ارشيف من : 2005-2008
عقوبات اميركية منفردة تسبق قرار مجلس الامن: عرقلة مساعي البرادعي وتمهيد للمواجهة المقبلة
طهران ـ "الانتقاد"
المواجهة الاميركية ـ الايرانية بدأت تأخذ منحى تصعيديا متسارعا بعد اعلان البيت الابيض فرض سلسلة عقوبات احادية "اميركية " على مجموعة من الشخصيات والشركات والمصارف الايرانية. هذا التطور يسبق الجلسة المقررة لمجلس الامن في الاسبوع المقبل التي من المفترض ان تبحث تطورات الملف النووي وسط سعي اميركي ـ فرنسي للوصول إلى قرار عقوبات دولية ثالث ضد ايران, وهو امر رفضته كل من الصين وروسيا مع تأكيدهما دعم جهود الوكالة الدولية للطاقة في سبيل حل سلمي للملف النووي الإيراني.
ولعل القرار الذي فسره بعض المحللين الغربيين كحركة تكتيكية لجناح رايس ـ برنز لإظهار اقتدار وزارة الخارجية الاميركية وانسجامها بشكل كامل مع تصميم بوش على المضي في حربه على ايران وتوجيه ضربة عسكرية لها قبل نهاية ولايته في الشهر الاول من 2009, جاء موازيا لخطاب الحرب الذي استعاده ديك تشيني مؤخرا, ويظهر مدى استعجال الادارة الاميركية للمواجهة المباشرة بعد فشلها في جر المجتمع الدولي الى حرب وصفها بوش نفسه بالعالمية الثالثة. هذا الفشل ظهر من خلال مؤشرات أهمها:

ـ المواجهة العلنية بين الادارة الاميركية والوكالة الدولية للطاقة التي حققت خطوات نوعية مع طهران في سبيل حل الملف, وتتجلى هذه المواجهة في التصريحات اللاذعة للمسؤولين الاميركيين بدءا من بوش ووزيرة خارجيته وانتهاءً بالناطق باسم البيت الابيض الذي نصح البرادعي "بالصمت وعدم التدخل في الملف لكونه معنيا بالجانب التقني من المسألة، وأما الجانب الدبلوماسي فنحن من نقرره مع الدول الكبرى!". وفي المقابل فإن الدكتور محمد البرادعي يؤكد سلمية الملف النووي ويتحدى اميركا" والمجانين الجدد ـ كما وصفهم ـ بتقديم دليل واحد على سعي ايران لامتلاك القنبلة النووية.. ويتابع عمليا المباحثات مع ايران التي وصلها هذا الأسبوع مساعده هانون الذي وصف الاجواء بالايجابية والبناءة في رفع الإبهامات وصولا الى انهاء الملف.
ـ الحركة الروسية التي أعطت اشارات واضحة في التعاون مع ايران نوويا فضلا عن الاعتراف بحقها في التقنية النووية السلمية ورفض منطق العقوبات والتهديد "كسيف في يد سفيه" كما وصفها الرئيس الروسي بوتين. وانسجمت مع مساع اوروبية يقودها سولانا لتطويق حالة التوتر وتأكيد الحوار والمفاوضات كطريق وحيد للحل.
