنانيين فرصة أخرى للبحث في حاضرهم ومستقبلهم.
حالياً: حاضر لبنان مأزوم، مستقبل لبنان مجهول، والجمهور اللبناني غارق في البحث عن "جنس الملائكة" السياسيين.
تبدو حالة لبنان راهناً أنه جمهورية بلا جمهور! جمهورية تنتظر النص الانتخابي من الآخرين، ومن أجل الآخرين.. والحكمة تقتضي البحث عن الممكن الضئيل، اذ يستحيل في ما تبقى من زمن ايجاد حلول للعلاقات مع سوريا والسلاح الفلسطيني، والتعامل مع القرارات الدولية وموقع لبنان الاقليمي في الصراع القائم.. وعليه إذا كان ذلك مستحيلاً الآن، فإنه من الممكن الاتفاق فقط على إبقاء الجمهورية بكل مشكلاتها، ريثما يتسنى الوقت المناسب لإيجاد حلول لمشكلات معلقة. يخشى أن يكون المستحيل مشروع قوى لبنانية في 14 آذار، عندها سيحصدون المستحيل الوطني، الجمهور اللبناني المنقسم، يستعد لطلاق الجمهورية بلا رجعة ربما.

3 ـ ماذا لو..
في لقاء تلفزيوني أصرّ قطب في الرابع عشر من آذار على أن يكون الاستحقاق الرئاسي معركة حاسمة بين تيارين: التيار الاستقلالي "السيادي" والتيار "التبعي".. قلت: لا جديد في ذلك، ففي العام 1958 حاول التيار "السيادي" خوض معركة مع التيار العروبي فانقسم لبنان! وفي الـ75 حاول التيار "الاستقلالي" حسم المعركة ضد التيار الانفلاشي الفلسطيني الشيوعي الـ... فانقسم لبنان مراراً حتى لم يبق مجال لقسمة المنقسم!
ليس لبنانياً، ولا هو من لبنان، من يذهب إلى الحسم أو يجر الفريق الآخر إلى الحسم، لأننا في مثل هذه الحالة نخوض في الدماء، ويفوز فخامة الفوضى.
ماذا لو قرروا في الرابع عشر من آذار أن يحسموا بواسطة التوافق؟ سؤال: هل يُسمح لهم بذلك؟
جواب: لا جواب عن السؤال، لأن وليد جنبلاط قرر أن يخوض معاركه كلها دفعة واحدة كي لا ينتصر في أي منها، فماذا لو سُئل جنبلاط لو يضع في لائحة مطالبه من أميركا لتنفذ له إسقاط النظام في سوريا، ضرب ايران الفارسية، تجريد حزب الله من السلاح، تشليح العقارات التي اشتراها الشيعة!
ماذا لو كان العقل زينة الحياة الدنيا؟
لا جواب..
نصري الصايغ
الانتقاد / العدد 1239 ـ 2 تشرين الثاني/ نوفمبر2007

2007-11-02