العقوبات الاميركية الجديدة او "التحريم" كما يسميها الايرانيون ليست جديدة، وقد أثبتت العقود الثلاثة الماضية (منذ انتصار الثورة) عدم جدواها وضعف تأثيرها العملي، فضلا عن تقوية روح الاكتفاء الذاتي وفتح الاسواق والآفاق الجديدة. "الانتقاد" التقت الدكتور علي زعيتر المحلل الاقتصادي والمتابع للشؤون الايرانية لسؤاله عن الخطوة الاميركية الجديدة، فأكد ان الايرانيين كانوا يتوقعون خطوة كهذه منذ عدة اشهر وقاموا بإجراءات سريعة كنقل الكثير من الاعتمادات المصرفية L.C اللازمة للصفقات التجارية الكبرى في مجال النفط او المواد الاولية من المصارف الغربية الى مصارف ووكالات آسيوية في الصين واليابان وهونغ كونغ وغيرها تحسبا لحصار مالي نقدي يحاول ارباك وإضعاف حركة ايران في التجارة العالمية". مضيفا ان اي تأثيرات سلبية وخسائر تنتج عن عقوبات كهذه هي محدودة وآنية وقد لا تتجاوز عدة اشهر، وذلك لقوة ومرونة الاقتصاد الايراني الذي تأقلم وتجاوز ازمات اكبر وأخطر بكثير من هذه. ويرجع الدكتور زعيتر قوة الاقتصاد الايراني وثباته: اولا الى قوة الادارة الايرانية سياسيا والوحدة والانسجام الداخلي ووضوح الاستراتيجيات السياسية والاقتصادية، اضافة الى المصالح المشتركة للعديد من الدول الاوروبية والآسيوية مع ايران، والتي لم تتناغم مع العقوبات الاميركية السابقة، وخاصة القوانين التي تمنع حتى الدول الاخرى من التعامل الاقتصادي مع ايران، والتي صدرت في العام 1996". وحول آفاق ومستقبل هذه العقوبات يشير إلى أن " الادارة الاميركية تعمل على توريط الاوروبيين في تبني العقوبات، وبالتالي اصدار قرار دولي مشابه من شأنه ان يضر اكثر بالمصالح الايرانية لإجبار طهران على تعليق تخصيب اليورانيوم، وإلا فالتصعيد وصولا الى تبني خيار الضربة العسكرية". مشيرا الى ان ارتفاع اسعار النفط يمكن ان يكون في بعض أبعاده مؤشرا الى اقتراب الخيار العسكري: "تقليل الطلب على النفط في الشرق الاوسط وزيادة ارباح شركات النفط الاميركية والأوروبية يدفعها لمضاعفة انتاجها والسير نحو الاستغناء النسبي عن نفط الخليج فيما لو حدثت ضربة ونفذت ايران تهديداتها بإغلاق مضيق هرمز الذي يعبر منه حوالى ثلث النفط العالمي.. ومن جهة اخرى هذا الارتفاع يمهد الطريق لارتفاع آخر عند الضربة تجد الشركات الغربية انه لن يفاجئها حينها".
أجواء الحرب هذه تمهد لها واشنطن وتل أبيب عبر اجواء اعلامية مشحونة ومحاولة لتحضير الرأي العام الاميركي لمغامرة كهذه. ففي الوقت الذي يتظاهر فيه ملايين الاميركيين في 20 مدينة كبرى ضد سياسات بوش واحتلاله للعراق وأفغانستان، تتحدث الصحف الاميركية وبعض مراكز الابحاث "زوغبي" عن ان اكثر من نصف الاميركيين يؤيدون الهجوم على ايران!
وفي الوقت نفسه يحدث تحول في الاصطلاحات له دلالة هامة: وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس وبعدها بأيام الناطق باسم البيت الابيض يستعملان عبارة "ايران تمثل خطرا على الامن القومي"، بعدما كانت "تمثل خطرا على المصالح الاميركية او حلفاء اميركا".. والمتابعون يدركون أهمية الامن القومي وحساسيته عند الناخب الاميركي والأبعاد الاستراتيجية لهذا المفهوم.
الاصرار الاميركي على تسييس الملف النووي السلمي الايراني واستعماله فرصة "ذهبية" وحجة رغما عن "أنف الوكالة الدولية والبرادعي والرأي العام الدولي" يأتي لتصفية الحسابات القديمة والمتجددة مع نظام الجمهورية الاسلامية الايرانية الذي لا يكمن خطره في قنبلة نووية لا يسعى لامتلاكها، بل في طرحه مشروع ممانعة واستقلال وقدرة شعبية ورسمية يصعب ترويضها في النظام العالمي الاميركي الجديد، والأخطر منه تحوله الى نموذج عملي يمكن تكراره في انحاء مختلفة من العالم، وبعضها كانت تعتبره واشنطن لزمن قريب "فناءً خلفيا لها".
واشنطن جربت العقوبات السياسية والاقتصادية، والآن تكرر التجربة. اما هنا في طهران فيكررون بيت الشاعر حافظ الشيرازي بالعربية:
"من جرب المجرب حلت به الندامة"
الانتقاد/ العدد1239 ـ 2 تشرين الثاني/نوفمبر 2007
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018